الكفاءة الاجتماعية: تعريفها ومؤشراتها وبرامج تنميتها

أ.د. محمد سعيد أبو حلاوة| أستاذ الصحة النفسية

  • ماهية الكفاءة الاجتماعية: 

تتعدد تعريفات مفهوم “الكفاءةالاجتماعية Social competence”،

إلا أن الكفاءة الاجتماعية بشكل عام دالة لمجموعة من المهارات الاجتماعية التي تمكن الشخص من إقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين والتصرف بطرائق بناءة في سياق التفاعلات الاجتماعية للجماعات التي يحيا في إطارها، وتتضمن هذه المهارات: التعاطف empathy، تنظيم الانفعال emotional regulation، اتخاذ منظور الآخرين perspective taking، التعاون cooperation، الرقة واللطف والصداقة friendliness، ومهارات حل المشكلة الاجتماعية social problem-solving skills (Bornstein, Hahn. & Haynes, 2010). 

ورأى هينج كيونج ما Hing Keung Ma (2012) أنّ الكفاءة الاجتماعية تتضمن ثلاثة جوانب أساسية تتمثل في: 

  • القدرة على بناء علاقات بين شخصية سوية وإيجابية وحل الصراعات بين الشخصية بطرائق إيجابية وبناءة. 
  • تطوير هوية ذات واضحة،وهوية جماعة أو هوية جماعية (الهوية الوطنية national identity). 
  • التوجه لأن يكون الشخص مواطنًا مسئولاً في مجتمعه، ومواطنًا صالحًا في العالم بشكل عام. 

وذهب هينج كيونج ما Hing Keung Ma (2006) إلى أنّ “تنمية علاقات إيجابية ومساندة مع مختلف أنماط الناس (الوالدين، والأشقاء، والأقارب، والأقران، المعلمين، وغيرهم من الكبار) أمرًا بالغ الأهمية ومهارة تكيفية adaptation skill يتعين الأطفال والمراهقين اكتسابها وتعلمها من أجل أن يعشوا حياة سعيدة في مجتمعهم. 

     ويجب على وجه الخصوص تعليم المراهقين مهارات وصف وتحليل وفهم طبيعة الاختلافات أو الصراعات المحتملة مع الآخرين، وتعلم استراتيجيات التفاوض بين الشخصي لاستخدامها مع الأقران والراشدين. 

 ومن المهام الأساسية الجوهرية التي يجب تعليمها وتنمية لدى الأطفال والمراهقين هو “هوية واضحة” خاصة ما يعرف ب “الهوية الوطنية National identity”؛ ذلك لأن مفهوم “الهوية identity” بشكل عام  يتضمن تكوين “مفهوم ذات كامل complete concept of self” للشخص يحتوي على:

  •  الهويةالشخصية personal identity. 
  • هوية الجماعة group identity. 
  • الهوية الاجتماعية social identity. 
  • الهوية الوطنية أو العرقية national or racial identity. 
  • الهويةالمهنية vocational or occupational identity. 
  • هوية النوع أو التنميط وفقًا للنوع sex-role stereotype. 
  • الهوية الدينية religious identity. 

وبالرغم من التنوع في أنماط الهوية في علاقتها بالكفاءة الاجتماعية أفاد مارك يلفساكير، وماري هيبارد، وتيموثي فيني (2006)أن الأفراد ذوي الكفاءةالاجتماعية يتميزون بما يلي: (Ylvisaker, Hibbard. & Feeney, 2016): 

  • المعرفة بالقواعد والأدوار والضوابط الاجتماعية التي يجب الالتزام بها في المواقف والسياقات الاجتماعية التي يتواجدون فيها (مثل: المدرسة، المنزل، أماكن الترفيه، والتجمعات أو الملتقيات الاجتماعية. 
  • القدرة على وصف وقراءة وتفسير سلوك الآخرين وحالاتهم الانفعالية بمستوى عالٍ من الدقة. 
  • القدرة على التجاوب مع سلوكيات الآخرين وحالاتهم الانفعالية بطريقة ودية قائمة على التعاطف. 
  • يريدون التصرف (النوايا)، والاستعداد للفعل (العادات) بطريقة تتسق مع معرفتهم بالقواعد الاجتماعية والأدوار الاجتماعية والضوابط الاجتماعية، وما يتحصل لديهم من قراءاتهم لمشاعر وحاجات الآخرين. 
  • لديهم مستوى عالٍ من الثقة المطلوبة للتفاعل الاجتماعي مع الآخرين مع تقبل وتحمل المتاعب واحتمالات التعرض للنبذ أو الرفض. 
  • يتصرفون بطريقة على درجة عالية من الدقة والبراعة الاجتماعية، الأمر الذي يترتب عليهم ارتفاع مكانتهم الاجتماعية والحصول على تعزيزات اجتماعية إيجابية من الآخرين. 

ورأت Semrud-Clikeman, 2007)) أنّ الكفاءةالاجتماعية Social competence تركيب نفسي معقد ومتعدد الأبعاد ويتضمن أبعاد اجتماعية وانفعالية مثل القدرة على ضبط وتنظيم الوجدان affect regulation، وأبعادًا معرفية مثل مهارات تنظيم وتجهيز ومعالجة المعلومات الاجتماعية واتخاذ منظور الآخر، وأبعاد سلوكية مثل مهارات المحادثة والحوار ومهارات السلوك الاجتماعي الإيجابي؛ فضلاً عن مجموعة من الجوانب الدافعية كفعالية الذات وهي أبعاد مهمة جدًا بالنسبة للتوافق الاجتماعي وإقامة علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين.

