الروائية زينب عفيفي والكاتبة منال رضوان (وجهًا لوجه)
القاهرة | خاص جريدة عالم الثقافة
في فندق وندسور بالاس المعروف بطرازه الإنجليزي العريق، كنت على موعد مع الصحفية والروائية زينب عفيفي مدير تحرير أخبار اليوم واستقبلتني ببشاشتها المعهودة حيث استرجعت معي اجمل الحكايات والذكريات عن توفيق الحكيم، أنيس منصور، فتحي غانم؛ فزينب عفيفي حكاءة بدرجة الأستاذية، وبالطبع كنت أقاطع كلامها لأعاود السؤال عن يوسف السباعي.
جاء هذا الحوار عقب الندوة التي استضافتها لمناقشة سلسلة أعمالها وروايتها الأحدث “معك تكتمل صورتي”ضمن البرنامج الثقافي على هامش معرض مكتبة الإسكندرية في دورته السادسة عشرة. وكان لنا معها هذا الحوار:
- زينب عفيفي التي بدأت العمل الصحفي في سن مبكرة والتقت خلال مسيرتها العملية بالعديد من الشخصيات العربية والعالمية هل لنا أن نتعرف بداية على هذه التجربة؟
– بدأت تجربتي الصحفية في بداية التحاقي بكلية الإعلام جامعة القاهرة العام الثاني للدراسة حين كان يتحتم علي طلبة قسم الصحافة التدريب في الصحف والمجلات المصرية كدراسة عملية تضاف إلي الدراسة النظرية التي كنا ندرسها في الكلية، من المصادفات الجميلة أن يأتي تدريبي في مجلة أخر ساعة حين كان الكاتب الكبير انيس منصور رئيسا لتحريرها ، فتعلمت منه إلي جوانب التدريب الصحفي ، الكتابة الصحافية بكل ما تمتلكه من سحر وجاذبية بأسلوبه السهل الممتع ، الذي صار نهج في كتاباتي الصحفية ثم الكتابات الأدبية والإبداعية ، وبعد تخرجي من الكلية عملت في الصفحة الأدبية في جريدة أخبار اليوم والتي كانت تصدر في صفحة متخصصة للبلاد العربية فقط، بمعني أن ما كنت أكتبه لا يقرؤه القارئ المصري، إلا بعد سنوات بعد انضمام هذه الصفحة الأدبية المتخصصة إلي بقية صفحات الجريدة الأسبوعية.
– عملي في هذه الصفحة الأدبية أتاح لي مقابلة أدباء كبار، لم أكن أحلم بمقابلتهم أمثال ” توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، واحسان عبد القدوس، صلاح الطاهر الذي كان يدرس لي مادة الفن التشكيلي بالكلية، وفتحي غانم، ورشاد رشدي وأحمد بهجت وغيرهم من كبار الأدباء والشعراء الذين تعلمت منهم أشياء كثيرة في الكتابة والحياة واختزنتها في عقلي، ومازلت استعين بهذه الخبرات كلما دعت الضرورة كمخزون معرفي كامن في داخلي.
- ماذا عن احدث رواياتك “معك تكتمل صورتي”.. وماذا تمثل في مسيرتك الأدبية؟.. وهل يمكننا اعتبارها قصة حقيقية حدثت بالفعل لزينب عفيفي التي فقدت شقيقتها في وقت سابق؟
– رواية “معك تكتمل صورتي” هي العمل السادس عشر في مسيرتي الإبداعي ولا استطيع تأكيد أن تكون هذه الرواية تجربة ذاتية، لأنني توأم، فقدت توأمتها لحظة ميلادهما، فلم أرها ، ولم أعش معها، لكن التوأمة في الرواية ، هي توأمة الروح ، والأخرى في حياتنا، وتخيلتها اخت كبرت مع البطلة وفي فترة المراهقة ماتت وتركتها وحيدة، ولم تقبل هذا الفقد وبقيت معها كي تكتمل صورتها الناقصة .
- في روايته أولاد حارتنا استخدم نجيب محفوظ جملة (شوية نعناع) فكانت بمثابة حلية وضعها على ثوب غاية في الأناقة من رصانة الفصحي، زينب عفيفي والتي مازالت تكتب بالفصحى وسط هذا الذي نشاهده من انفلات وجنوح هل ترفضين ذلك اللون الذي يروج له البعض باعتباره الاكثر واقعية ؟
– كل كاتب له لغته الخاصة التي يعبر بها عن مكنون نفسه، وقدرته علي التعبير بها، بالنسبة لي أنا أفضل اللغة العربية السلسة الجذابة، التي تصنع جملا متواصلة كعقد لولي يصعب فكه ، وإلا انفرط ولم يعد له شكلا، ومن حسن الحظ أن اللغة العربية لغة ثرية وجميلة، والمحظوظ هو من يستطيع أن يلتقط الكلمات والعبارات التي تصنع سردا جميلا ، يخلب قلب القارئ، ويجذبه، دون أن يشعر بالركاكة والملل ، وإذا كان الكاتب الكبير نجيب محفوظ استعان بجملة عامية بين لغة عربية رصينة، فلابد أن تكون قاعدة يحتذي بها في الضرورة ودون إفراط، بل لتجميل اللغة العربية، وكتابات نجيب محفوظ دروس مجانية للكتابة.
