قراءة في “سماء الفينيق” رحلتي إلى فلسطين، لـ”مفلح العدوان”
بقلم: رفيقة عثمان
تطرّقت هذه النّصوص لوصف وتأريخ الأماكن في فلسطين؛ وذلك ممّا أثرى مضمون الرّواية؛ إلّا أنه لدي بعض التعقيبات حول أسلوب وتصنيف هذه النّصوص.
نصوص هذا الكتاب لم تُصنّف من قِبل الكاتب، وفقًا لقراءتي ممكن تُصنيف هذا الكتاب “سماء الفينيق”، تحت مسمّى أدب الرّحلات، حيث وصف الكاتب رحلته من الأردن إلى فلسطين، والعودة من فلسطين للأردن.
اختار الكاتب شخصية وهميّة، وهي شحصيّة الفينيق؛ للإستعانة به عند اللّزوم، واللّجوء إليه عند الأزمات أثناء رحلته.
اهتم الكاتب العدوان في رصد أسماء الأماكن المختلفة من فلسطين، ووصف جماليات هذه الأمكنة، والشرح عن تاريخها وتمجيد آثارها، وأماكنها المُقدّسة، ومدى تأثيرها على نفسيّته وعاطفته.
الأماكن التي زارها الراوي: أريحا، ورام الله، وبيت لحم، والخليل، وبعض القرى المجاورة مثل: بيت تعمر، والخضر، وجبل هورودوس، وغيرها، كذلك أريحا، ومقام النّبي موسى. لم لغفل الكاتب عن ربطه للأماكن، ما بين المدن في فلسطين والأردن، والعلاقة المتينة التي تربط بينها. وتبدو العاطفة طاغية نحو الأماكن، والمكان هو البطل الحقيقي في النّصوص.
روى الكاتب نصوصه، بلسان “الأنا” على لسان الرّاوي، ممّا يدل على صدق تجاربه، وصدق الأحداث الّتي واجهها، وليست على لسان راوٍ آخر. ساهم الفينيق بطريقة الحوار مع الرّاوي، ومرافقته الوهميّة خلال الرّحلة الميمونة.
ظهر في نصوص الكاتب العدوان، استخدامه المُتكرّر بالتاريخ، وشرح تاريخ نشأة الأماكن المذكورة أعلاه، ومع ذكر وقائع وأسماء أشخاص برزوا في الفترة الزّمنيّة التي حكموا بها. من اللّافت بهذا الموضوع، لم يحالف الراوي الحظ بزيارة مدينة القدس، وذلك لعدم منحه تصريحًا لدخولها من قِبل السّلطات المُحتلّة؛ عبر الحواجز والمعابر؛ عند إرجاعه منها، وملاحظاته لأسلوب التعامل المرفوض، للفلسطينيين العابرين عند الحواجز. هنا استعان الرّاوي بالفينيق الصّديق، باستحضار الأماكن زالمُقدّسات الهامّة الّتي تشوّق لرؤيتها البطل.
استعان الكاتب بشرح التواريخ للأماكن، بالمصادر العلميّة المُوثّقة في نهاية الكتاب، تبدو النصوص في هذا الحال، وكأنّها تحذو نحو المقالة العلميّة؛ إلّا أنّها تفتقر للتوثيق داخل النّصوص، لذا أستبعد تصنيفها تحت المُسمّى البحث العلمي. بالإضافة لطريقة السّرد في الوصف لجماليّات الأمكنة، ودمج الطبيعة، والخيال عندما استخدم “الفينيق” كشخصيّة وهميّة؛ لمساعدة الراوي، وتسليته أثناء رحلاته داخل فلسطين.
إنّ عرضالمعلومات العلميّة والتاريخيّة، أثقلت على نصوص السّرد أكثر ممّا تحتمل، واستبعاد التفكير نحو تصنيفها ضمن المُسمّى “الرواية”، وقلّل من شدّة التشويق للقراءة.
رصد الكاتب على لسان الرّاوي، عددًا لا بأس به من أسماء حقيقيين لأصدقائه الفلسطينيين: من أدباء وشعراء وأصدقاء ربطتهم به الصّلة سابقًا؛ موضحًا للقارئ عن حقيقة صدق زيارته، للأماكن والأشخاص؛ ومن أسماء أصدقائه المهمّين: سامح خضر، وزياد خدّاش، ويوسف الشّايب، وماجد أبوغوش، ومهيب البرغوثي وغيرهم. هذا الجمع من الأسماء، يمنح السرد جزءً من السّيرة الذّاتيّة؛ لتوضيحه مدى علاقته بهم، وعرض تجاربه معهم، وتذكّر أحداث وحكايات دارت بينهم؛ بالإضافة لمساهمتهم في الشرح والدليل حول الأحداث والأماكن التي زارها الرّاوي في فلسطين.
برزت المبالغة المُفرطة في استخدام التّناص في نصوص الكتاب، مثل: التّناص الدّيني، والتّناص الشّعري، كما ورد صفحة 28 تناص للشعر الصوفي للشيرازي ” إذا ما سمعت لأهل القلوب فحاذر …. إلى فوجه الحياة جميل التّمني، إذا كان فيه حديث القلوب”. كذلك ظهر التّناص في أغنية وين ع رام الله صفحة 31، وأغنية يا زهرة المدائن ” البيت لنا والقدس لنا..” صفحة 67.
أضاف الكاتب تناصّا شعريًّا للشاعر إبراهيم طوقان “موطني موطني …. الجلال والسّناء والبهاء في رباك… تبلغ السّماء”، بالإضافة لتناص للشاعرة فدوى طوقان، كما ورد صفحة 60 ” على أبواب يافا يا أحبّائي…. وغصّ القلب بالأحزان” : كذلك استخدم تناصّا للشّاعر عز الدّين مناصرة، في ديوانه الشعري يا عنب الخليل “سمعتك عبر اللّيل النّزف..”صفحة 85، بالإضافة لعرض تناص للشيخ المقري نفح الطّيب، خليل الرّحمن قد جئناك نرجو… شفاعتك التي ليست تُردّ….. فهم أتوكَ وأنت فرد”، لم تخلُ النصوص من التّناص الدّيني من الكتاب المُقدّس صفحة 92 ” فإذا كان القلب محفوظًا ….. أنا لست من العالم” بالإضافة للصّلاة ” أبانا الّذي في السّموات … لكن نجّانا من الشّرير” صفحة 100.
برأيي إنّ الاستخدام المبالغ في للتّناص فهو غير محبّب، ويخفّف من حدّة التشويق لقراءة النّصوص. ويُثقل على القارئ بالخروج عن الاندماج بالقراءة، فتصبح النّصوص بعيدة عن الإبداع والابتكار، على الرّغم من دلالتها على سعة ثقافة الكاتب ومعرفته بأمور مختلفة.
وُفّق الكاتب في اختيار عنوان نصوصه، “سماء الفينيق” نظرًا للفينيق عندما عاد الرّاوي إلى الأردن، فرد الفينيق جناحيه، وأنارهما، بحيث فرد جناحًا نحو الأردن، وفرد جناحه الثّاني نحو فلسطين؛ بمعنى أن كلا البلدين موجودان تحت سماءٍ وغطاءٍ واحد.
لا شكّ بأنّ الكاتب أراد أن يرمز، لربط الأواصر بين البلدين، لِما لهما من تلاحم وتواصل.
في نهاية الكتاب، ظهر تكرار لا ضرورة له للأحداث، عند عودة البطل إلى الأردن، حيث ذكر ذكرياته من جديد، لِما رآه، وتركه خلفه.
خلاصة القول: نصوص “سماء الفينيق” تعتبر نصوصّا لمزيج من أدب الرّحلات، وجزًء من السّيرة الذّاتيّة، وتأريخًا للأماكن والأشخاص. لا يُمكن تصنيفها تحت المسمّى رواية، أو قصّة؛ لأنّ عاصر القصّة لا تكتمل فيها، وتفتقر لاتبّاع خطوات البحث العلمي بحذافيرها.
تصلُح هذه الرّواية لتعليم الطّلاب في المدارس في البلاد وخارجها، حول معرفة الأماكن والأشخاص، والشّعراء في فلسطين.
تمثّلت عاطفة الكاتب في النّصوص، عاطفة الانتماء للأمكنة، وحب الوطن، والرّغبة في إبراز لُحمة البلدين والشَعبين: الفلسطيني، والأردني.
“سماء الفينيق” تحت اسم الرواية، برأيي تُعتبر هذه النّصوص تأريخًا، وليس سردًا أدبيًّا.