أندلسيات جديدة للدكتورة آية الجندي
بقلم | أبو الحسن الجمال
(1) الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الأندلس في عصري ملوك الطوائف والمرابطين
من خلال فتاوى ابن رشد الجد (450-520هـ/1058-1126م)
صدر مؤخراً عن دار نور حوران كتابان جديدان للدكتورة آية الجندي في تاريخ المغرب والأندلس، الكتاب الأول:الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الأندلس في عصري ملوك الطوائف والمرابطين من خلال فتاوى ابن رشد الجد(450-520هـ/1058-1126م)، والكتاب الثاني عنوانه: ” اللجوء السياسي في المغرب والأندلس من عصر ملوك الطوائف وحتى سقوط دولة الموحدين(422-668هـ /1031-1269م)، والدكتورة آية الجندي من مواليد مدينة زفتي بمحافظة الغربية بمصر عام 1990، وتعلمت في مدارسها حتى حصلت على الشهادة الثانوية، بعدها التحقت بكلية الآداب جامعة بنها، واختارت قسم التاريخ، وحصلت على الليسانس عام 2011، وعلى الدبلوم العام في التربية من جامعة طنطا عام 2013، ثم واصلت دراستها العليا فخصلت على الماجستير من كلية الآداب جامعة بنها عام 2015، ثم الدكتوراه 2020من كلية البنات بجامعة عين شمس، أي أنها استفادت من مدرستين تاريخيتين، وقد شاركت الدكتورة آية في العديد من الفعاليات الثقافية والمؤتمرات العلمية وقدمت أوراق بحثية وآخرها مؤتمر اتحاد المؤرخين العرب الذي عقد في الفترة من 24-25/11/2021.
والكتاب الأول في الأصل رسالة علمية حصلت بموجبها المؤلفة على درجة الماجستير من كلية الآداب جامعة بنها بإشراف الدكتور عفيفي محمود، وقد لجأت المؤلفة إلى كتب الفقه والفتاوى في الأندلس كمصدر تاريخي واستطاعت أن تتوصل إلى مبهرة في كتابها هذا بعد أن تمكنت من امتلاك أدواتها وتوظيفها واستخدام النوازل كمصدر تاريخي من الصعب بمكان، فأنت مطالب أن تسبر غور هذه الكتب مرات ومرات حتى تصادف فتوى توصلك إلى حقايقة تاريخية لم تذكرها المصادر لأن المصادر التاريخية ركزت على الجانب السياسي والثقافي وهمشت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فقد حفل تراث المغرب والأندلس بكتب فقهية من نوع خاص هي كتب “الفتاوى” أو “النوازل”، والتي استطاعت مؤخراً أن تجذب اهتمام الباحثين لدراستها، بعد أن أيقنوا أهميتها التاريخية في شتى النواحي الحضارية، خاصة الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بالاضافة إلى قيمتها الدينية والتشريعية، والمتصفح لكتب النوازل يستطيع أن يستوعب سبب اهتمام الباحثين بدراستها، فهي أسئلة وقضايا متصلة بالحياة اليومية، وقعت لبعض أفراد المجتمع الأندلسي والمغربي على السواء، فهي مشاكل ومعاناة الأفراد اليومية، تلك المشاكل التي استنفرت لديهم ضرورة معرفة حُكم الدين فيها، مما جعلهم يلجأوا إلى القضاة وأئمة الفقه،وجدير بالذكر أن لفظة نوازل خاصة بهذا الجزء من العالم الإسلامي فقط (المغرب والأندلس).
ومن هذه الكتب نوازل ابن رشد الجد، أبي الوليد محمد بن رشد القرطبي المالكي (520هـ/ 1126م)، أحد أعلام دولة المرابطين فقد حظي بمكانة عليا، وذاع صيتها ليس في المغرب والأندلس وحدها ولكن طيفه امتد إلى المشرق الإسلامي أيضاً،وحملت لنا معلومات عن المجتمع الأندلسي وأفراده باختلاف طبقاتهم الاجتماعية، خلال فترة بالغة الأهمية من فترات التاريخ الأندلسي، وهي نهاية عصر ملوك الطوائف وبداية عصر المرابطين، تلك الفترة بما تحويه من اضطرابات سياسية وسقوط ملوك الطوائف وتحول الأندلس إلى ولاية تابعة للمرابطين. وتمثل سجلاً نقياً للأحداث اليومية للفرد الأندلسي، سجلاً لم يخضع في كتابته لأهواء الأفراد أو مصالحهم، حيث اشتمل على عدد من القضايا والمشاكل تمثلت هذه المشاكل في مشاكل الفلاحين والمزارعين حول تنظيم السقاية وغيرها من أمور الزراعة، ومشاكل التجارة والبيع والشراء وغش بعض التجار، ومشاكل تعدد أنواع العملة وتغيرها وإلغاؤها في بعض الأوقات وأسعار الصرف المتذبذبة، وبعض القضايا الدينية المتعلقة بالصلاة والصوم..
