أورشليم قاب قوسين أو أدنى

يونس العموري

 وبكل الاتجاهات ستجد نفسك مبحرا بالكثير من الشجن والحزن والهم، فعذرا للمسمى، وعذرا لما ورد أعلاه ، لكنها قد تكون حقيقة الواقع الراهن بكل حيثياته، فمرة اخرى نجد أنفسنا أمام الفراغ في القدس، وأمام استعراضات وفبركات تدعي حرصها على القدس وعلى عروبتها، وفعل الأسرلة والتهويد واستباحة كل القدس بات العنوان الأعرض والأشمل في المشهد المقدسي السريالي الفسيفسائي المعقد، جراء زحمة قضايا القدس، وتراجعها من أولويات الاهتمامات العملية والفعلية في الأجندة الوطنية الفلسطينية الرسمية وتلك العربية الحاكمة …

وراعي العربدة والبلطجة في العالم سيد البيت الابيض اعلنها واضحة صريحة غير قابلة للتغير او التفسير فالقدس عاصمة (شعب الله المختار.. ) معلنا بذلك حربا شعواء على لسانها العربي وتاريخها الحضاري ، واضحى للقرن صفقة من بوابة القدس يكون عبورها ، وسارعت المؤسسة الاحتلالية بالمباشرة بترجمة اولى لبنات العصر وصفقته فعلا واقعيا لا مواربة فيه ، وباشرت بسن القوانين بكل القراءات الممكنة ، واطلقت العنان لغولها بافتراس انسانية الانسان بالقدس وازقتها وحواريها حتى تصبح الحياة فعلا غير ممكن … وقبلة الله الاولى كانت أن اغلقت ابوابها … وجلجلة اليسوع اوصدت قلاعها، والطفولة ما زالت المتسللة لثنايا اللحظات تحاول ان تلهو بعيدا عن المدجج بالحقد عند كل زاوية …

وسيد كهنوت العالم اختار الموعد الدقيق في حسابات الترويج والاعلان في ظل الاستهانة والاستكانة والانقسام العربي والفلسطيني والاختلاف ما بين اقطاب الوجودية العربية حتى بجنس الملائكة اناث كانوا ام ذكور، وبذكرى فعل الاغتصاب للبشر والحجر في الارض السمراء سيكون تدشين وافتتاح البيت الجديد للولايات المتحدة بالقارة المُكتشفة منذ عشرات السنين ، وبذلك كان وسيكون انارة الضوء الاخضر لتل ابيب ان تبدأ بسن القوانين والتغول على الهندي الأحمر الجديد في ايلياء بهدف اقتلاعه واحالته الى كم مهمل على هامش الانسانية وأقلية تحاول العيش في الحواري والازقة المهملة من الكل والكل هنا يعني الكل ( اقطاب المعادلة الوطنية الفلسطينية والعرب العاربة ورعاة الدين الحنيف واباطرة القانون والقوانين وحقوق الانسان واصحاب العمائم والكهنة والحافظين لكلام القدير القادر.

والمشروع الوطني يترنح، واورسالم غائبة مغيبة عن فعل التحدي واسناد مجانينها وعشاقها، بل ان هذا المشروع قد غابت ملامحه وأضحى سراب في وقائع اللحظة الراهنة وامراء المنصة يتسابقون ويعدون العدة لمرحلة ما بعد الضياع، والقدس حجر الزاوية بالاصطدامات او هكذا يجب ان يكون قد صار اسمها اورشليم العظيمة … (ومعذرة للطمة المباشرة.. وللحقبة المرة.. وللمشهد السوادي.. ولبشاعة اللحظة..)

والمواطن بالقدس أضحى لا هم له الا بابتداع كل السبل والوسائل الممكنة وتلك غير الممكنة او المتاحة ليبقى قابعا ببيت المقدس او بأكناف بيت المقدس. في محاولة منه للبقاء ليس أكثر والكل يطالبه بفعل الصمود والبقاء وفعل البقاء والتمكين.. وهذا الفعل لابد له من مقومات ولابد له من أسباب من الضروري توافرها وتوفيرها وتحقيقها حتى يستوي فعل الصمود ليقبع المقدسي ببيت المقدس..

ويظل السؤال الأكبر ، ما السبيل للخلاص واعادتنا للقدس واماطة اللثام عن مرحلة العجز …؟؟ حيث ان كل المؤشرات تؤكد تراجع البرامج التي من شأنها تعزيز المفهوم الوطني العربي بالتفاصيل اليومية في القدس…

ولا شك ان خلق وقائع وطنية في القدس من شأنه الإسهام في الإبقاء على جذوة الصراع على القدس وفي القدس وأخشى في هذا السياق ان الوقائع الإسرائيلية المفروضة قسراً قد كسبت جولات عديدة بهذا الشأن سيما ما بعد اقامة جدار الفصل العنصري الذي أصبح التعامل والتعاطي معه كجزء من سياسة الأمر الواقع… تلك السياسة التي اعتمدتها كافة الدوائر الإسرائيلية في مسلسل اطباق سيطرتها بالكامل على القدس.. وهو الأمر الأخطر الذي يقودنا الى ان فرض الأمر الواقع اسرائيليا وعدم مجابهته بسياسات الأمر الواقع فلسطينيا ايضا قد بات طريقا ذا اتجاه واحد يؤدي الى القدس الإسرائيلية ذات المعالم اليهودية التي يعيش بأطرافها أقلية عربية من الضروري الإبقاء عليها وفقا للفهم الإسرائيلي حتى يكون بالإمكان ان تدعي اسرائيل انها تحترم الأديان والتعددية في القدس.

وهذا ما عملت وتعمل عليه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمعنى انها كانت قد امتلكت الرؤية الإستراتيجية للمُراد من القدس وباشرت بالفعل التنفيذي منذ اليوم الأول لاحتلال القدس. وكانت ان استغلت حالة الفراغ الوطني والعروبي وغياب الخطط الوطنية ذات الأبعاد العلمية والعملية والمرتبطة بالأجندة الفلسطينية الرسمية وتحديدا خطط ومخططات السلطة الوطنية وغياب وتغبيب الهم المقدسي عن دائرة الاهتمام حتى فيما يخص فعل الاستثمار الاقتصادي المرتبط بالفهم الوطني للفعل الاستثماري الذي من شأنه ان يساهم في معركة الوجود العربي في القدس…. مع الأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الاستثمار ووقائع العملية الاقتصادية ذاتها في القدس جراء السياسات الإسرائيلية بهذا الشأن….

كل هذا ومع العلم المسبق لدى الكل الفلسطيني الرسمي وغير الرسمي نجد اننا لا نعمل سوى القليل القليل من حالات الاعلان اليومي بالصحف عن مشاريع اعلامية اعلانية لما يسمى بمسؤولي المدينة والمتربعين على عرش تصريحاتهم والمحذرين بالتهديد والعويل الإعلاني الإعلامي بهدف تمظهرهم بمنطق الحضور الكثيف اعلامياً ومن يتابع ويقرأ تصريحات هؤلاء يعتقد انه امام حركة دائبة ودؤوبة في القدس تقض مضاجع الاحتلال وبرامجه مع ان الواقع المقدسي مخالف تمام لما يبدو بخلفية المشهد الإعلاني الإعلامي هذا…

لا شك أن معطيات اللحظة الراهنة في القدس تؤكد ان الواقع الحالي بدأ بالاستسلام للأمر الواقع حيث التعاطي بالشأن الحياتي الطبيعي صار يأخذ الشكل الدراماتيكي بالتعامل مع المؤسسات الاسرائيلية ذات الشأن وعلى مختلف الصعد والجبهات فاذا ما اتجهنا صوب العملية التعليمية نلاحظ ان هذه الجبهة قاب قوسين او ادني لاستكمال الفعل التهويدي الكامل المتكامل حيث ان فرض المنهاج الاسرائيلي على المدارس العربية قد اصبح الحقيقة والمواجهة هنا مقتصرة حتى اللحظة على عقد المؤتمرات الصحافية وعقد ورش العمل من قبل منظمات ( الان جي اوز)  ودعوات خجولة تصدر من هنا اوهناك في ظل انهيار فعلي وحقيقي في المسيرة التعليمية على الجبهة الاخرى مما يهدد انهيار جهاز التعليم الوطني جراء غياب الخطط الإستراتيجية ذات الامكانيات الداعمة لها وروافعها الحقيقية التي من المفروض توافرها حتى يستطيع هذا الجهاز الصمود وبالتالي من المواجهة .

وبالمقابل فان الفعل الاستيطاني وتكثيف قضم الاراضي الفلسطينية بالشكل العلني في ظل تواصل الفعل التسووي والبحث عن رعاة جدد للعمل التفاوضي وتكثيفه والقدس تتحول الى اورشليم بالشكل الفعلي مع اختفاء المعالم الفلسطينية العربية بالمشهد المقدسي عموما ….

ان القدس تعيش واحدة من أخطر مراحلها ولابد ان تكون وقفة فعلية وشجاعة لمواجهة ومجابهة وقائع القدس الراهنة والتصدي للمشروع (الاورشيليمي) وهذا يتطلب اولا اعادة صياغة منظومة التعاطي الفلسطيني الرسمي مع هموم وقضايا المدينة على اساس وضع الخطط الكفيلة بمعالجة كافة القضايا بشيء من الاهتمام والرعايا وعدم الاهمال من قبل المؤسسات ذات الشأن والعلاقة في المؤسسة الفلسطينية الرسمية وبذات الوقت لابد من مواجهة الذات الوطنية والاعتراف ان ثمة انهيارا فعليا وحقيقيا في مداميك الحركة الوطنية الفلسطينية المقدسية الامر الذي يهدد بالتالي امكانية مواجهة المشروع الاروشليمي بكل ابعاده واهدافه.

ولابد من اعادة الاعتبار للمؤسسات المقدسية التي تم تهميشها وتفريغها من محتوياتها بقصد او بدون قصد جراء فعل التجفيف الذي قد يكون مقصودا ومبرمجا من قبل اصحاب العلاقة مما ادى الى تراجع في دور هذه المؤسسات على مختلف التوجهات والاختصاصات والتخصصات.

ولابد من اعادة الاعتبار للدور الجماهيري الشعبي من خلال توفير السقف والحماية لها في حالة التواجه والمواجهة مع المشروع الاسرائيلي لا ان تذهب جماهير القدس لتواجه ولا تجد من يساندها ويدعمها.

فان كان المطلوب التصدي لسياسة هدم المنازل وايقاف مهزلة الهدم الذاتي فلابد اذن من اسناد هذا المواطن وتمكينه من الصمود بوجه اليات وممارسات الاحتلال لا ان يتحول هذا المواطن الى مستجدي على اعتاب من يعتبر نفسه مسؤولا هنا او هناك ….

اعتقد ان القدس تعيش مرحلة الخمس دقائق الاخيرة التي تفصلها عن (اورشليم) … واللبيب لابد ان يفهم من الاشارة والاشارات كثيرة هذه الايام والسؤال يبقى هل من لبيب حتى يلتقط حقيقة الواقع والمطلوب حاليا لنصرة مما تسمى حتى الان بالقدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى