حكايتان في عصّارة الزيت
عمر عبد الرحمن نمر| فلسطين
كان اسمها (ببّور) الزيت… وكانت تهرس ثمار الزيتون بحجري بدّ كبيرين، يدوران ولا يتعبان، وتحتهما الزيتون، حتى إذا ما انعجن، يتوقف الحجران عن الدوران… ويأتي العمال ويأخذون عجين الدراس بطاسات خاصة، ويضعونها في قفف خاصة، ثم يرتبونها تحت المكبس… العجيب أن أكياس الزيتون كانت كبيرة (أبو خط أحمر) وكان رجلان يرفعان الكيس إلى حيث المحقان العالي؛ لصب الثمار فيه، ولا أدري سبباّ لذاك العلو سوى زيادة المشقة والتعب… اليوم المحقان على سطح المسطبة، يُجَرّ الكيس ويدار ببساطة دون رفع…
والعجب الأكبر عندما يتخاصم أصحاب الغلّة على الدوْر، ومن يعصر أولاً؟ كانوا ثلاثة نفر كل يمسك كيسه ليصبه أولا بعد انتهاء آخر كيس في المحقان… وفاز أبو خليل في المسابقة، دار حبّه على تالي حبّ السابق له، وفرّ من المكان خوفاً… لحقه أبو العبد وأبو غانم لبهدلته لكنهم لم يعثروا عليه، إذ اختبأ بين كومة الجفت وشوالات مملوءة به…
أبو الفول عامل في العصارة، وهو متزوج من ابنة (أبو العبد) وأبو الفول على البركة، يمتلك من العقل نصفه أو أقل قليلاً… انقهر أبو الفول من خسارة صهره، وهو المفروض أن تكون له الواسطة لنسيبه والأولوية في العصر، كون (أبو الفول) يعمل في العصارة… خلع فردتيْ جزمته، وحمل مسماراً بحرياً طويلاً… وراح يركض مع حجري البدّ… الحجران يدوران، وهو المهاجم بمسماره يدور معهما… و(يسكتم) ويشتم، ويرغي ويزبد… والشرار يتطاير من كل قطعة في جسده… لحقوا به… أمسكوا به… تحلّقوا حوله، أسقوه ماءً… أسقوه شاياً… وسألوه: ما الذي تفعله يا رجل؟ أجاب وقد سكنت رعشاته، وانطفأ غضبه… بدّي أضرب العجال بالمسمار، وأبنشرهن… بدّي أنفسهِن من الهوا… وأوقف الببور… ضحك الجمع وقهقه أبو العبد وقال: كَفِوْ والله… هيك النسب والا بلاش… وضحك أبو غانم… وخرج أبو خليل من مخبئه… هذه حكاية… لكن أين الثانية؟ أين الثانية؟ الثانية مع الزيت الذي يشرشر من الكوع… نعم، من الكوع…