وتنقسم هذه الدراسة إلى:
مقدمة وتمهيد وثلاثة فصول، ويعقبها خاتمة وملاحق وقائمة المصادر والمراجع:
في المقدمة: استعرضت أهمية الموضوع بالنسبة للفترة التاريخية الواقع فيها، وبالنسبة لكونه دراسة تاريخية من خلال الفتاوى، بالإضافة إلى أهمية الكتاب وصاحبه الفقيه ابن رشد. أما التمهيد، فقدتناولت الدكتورة آية التعريف بالنوازل وأسمائها والفرق بين تلك الأسماء، والتعريف بالفتوى والمفتي، واهتمام المستشرقين والعرب بدراسة الفتاوى، والانتقادات التي تعرضت لها النوازل، والهدف من دراسة النوازل وخصائصها وأهميتها، ثم تطرقت إلى القضاء والفقهاء وانتشار المذهب المالكي في الأندلس، وخطة القضاء في عصري ملوك الطوائف والمرابطين، ومكانة الفقهاء والقضاة في الأندلس، واختتمته بالحديث عن أسباب انتشار المذهب المالكي في الأندلس.
وفيالفصل الأول الذي جاء تحتعنوان “التعريف بابن رشد وأحوال الأندلس في عصره(450-520هـ/ 1058-1126م)”، وخصصت القسم الأول منه للحديث عن الفقيه ابن رشد الجد وعن كاتب الفتاوى تلميذه ابن الوزان، ثم تطرقنا إلى مشكلة الخلط بين ابن رشد الجد وحفيده ابن رشد الفيلسوف، وفي القسم الثاني من الفصل الأول أفردته للحديث عن الوضع السياسي لبلاد الأندلس خلال الفترة موضوع دراستنا أي في نهاية عصر ملوك الطوائف وبداية عصر المرابطين (450-520هـ/ 1058-1126م).
وفي الفصل الثاني الذي جاء تحت”الحياة الاقتصادية في الأندلس من خلال الفتاوى”، تحدثت فيه عن مسائل الزراعة، حيث الملكية الزراعية وأنواع الأراضي، وكراء الأراضي والشراكة في الزراعة، وتطرقت أيضاً إلى المشاكل التي كانت تواجه المزارعين، ثم تحدثت عن الري ومصادر المياه في الأندلس، وبعض أنواع المحاصيل والحصاد، بعد ذلك تناولت مسائل الرعي وتربية الحيوانات وأنواعها التي وردت من خلال الفتاوى، ثم مسائل الصناعة وعدد من الصناعات التي اشتغل بها الأندلسيون، يلي ذلك الحديث عن التجارة والمعاملات، حيث التجارة الداخلية والأسواق والحوانيت وأنواع البيوع والغش التجاري، وبيع وتأجير العقارات، والشراكة في الأملاك، ثم التجارة الخارجية والفنادق، وتحدثت بعد ذلك عن مسائل العملة والصرف، وأنواع النقود من دنانير عبادية ومرابطية ومشرقية ودراهم وقراريط، وختمت الفصل بالحديث عن أثر الأوضاع السياسية في الحياة الاقتصادية آنذاك.
وفي الفصل الثالث، الذي جاء تحتعنوان “الحياة الاجتماعية في الأندلس من خلال الفتاوى”، وبدأت الحديث فيه عن القرى والمدن في الأندلس، وتبعته بشكل المنازل في الريف والمدن، ثم الحديث عن المباني الأساسية من مساجد وحمامات وأفران ومقابر، بعد ذلك تطرقت إلى بعض فئات المجتمع التي ورد ذكرها في الفتاوى من طبقة الخاصة سواء أمراء أو حكام والعائلات المشهورة بالعلم والثراء، ثم تحدثت عن طبقة أهل الذمة وطبقة العبيد والجواري، ثم فئة الجند، يلي ذلك الحديث عن بعض الوظائف التي ورد ذكرها، ثم تناولت الحديث عن الأسرة وأهم المشاكل الاجتماعية، وبدأت بحديثى عن المرأة ثم الزواج والأنكحة الفاسدة والخلافات الزوجية من طلاق وخلع وحضانة الأبناء، ثم تطرقت إلى قضايا الوصايا والمواريث، ثم قضايا الرعاية الاجتماعية، والعادات والتقاليد والملابس ووسائل التسلية والاحتفالات بالأعياد، ثم تحدثت عن الفرق الكلامية كالأشعرية، يليها بعض مظاهر الفساد في المجتمع من مشاجرات وانحراف أخلاقي واستغلال نفوذ وبعض الأفكار الدينية الهدامة والبدع. ثم كانت الخاتمة، وتناولت فيها أهم النتائج.