الهجوم الإسرائيلي الخاسر على إيران
بقلم: عصري فياض
هل رأيتم في زمانكم كيف كان الحجار التقليدي في الازمان الغابرة يسيطر على الصخرة الواسعة الصلبة ويفتتها؟
هذه هي السياسة التي تحاول إتباعها “إسرائيل” في مواجهة الاخطر الاكبر والاعظم الذي يواجهها، وهو إيران،لقد ملت من الكلام،والحديث،هذا ما اشار اليه رئيس وزرائها الجديد نفتالي بنت أمام هيئة الامم المتحدة قبل أيام،كما ملت من حثّ الولايات المتحدة الامريكية والغرب عموما في تجنيده ضد إيران،فالويلات المتحدة التي تنكفأ الان عن المنطقة،لا ترغب في الدخول في حرب جديدة لا أحد يستطيع تصور نهايتها، ووصلت أيّ “إسرائيل” لنتيجة مفادها :- لا بد من العمل وبكافة الوسائل ومنها غير التقليدية المبتكرة والغير مسبوقة لتحطيم هذه الصخرة التي تجثم على صدرها وتهدد وجودها..
إن الحقيقة تقول أن كلا من العدوين اللدودين إيران و”إسرائيل”، في اشتباك دائم ومستمر ومتواصل في أكثر من ساحة ومكان،منذ سقوط الشاة وانتصار الثورة الاسلامية في ايران من العام 1979، أي قبل أكثر من اربعين عاما ، وهذه الحرب،جوهرها عقائدي،لايمكن لاي طرف فيها تقبل الآخر،أو الاعتراف به،أو التعامل معه ، ويمكن تصنيفها على شكلين،حرب الظلال المباشرة وحرب الانصار والمنضوين تحت تحالف محور المقاومة إن جاز التعبير غير المباشرة، وقد توسعت مؤخرا لتشمل اشكالا جديدة من الحروب، حيث دخلت اغتيال العلماء الايرانيين والقادة البارزين وحرب السفن التجارية،والحرب السبرانية، وأخيرا وليس آخرا تعزيز الوجود الاسرائيلي في اقليم كردستان العراق وجمهورية أذربيجان خاصة بعد نصر اذربيجان في الحرب الاخيرة مع غريمتها ارمينيا ، الامر الذي مكن لاذربيجان السيطرة على قسم واسع من اقليم ناغورني كرباخ المحاذي للحدود الايرانية والذي قامت اذربيجان مؤخرا بالتعاون مع حليفتها التقليدية تركيا محاولة الالتفاف على ما تبقى من ذلك الاقليم من جهة الحدود الايرانية الارمينية بهدف اغلاق المجال امام الحركة التجارية الايرانية لأرمينيا وأوروبا عبر الاراضي الأرمينية مما اثار درة فعل ايرانية صاخبة تمثلت بالمناورات البرية الضخمة قرب تلك الحدود والتي حملت اسم ” فاتحو خيبر” في اشارة مقصودة للحضور “الاسرائيلي” الامني والعسكري في أذربيجان والذي وصفه الرئيس الاذري “إلهام علييف” بأن ما يعلن عنه من تعاون مع اسرائيل لا يساوي 10% من حقيقته،في حين أشارت تقارير صحفية واستخبارية غربية أن “لاسرائيل” في أذربيجان أربع قواعد عسكرية جوية ،إضافة لقاعدة أمنية يعتقد أن فيها عناصر من الموساد الاسرائيلي، والامر الاخطر في المسألة أن أحد أهم مكونات الشعب الايراني هم من الاذريين، لأن اذربيجان ذات الملايين الثمانية والذين يعتنق أكثر من 75% منهم المذهب الشيعي،كانوا جزء لا يتجزأ من ايران قبل أن تخسر ايران احدى حروبها مع روسيا وتنسحب للجنوب،فساعدت روسيا في إنشاء هذا البلد الذي اصبح لاحقا جمهورية من ضمن الجمهوريات السبعة عشر التي كانت تشكل الاتحاد السوفيتي.وهدف اسرائيل من ذلك التحرش هو الطلاع على الداخل الايراني عن قرب ، وتنفيذ المهام الامنية فيه بطريقة أسهل وهذا ما برز من خلال نتائج التحقيق الذي تلى عملية اغتيال العالم النووي الايراني محسن فخري زادة، كذلك اثارة النعرات الطائفية والقومية المشكلة للكل الايراني من خلال خلق بيئة توتر تدفع حسب ما تعتقد وترسم في مخططاتها ، ان تدفع القومية الاذرية أو قسم منها للتمرد على الجمهورية الاسلامية، وبالتالي توجيه ضربة لايران من الداخل، كما تفعل في شمال كردستان العراق من خلال مساعدة الجماعات الكردية الايرانية المعارضة في الاقليم، والتي شرعت مؤخرا في شن هجمات عبر الاقليم ضد مراكز الجيش والحرس الثوري في منطقة شمال غرب ايران، ومثلها تفعل وبمساعدة دول خليجية تقاسمها العداء لايران في دعم حركات انفصالية في منطقة الاهواز وقرب الحدود الافغانية والباكستانية الايرانية،كذلك تحاول اسرائيل التقدم نحو ايران من جهة الخليج مستغلة التطبيع مع كل من الامارات والبحرين والتقارب الذي حصل في زمن نتياهو مع سلطنة عُمان.
إن هذا الهجوم الواسع، والتحرك الشاسع تدركه إيران تمام الادراك، ولم تغفل عنه، وتتقن فن التعامل معه، وهي التي تعيش حالة من الاستنفار والمواجهة منذ اليوم الاول لانتصار ثورتها، وقد أكسبتها التجربة الطويلة مع الحصار والتحرش الامريكي خلال الثلاثة والأربعين عاما الماضية الصحوة الانتباه والتصدي والصمود، وكسر محاولات النيل منها داخليا وخارجيا،وإذا كانت “إسرائيل” تعتقد ان وجودها في أذربيجان وكردستان والإمارات والبحرين، فإن سيوف إيران من القوى المتحالفة معها موجودة ومن زمن طويل في جنوب لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة، وأن هذه الساحات المتحالفة مع ايران، تتقدم ولا تتأخر، وتحقق إنجازات وانتصارات ولا تتراجع، بل أنها أصبحت بمجموعها تشكل خطر وجودي على “إسرائيل”، بينما لا يمكن أن تكون الخطط الاسرائيلية والتحركات التي تقوم بها مهما تقدمت اقدامها في المناطق المحاذية لايران أن تشكل خطر وجودي على جمهورية ايران الاسلامية،لأسباب كثيرة منها أن إيران دولة من دول قديمة قدم التاريخ، تملك حضارة عميقة،بينما إسرائيل كيان لا زال في عهد الخداج، وايران بلد واسع شاسع غني كثير العدد ومتنامي العدة والنهضة والتقدم متعمد على نفسه، بينما إسرائيل، كيان صغير منحصر في شريط ضيق يسهل لان يكون كله او بمعظمه تحت فوهات الضربات الايرانية من كل ناحية وصوب في حال نشوب حرب تقليدية واسعة،و”اسرائيل ” كيان قائم على دعم الولايات المتحدة التي سئمت المنطقة وشرعت بالرحيل عنها مجبرة أو طائعة، لكن لها حساباتها الذاتية أولا ثم تفكر في حلفائها،إيران بلد يحسن صنع التحالفات،وبارع في تطويع السياسات لصالحه،فقد اتقن التحالف مع اكبر قوتين يعارضان السياسات الامريكية وهما الصين وروسيا، وكذلك الدول الاشتراكية التي تقع في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة،بينما في اسرائيل لم يعد هناك قادة تاريخيون يتقنون لعبة السياسة اتقان المتحرف…لقد خسروا قادتهم التاريخيين.
لقد اسقطت إيران قوة الردع “الاسرائيلية”التي خلقت معها منذ العام 48،فمنذ ذلك الزمان وما بعده، لم تصمت اسرائيل على خطر كانت تعقد انه ممكن أن يؤذيها حاضرا أو مستقبلا،مهما كان صغيرا،فتبادر الى مهاجمته وحدها، فهاجت الثوار الفلسطينيين في فلسطين قبل عام 48، والجيوش العربية التي جاءت لمنع قيامها في فلسطين،وهاجمت غزة مصر مع بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي، وهاجمت الدول العربية المحيطة في حرب 67،وهاجت قواعد الثةرة الفلسطينية في لبنان على مدار سنوات طويلة، وغزت لبنان في حربين 76 و82، وضربت المفاعل النووي العري في عام 81، وخططت لضرب المفاعل الباكستاني في العام 82،.. وفعلت ما فعلت في الفلسطينيين والعرب،لكنها أمام الخطر الايراني الوجودي، فهي عاجرة لغاية الآن عن تحريك سرب واحد من الطائرات، أو صلية من الصواريخ الاستراتيجية نحو إيران لخوفها من الدقائق التي ستلي الضربة، وهذه بداية نتيجة أي معركة مع إيران، الخسران والهزيمة قبل أن تبدأ، والخسران والهزيمة ليس بخسران معركة او حرب، لا ، بل يمكن ان يكون خسران الوجود كاملا، وهذا هو الهاجس الاعظم الذي يقض مضاجع القيادة الاسرائيلية.