وقت آخر للفرح.. من أدب الرّسائل للكاتبين، محمود شقير و شيراز عنّاب الفلسطينيين(2)
قراءة وتحليل: نزهة أبو غوش
تبادل الكاتب المقدسي شقير رسائله مع الكاتبة النّابلسيّة، شيراز عنّاب؛ من أجل كتابة النّصوص النّثريّة الموجّهة لليافعين.
كتب شقير عن القدس: طبيعتها، حضارتها، ثقافتها، مقدّساتها، نضالها وصمودها ومقاومتها للاحتلال؛ كذلك فعلت الكاتبة عنّاب عن مدينة نابلس.
لقد رصد الكاتبان معلومات مهمّة لحياة اليافعين، نحو الموسيقى والرّياضة، المسابقات في المعلومات والألعاب الّتي تحتاج للتّفكير وبعد النظر، نحو لعبة الشّطرنج والكوتشينا وغيرها.
شجّع الكاتبان الفكر الحرّ المتطوّر المستقلّ المبني على التّحليل والاستقراء. وفهم الحياة بشكل منطقيّ، دون التّصلّب في الرّأي وبالأفكار القديمة الّتي لا تتغيّر مع تطورّ الزّمن والتغيّر الحضاري السّريع جدا في هذا الكون.
تشجيع الرّسم والفنّ ضروري ومهمّ جدا لهذه الفئة العمريّة؛ حيث الحياة والألوان وتوسيع الأفق والخيال والابداع، كما يعتبر الرّسم والفنّ بشكل عام طريقة للتّعبير عن الذّات، وهي أيضا أحدى الوسائل لتهذيب سلوك العنف عند الانسان مثلها مثل الكتابة، ولعب الرّياضة.
“العالمُ فسيحٌ،والأفقَ واسعٌولا حدودَ في السماء. لنحلِّقَ فيها، ونرسمَ فيها أفكارَنا لنجسِّدَ صورَتَنا ونؤكِّدَ على هُويَّتنا.” ص92.
نال إِعجابي انفتاح الكاتبين الاجتماعي والثّقافي والحضاري على الحياة الجديدة المتطوّرة الّتي تعطي المرأة حقّها بالحياة، وخاصّة نقد شقير أمر لعب الفتيات الكرة، مثل الفتيان تماما. “لماذا انصرفَ ذهنُ هذا القياديِّ إلى أجسادِ البناتِ ولم ينتبهْ إلى بَراعتهنَّ في اللعب.”ص85.
كذلك الكاتبة عنّاب بالنسبة لتفسيرها عن لبس الحجاب.
إِنّ فكرة التّطوّع الّتي عرضت بالرّسائل، فكرة حضارية راقية، بل هي في قمّة هرم السّلوك الانساني، وخاصّة حين استخدمت كوسيلة للحفاظ على البيئة.
كان الحديث عن الغربة، والحياة فيها، وتشجيع الحياة في الوطن، تأكيدا على أهميّة الانتماء للوطن، مهما صعبت الحياة به، وأنّ اغربة شتات وضياع، وفقدان للهويّة.
لقد تطرّقت الرّسائل إِلى النّاحية السّياسيّة بشكل غير مباشر، أي من خلال التّشبيه الضّمني، دون أن يذكر المشبّه ولا المشبّه به:
“وَسَأطْلبُ منَ اللبؤاتِ والأسودِ أنْ تَتوقَّفَ عن افتراسِ الثِّيران؛ مَعَ أنَّ للثِّيرانِ قُرونًا لوْ عَرفتْ كيفَ تَستخدمُها لَمَا تَجرَّأتْ عَليها الأسودُ واللبؤات.”
في هذه الصّورة البلاغيّة نرى كيف وصفت الثّيران بقوّتها إِذ يمكنها هزم الأسود بقرونها؛ شرط أن تعرف كيف تستخدمها؛ تماما مثل الدّول العربيّة، حيث يمكنها التّغلّب على أقوى دول العالم إِذا عرفت كيف تستغلّ قوّتها العظيمة.
الصّور البلاغيّة الجميلة في النّصوص تضيف لليافع قدرة على الادراك والتّحليل، واستخدام الرّموز .
إِنّ وجود الأحلام المرعبة في النّصوص، الّتي كانت تتكرّر عند يزيد؛ حيث كان يتوه عن بيته، ولا يجده الا في نهاية الحلم؛ فإِنّه يعبّر عن نفسيّة الفتيان في الوطن المحتلّ المهدّدون باقتلاعهم من وطنهم، كما اقتلع آخرون من قبلهم قبل حوالي سبعين عاما؛ فهو مهدّد بعدم الرّاحة، والاستقرار.والاحلام كانت انعكاسا للواقع المعيشي اليومي الّذي يعيشه الفتى يزيد في مدينة القدس تحت ظلّ احتلال ظالم.
في صفحة 72كان الرّد على سؤال:
“هذه القضيّة؛ هل نراها كما يراها الآخرون؟! وكَما تُدركها حواسُّنا أم كما يدركُها عقلُنا؟!”
كان الجواب”
برأيي؛ ما يَحدثُ الآن من خلافاتٍ واختلافات ما هي إلا اختلافاتٌ بينَ العقل والحواس. العقلانيُّون بالغوا في دوْر العقل، بينما بالغَ التجريبيُّون في الوقوف عندَ تجاربِهم الحسِّيَّة. مثال: لَديك نظَّارةٌلونُها أسودُوأُخرى…”
أرى بأنّ هذا الجواب لم يعط السّؤال حقّه؛ لأنّ السّؤال كان يستوضح عن القضيّة الفلسطينيّة بالذّات، وليس عن اختلاف وجهات النّظر بشكل عام، حيث يراه كل شخص حسب لون نظّارته- كما ذكر-؛ والقضيّة ليست اختلافا بين العقل والإِحساس، وليست وجهات نظر.
بالنسبة للمعلومة:الحجر الذي وجد في فينا عام 1936م حيث وجدوا عليه رسومات لأناس بحضارة جديدة مثل حضارتنا اليوم، قبل حوالي 15 ألف سنة”
كنت اُحبّذ أن يكونتوضّيحا لهذه المعلومة وغيرها في الهوامش، وأن توثّق مصادرها؛ لأنّه يصعب علينا تصديقها، ولا نريد تمويه القارئ ما بين الحقيقة والخيال.
في صفحة 72 جاء بيت الشّعر كمثال على اختلاف وجهات النّظر:
ذو العقلِ يَشقى في النعيم بعقلِه/ وأخو الجَهالةِ في الشقَاوةِ يَنعمُ
أرى بأنّ هذ البيت من الشّعر غير موفّق كمثال على اختلاف وجهات النّظر؛ بل الاختلاف في التّفكير ما بين العاقل والجاهل.
كان بإِمكان الكاتبين خلق عنصر للتّشويق، من خلال ايجاد فكرة مشتركة بينهما تربط كلّ الرّسائل ببعضها؛ لأنّ الفتى اليافع يتشجّع على القراءة من خلال التّشويق.