- “أحلم وأنا بجوارك” قصة الأم الكفيفة وابنتها الوحيدة هل تصرين على تلوين رواياتك بخط واقعي أم أن هذا يحدث بمحض الصدفة؟
– الكتابة مشروع اكتشاف، تبدأ بفكرة وتنتهي بحكاية، وهذه الحكاية تشمل الواقع والخيال. وعلي قدر قدرتك على تحويل الواقع إلي خيال ألون رواياتي. إذا كنت تقصدين أن أمي كانت كفيفة، فكل اللي استعرته في هذه الرواية من حياتي هو كيف يتصرف الكفيف وكأنه مبصر، وأن فقدان البصر لا يعني فقدان البصيرة، وهكذا كانت أمي وبطلة روايتي التي تختلف تماما عن أمي وتتفق معها في الروح.
- يشعر بعض القراء خاصة الشباب بنوع من الملل يصاحب قراءة الأعمال الضخمة ومع ذلك بعض أصحاب دور النشر يصرون على عدد كبير من الكلمات رأيك ما سر ذلك. وهل أنتِ مع تقييد الإبداع بعدد معين من الكلمات؟
– اعتقد أن القراءة في الفترة الأخيرة زادت نسبتها بين شباب القراء، وساعد علي ذلك منصات القراءة التي انتشرت علي وسائل التواصل الاجتماعي، حتي أصبحت تلعب دورا هاما في ذائقة القارئ الحديث العهد بالقراءة، مما أحدث نوع من الزيادة المطردة في نسبة القراء من الشباب لكل الأعمال الجديدة، واصابة الشباب بالملل، ربما يأتي من نوعية الكتابات المتشابه، لكن في اعتقادي أن العزلة التي فرضت البقاء في البيت في بلدنا وفي العالم بسبب “فيرس كوفيد 19” ساهمت في زيادة نسبة القراءة، وتعدد الذائقة لدي القراء، حتي تحول القارئ إلي ناقد يحترم رأيه في كثير من الأوقات في ظل غياب الناقد المحترف.
- عملك لسنوات كمراسلة بمطار القاهرة هل كان وقودا لذلك الزخم في ظهور شخصيات عدة هل لنا ان نعلم عن هذه التجربة؟
– تجربة عملي كمراسلة لأخبار اليوم في مطار القاهرة الدولي، كانت في بداية عملي الصحفي بمثابة ما يحدث حاليا من تأثير الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فالمطار منطقة عالمية لالتقاء كل الوجوه والجنسيات بكل اللغات، وحكايات المطار قصص حياتية واقعية، تحتمل أن تكون وقودا للكتابة الإبداعية. مشاهد اللقاء والوداع والفرح والحزن، مشاعر عشتها من وجوه حقيقية وسط زحام لا يرحم ولا يحس بالأخر، كل مسافر يحمل حقيبته بكل ما تحتوي من احتياجاته المعيشية والنفسية في رحلة ذاهبة وأخري قادمة اراها بعيني ويكملها خيالي في كثير من الحالات المؤثرة. فترة عملي في المطار منحتني فرصة لقاء وجوه عابرة في حكايات دافعة للكتابة الصحفية والابداعية حين يستدعي الواقع الخيال.
- الأدب يضيف للحس الصحفي أم أن الصحافة في رأيك قد تجعل الكاتب أكثر إلتصاقا بالواقع؟
– الصحافة نبض حي، والكتابة خيال يكبر وينمو في رحم الصحافة - تكتبين أدبا يميل إلى الرومانسية التي يختلط بها وشيج الحس النفسي هل من الممكن ان تتجه كتاباتك الى الواقعية الجديدة؟
الأدب بشكل عام لابد أن يحمل رسالة اجتماعية، يتحقق فيها المتعة والجمال، والأديب يسهم في بناء مجتمعه بمواقفه ورؤاه، فالعلاقة تبادلية، بهدف تغير المجتمع للأفضل، وعليه أن يعبر عن ذلك بالتركيز على الشكل والمضمن بما يتلاءم مع فكرته وتقبل مجتمعه له بأسلوب جميل، فالكتابة لابد ان تمتزج بالواقع بكل ما فيه من رومانسية وواقعية، فالأدب في النهاية انعكاس للحياة بصورة أنيقة.