الأيديولوجيا (Ideology)
د. خضر محجز | فلسطين
1ـ الأيديولوجيا والواقع:
الأيديولوجيا مصطلح يشير إلى منظومة فكرية شاملة، أنشأها زمن ما، وتسعى لصياغة المجتمع، في زمن مختلف، وفق برنامج عمل سياسي.
فالأيديولوجيا مرتبطة بالفرد داخل مجموعة، تؤثر على الفرد وتحكم علاقته بالمجتمع، بوصفها إطاراً عقائدياً، أو رؤية للعالم، تتحدد من خلالها المبادئ الأخلاقية التي تحكم سلوك الفرد الذي يعتنقها.
إن تمسك الأيديولوجيا بحزمة الأفكار المعرفية، وإصرارها على تطبيقها في الواقع المجتمعي والفردي، أدى إلى التعارض الصريح، في كثير من الأحيان، بينها وبين الواقع:
فالأيديولوجيا حينما تحقق إنجازاً في مجال المعرفة النظرية الحتة، ثم تسعى إلى النزول إلى معترك الحياة اليومي، لتغيير المجتمع، تتخلى ـ ولا بد ـ تحت وطأة الواقع، عن هذا الإنجاز الذي يصعب تطبيقه.
إن حدوث مثل هذا التناقض القسري، عند التطبيق هو الذي حمَل مصطلح الأيديولوجيا كل هذه المحمولات السلبية تاريخياً: حيث تخلت عن الإنجاز النظري، ثم أخفقت في تحقيق إنجاز عملي.
2ـ الأيديولوجيا والعقيدة:
تختلف الأيديولوجيا عن العقيدة في كون العقيدة تعني: إطاراً من الأفكار، لا يشترط التحقق العملي لتحقيق ماهيته.
فالعقيدة الإسلامية (الأصول) مثلاً تفترض توفر مجموعة تصورات غيبية سماعية لدى معتنقها، فإذا توفرت هذه التصورات تحققت العقيدة، بغض النظر عن السلوك العملي.
أما إذا تحدثنا عن الإسلام كديانة متكاملة، فإننا سوف نتمكن حينئذ من إطلاق المصطلح (أيديولوجيا) لوصفه؛ لأن الإسلام لم يكتفِ بمجموعة التصورات العقائدية ـ التي تقابلها (في الأيديولوجيا) المعرفة النظرية ـ بل إنه يصر على النزول إلى أرض الواقع لإحداث التغيير، ورسم سلوك الأفراد وفق تصورات مسبقة ترتبط بمنظومة الشرائع(الفروع). كما ينطبق مثل هنا القول ـ إلى حد ما ـ على اللاهوت المسيحي؛ باعتباره يصر على الربط بين العقيدة والسلوك.
وعلى هذا، يمكن اعتبار الأحزاب الإسلامية أحزابا أيديولوجيةً؛ لأنها تصر على إعادة صياغة الواقع الاجتماعي والسياسي وفق أفكارها، خلافاً للطرق الصوفية التي لا يمكن نسبتها إلى الأيديولوجيا، بل إلى العقيدة، أو المعرفة النظرية الساكنة.
3ـ الأيديولوجيا وعي زائف:
مما سبق نكتشف أن الأيديولوجيا هي اكتشاف أحادي الجانب، ينبثق من الصراع السياسي:
فالأيديولوجيا لديها طبقة من المفسرين، الذين يتحولون مع الزمن إلى جزء من الأيديولوجيا نفسها.
وكل طبقة مفسرين في جماعة حاكمة هم مهيمنون.
إنهم يصوغون وعي الحزب الحاكم، بما يحقق مصالحهم هم، من دون الحزب، وفي نفس الوقت يصوغ الحزب وعي عناصره بما يحقق مصالح الحزب، من دون الشعب الذي جاء بالحزب إلى السلطة، لتحقيق البرنامج.
ولأن طبقة المفسرين داخل الحزب تصبح شديدة الارتباط بموقف سياسي يحقق مصالحها، فإنها لا تعود قادرة على إدراك أي حقائق واقعية جديدة تقوض معنى الهيمنة لديها، حتى لو كانت هذه الحقائق تخدم مجموع الشعب.
4ـ الأيديولوجيا هيمنة القلة على الكثرة باسم الفكر:
إليكم الآن الوضع برمته مكثفاً:
ينشأ الحزب بضمانة الأفكار، فينشأ داخل الحزب طبقة مفسرين تصبح هي الأفكار، فتصوغ الحزب بما يحقق مصالحها هي لا مصالح الحزب ولا مصالح الشعب.
في هذه المرحلة ـ التي تسبق السقوط ـ يصبح الحزب غطاءً للأفكار التي لم تعد مناسبة، وتصبح الأفكار غطاءً لطبقة المفسرين الذي يصرون على تقديم تفسير يحقق مصالحهم. ويصبح الشعب خاضعاً لطبقة صغيرة تسوق الناس إلى مصالحها، مستعينة بالحزب، من دون الشعب والحزب سوياً.