العيد يا أمي في هذا الشتات قد مات

سوسن صالحة أحمد | كاتبة وشاعرة سورية تقيم في كندا

لم تكن أمي تنام ليلة العيد
عادة ورثتها عنها بالتعود على السهر معها ومن بعد حين أصبحت أما أمارس عادة أمي ليس بفعل التعود هذه المرة بل بوضع الأم التي ربتها أمها على تفقد كل التحضيرات إلى اللحظة التي تصدح أصوات المآذن بتكبيرات العيد ويصحو الصغار معانقين ملابسهم الجديدة حينها تهمل دموع أمي كما أضحت تهمي دموعي فرحا بإتمام موجبات الفرح دون نقصان لأي تفصيلة من تفاصيلها
سامحها الله أمي على هذا الإرث
لليوم يا أمي لم أنسَ تلك التفاصيل
فأنا على أتم الاستعداد لعمل المعمول والكرابيج والسمبوسة وأقراص العجوة
ما زلت أعشق رائحة القهوة المرة على مدار شهر العيد
وأحب تقديم الناطف مع الحلويات
وأحرص على أن يكون بيتي بستانا يقيل فيه زائريه ولا يشتهون مغادرته
ولا أنسى أبدا أن أفاجئ ضيوفي الذين تعنوا محبةٌ المجئ لعندي ليعايدوني.. بضيافة يصفونها كل مرة أنها غريبة … الفول النابت مثلا أو البليلا أو الترمس أو بعض المربيات التي أصنعها بيدي من مميزات بيوت الشام كمربى النارنج أو الكباد
ما زلت يا أمي أفرح وتدخل قلبي البهجة كلما صلى زواري فرضا في بيتي وأتبعوه بتكبيرات العيد ليتحول المكان إلى مهرجان نشوة وغبطة
ولا أنسى أبدا إكرام أهل بيتي بطبق يفضلونه في هذا الوقت … العيد ..
ما زلت أحب سماع أم كلثوم … يا ليلة العيد
نعم يا أمي لم أفقد شيئا من حرصي في تلك التفاصيل
ها أنا لم أنم ليلة العيد وأنا أتفقد التفاصيل في خيالي وأوزع تنهدات قلبي على الغائبين
حيث أنا اليوم يا أمي أنتظر سماع تكبيرات العيد من صلاة منقولة على التلفاز
نعم تهمي دموعي هذه المرة لكن .. لكمال كل تفاصيل الشتات
لم نعد نوزع الحلوى على بعضنا لأننا توزعنا في بلاد الله حتى لم تبق بلد ما مدت يدها وتناولت منا
نعيش في بيوت لم تحاكينا لبناتها كما حاكتنا لبنات بيوتنا ونحن نبنيها
أطفال الغربة اليوم يستيقظون معانقين غربتهم .. لأنها دوما جديدة مهما تقادم عليها الزمان
نعم يا أمي أهتم بالتفاصيل
علمتني أن العيد بناسه واجتماعهم
علمتني أن العيد لمة أحباب وجمعة أصحاب وضحكات أطفال وجبر خواطر
لم أنس أبدا
لكن العيد في هذا الشتات يا أمي قد مات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى