قراءة نقدية لنص ( ظلٌّ ) للشاعر عبد الرزاق الربيعي
قاسم المشكور | العراق
الناسُ في الحياةِ صنفانٌ؛ الأول متفائل شديدُ الإيمانِ بالحياةِ؛ وحُسنُ الظنِ فيه غالبٌ؛ أما الآخر فمتشائم ينظرُ إلى الحياةِ بسوداوية خالية من اي جمال.
التفائل؛والتشائم هما مفتاحُ الدخولِ إلى عوالمِ النفسِ البشريةِ؛ ففيهما يتجلى الحبُ؛ والبغضُ؛ والرحمةِ؛ والقساوةُ؛ والصداقةُ والعداوةُ…. الخ
لقد ظلّ الناسُ ومنذ مئات السنين يؤمنون بهذين الفعاليتين النفسيتين؛ فأمعنوا ضرباَ في متاهاتِ الأوهامِ؛ وساحوا فيها فأودعوا آمانيهم فيهما.
في نصه الرائع يجولُ بنا الشاعرُ الربيعي على هذين المفهومّين؛ فيقول:
عند الساحل العتيق
ظلٌّ على الطريق
عُبِّدَ بالعصور
والتكايا
والزهور؟
أم تراه
حينما تلقاهُ
غيمةٌ
مثقلةٌ
بالحزن
والأوجاع
ترمي همّها
على فؤاد طائر
صديق؟
يفر كل ليلة
من ظلمةٍ
في الروح هْدها السؤالُ
والترحالُ
في فضاءِ
صبوةٍ خضراء
في جدارِ
جرحهِ العميق
ظلٌّ على الطريق؟
ام تراه
من أقبيةِ الجنون
والنسيان
والشجون
من أوديةٍ
يلهو بها
أحفاد (عبقر) الكلام
من دخان الشعر والحريق
قد قام
من رماد أسمائه
طائر الفينيق؟
ويُلاحظُ أنّ الشاعرُ مهر تنقلات الشعرية؛ وهو بمرُ على هذه المفاهيم بعلامة الإستفهام مما منحَ النصَ جواَ من الترقبِ الذي يقودُ القارئ إلى الدخولِ في جوهر؛ وثنايا النص باحثاَ عن تقديم أجوبةٍ لاسئلةِ النصِ؛ وهذا لعمري منحٌ القصيدةَ قدراَ من المرونةِ التي تؤهلها لأن تنسابَ الي أعماقِ عقلِ؛ وروحِ القارئ؛ فيما كان لتوطيفِ الشاعر للمفردات من قبيل(الساحل العتيق؛ عُبدَ بالعصور؛ والتكايا) أثراَ على منح النص مناخاَ روحياَ كان النص بأمس الحاجة اليه ليتماهى مع الجو العامِ للموضوع.
لقد تمكن الشاعرُ ببراعةٍ من تسليطِ الضوءِ على محنةِ الإنسانِ مع الوجودِ؛ ونزوعه إلى البحث عن إجابات للأسئلة التي ظلّت تؤرقهُ مذ وُجدَ على سطحِ هذا الكوكبِ العجيب.
في ختامِ القصيدةِ يوظف الشاعرُ أسطورةَ قديمةَ تقول بأن طائرَ الفينيق الإسطوري والذي يمتدِ عمرهِ إلى خمسةِ قرون يُبعثُ من رماد فنائهِ مضمناَ ذلك بعدد من الدلالات والرموز من قبيل دخان الشعر؛ وهو تعبير يرمز إلى شيوعه؛ وإنتشاره عبر قيام الفينيق من رماد اسمائه.