     وتعكس الكفاءة الاجتماعية قدرة الشخص على اتخاذ منظور الآخرين ومراعاة وجهات نظره وآراؤه الشخصية في مواقف التفاعل الاجتماعي، والتعلم من خبرات التفاعل الاجتماعي السابقة وتطبيق الدروس المستفادة منها في مواقف التفاعل الاجتماعي التالية (Semrud-Clikeman, 2007) .

    وأشارت جينفير جوي (2016) إلى أنّ الكفاءة الاجتماعية متطلبًا مركزيًا للنجاح الأكاديمي والاجتماعي، إلا أن اختزال مفهوم الكفاءة الاجتماعية في مجموعة “المهارات الاجتماعية”، وغياب “السلوكيات السلبية”، أمرًا لا يعبر عن ماهية الكفاءة الاجتماعية بمعناها التكاملي بنيتها الكلية؛        ذلك لأن الكفاءة الاجتماعية “حالة تعني امتلاك الشخص لمجموعة من المهارات الاجتماعية والانفعالية والعقلية والسلوكيات التي تمكن الشخص من النجاح كعضو في المجتمع، فضلاً التمكن من التكيف والتوافق الاجتماعي الناجح successful social adaptation”.

    وتأكيدًا لهذا المعنى تٌعْرف الكفاءة الاجتماعي بأنها “القدرة على إدارة التفاعلات الاجتماعية بكفاءة وفاعلية، بما يعكس قدرة الشخص على إقامة وتأسيس علاقات اجتماعية إيجابية مع الآخرين قائمة على التواد والتقبل، فضلاً عن الاستجابة بطرائق تكيفية في السياقات الاجتماعية”. 

وفي إطار هذا التصور تتضمن الكفاءة الاجتماعية بنية أو تكوين فرضي يتضمن البناءات التالية: 

  • المهارات الاجتماعية social skills التي تصف معرفة وقدرة الشخص على استخدام السلوكيات الاجتماعية الإيجابية التي تتناسب مع مواقف التفاعل بين الشخص بحيث يترتب عليها رضا الآخرين عن الشخص وتقبلهم له وتلقيه تعزيزات اجتماعية إيجابية منهم.  
  • سلوكيات تنظيم الذات Self-regulation behaviors: تعكس قدرة الشخص على كف سلوكيات الاندفاعية السلبية الأنانية المتمركزة حول الذات. 
  • الذكاءالانفعالي emotional intelligence: ويشير إلى قدرة الشخص على فهم انفعالات ومشاعر الآخرين، وإدراك وفهم وتفسير “الهاديات الاجتماعية الدقيقة subtle social cues”، وقراءة وفهم مضامين ودلالات المواقف الاجتماعية المعقدة وإظهار قدر مرتفع من البصيرة بدوافع الآخرين وأهدافهم.

    وتبعًا لهذا الأمر فإن الأشخاص ذوي المستوى المرتفع من الكفاءة الاجتماعية يمتلكون رصيدًا وافرًا من “المهارات الاجتماعية”، فضلاً عن “الوعي الاجتماعي”، و”اتخاذ منظور الآخر واتساع الأفق والانفتاح العقلي على رؤى وتصورات وأفكار الآخرين”.   

    من جانب آخر استخدم مصطلح “الكفاءة الاجتماعية” بصورة واسعة للإشارة إلى “الفاعلية الاجتماعية social effectiveness” للشخص، وعرفت في ضوء تمثيلها لـ “قدرة الشخص على إقامة وتأسيس علاقات اجتماعية إيجابية لها طابع الدوام والاستمرارية والاتساع والعمق، وتجنب معاملة الآخرين بطريقة سلبية أو تعريضهم للإيذاء”. 

      وبالإضافة إلى “الفاعلية الاجتماعية”، و”الذكاء الانفعالي”، و”اتخاذ منظور الآخر والوعي به”، من العوامل الأخرى ذات التأثير المباشر في الكفاءة الاجتماعية “مستوى ثقة الشخص في ذاته self-confidence”، فضلاً عن “مستوى القلق الاجتماعي social anxiety level “.  

  • للمزيد:
  1. Bornstein, M., Hahn, C., & Haynes, O. (2010). Social competence, externalizing, and internalizing behavioral adjustment from early childhood through developmental adolescence: Developmental cascades. Development and Psychopathology, 22, 717-735.

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3354678/pdf/TSWJ2012-287472.pdf 

  1. Joy, JM. (2016). Evaluating Positive Social Competence in Preschool Populations. School Community Journal, 26 (2): 263-289. 
  2. Ma, HK. (2006). Moral competence as a positive youth development construct: conceptual bases and implications for curriculum development. International Journal of Adolescent Medicine and Health, 18(3):371–378.
  3. Ma, HK. (2012). Social Competence as a Positive Youth Development Construct: A Conceptual Review. The Scientific World Journal, 287472, 1-7.
  4. Ylvisaker, M., Hibbard, M. & Feeney, T. (2006). What Is Social Competence (Social Skills)?: http://www.projectlearnet.org/tutorials/social_competence.html 
  5. Semrud-Clikeman, M. (2007). Social competence in children. New York, NY: Springer Science+Business Media. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى