ثوب ممزق لمجد في الهواء
عدنان الصباح
18 كانون الأول هو يوم التراث الفلسطيني وهو واحد من أيام عديدة يحتفي بها الشعب الفلسطيني بشكل متواصل وقد ترافقت احتفالية الشعب الفلسطيني هذا العام مع احتفالية دولة الاحتلال بمسابقة ملكة جمال العالم وقد اختارت للمتسابقات زيا تقليديا فلسطينيا مما اثار حفيظتنا جميعا دون ان نكون قد قمنا مثلا بحملة حقيقية لدعم موقف ملكة جمال اليونان التي اعلنت مقاطعتها للمسابقة تضامنا مع قضيتنا فيما شاركت في المسابقة دول عربية وبشكل رسمي وعلني وحتى الدول العربية والاسلامية التي لم تشارك كالإمارات واندونيسيا وماليزيا فقد اعادت السبب الى تعقيدات كورونا او تعقيدات فنية خاصة بالدولة ذاتها والاخطر ان ملكة جمال جنوب افريقيا عارضت الموقف الرسمي لبلادها وشاركت في المسابقة.
ليست الكارثة أن تستخدم إسرائيل زيا تقليديا فلسطينيا للمتسابقات بل ان تستخدم الارض الفلسطينية للمسابقة وان تشارك بها دول العالم وان تحصل اسرائيل على هذه المسابقة أيا كان موقفنا منها هو دليل اخر على عجزنا في كل شيء وبدل ان نخوض حربا عالمية لحرمان اسرائيل من اية مكانة طبيعية بين دول العالم رحنا ننشغل بملابسنا المطرزة دون ان يعني ذلك شيئا للمسابقة ذاتها التي بدأت وانتهت على ما يرام.
صحيح جدا تلك المقولة القائلة ان من لا ماضي له لا حاضر ولا مستقبل له لكن هذه المقولة مشروطة بالعمل في الحاضر على قاعدة الانتقال الى المستقبل وان الذين يدفنون رؤوسهم برمال الماضي أيا كان هذا الماضي لن يعرفون طريقا الى المستقبل لانهم غائبون عن الحاضر عبر انشغالهم بماضي لم يتمكنوا من الاحتفاظ به كقاعدة في الحاضر قادرين على الاستفادة منها من اجل الغد.
7ملايين محتل اسرائيلي يجثمون على صدورنا وترابنا ويسرقون منا كل شيء وفي المقدمة الارض التي يبنى عليها التاريخ ويكتب على خرها ودروبها وحيطانها وفي حين يحقق المحتلون السبعة ملايين نجاحات تلو نجاحات يتراجع امامهم 16 مليون فلسطيني أي اكثر من ضعف عددهم في الوطن وكل بقاع الارض ومعهم حوالي نصف مليار عربي ومليار مسلم ومليارات من الشعوب المقهورة والمحبة للعدل والسلام ومع ذلك تتمكن اسرائيل من تحقيق الانجازات يوما فيوم معتمدة على الكذب والسرقة والجريمة فيما نفشل نحن من الانتصار بقضية صادقة وعادلة ليس باعتقادنا فقط بل باعتقاد الغالبية المطلقة من بني البشر على وجه المعمورة.
لسنا نتقن كما شعرنا وأدبنا سوى البكاء على الاطلال والتشكي من سرقة الباس والطعام فتارة ننعي لأنفسنا عجزنا عن الحاق الهزيمة بعدونا في حرب التراث فهو يسرق الفلافل والحمص والتطريز والاسماء ولكنه لم يتمكن من فعل ذلك الا بعد ان تمكن من الحاق الهزيمة بنا مرات مرات على الارض وبعد ان نجح ولا زال في سرقة ارض التاريخ وحاضنة التراث وهي الارض فلا احد يمكنه ان يصنع تراثا وتاريخا في الهواء على الاطلاق فالمعركة اذن هي على القدس وكل الارض الفلسطينية لا على حبات الفلافل وملابس ملكات الجمال فحين تكون حيطان القدس عربية لن تسمع هناك اغنية عبرية واحدة بل على العكس صرنا نسمع اغاني عبرية حتى في اعراسنا نحن دون ان تنتفخ اوداجنا غضبا والسبب ببساطة عشائريتنا التي تفوقت على وطنيتنا ولا زالت يوما بعد يوم.
الاحتلال يسرق تاريخنا وتراثنا فمن يزور موقع المكتبة الوطنية الاسرائيلية يجد هناك كل ما هو فلسطيني بامتياز وقد تمكنوا من الاحتفاظ به بصورته وبكل وقاحة وكأنما ليقولوا لنا ولكل العالم ان هناك شعب فرط بكل شيء وبالتالي فهو لا يستحقه على الاطلاق وفي حين ننشغل نحن ببكائياتنا ينجزون هم على الارض حقائق تعمينا عن واقعنا فعلى من يريد ان يرى السكين في الخاصرة ان يرى الإعجابات بصفحة المنسق وصفحة المكتبة الوطنية الاسرائيلية وغيرها وغيرها والميبة ان حاول أيا منا اجراء مقارنة مع ما يخصنا من مواقع فتلك هي الهزيمة الابشع.
لا احد يستطيع الانتصار في الذهاب الى النتائج ومحاربتها فالحرب الحقيقية مع الاحتلال هي حرب الوجود على الارض وحرب الفعل المتنامي في التهويد والمتراخي في استعادة الفلسطنة لأرضنا وشعبنا واذا لم نتمكن من استعادة الثورة لن نستعيد ثقافتها حتى لو حاولنا بكل الطرق القفز على المسبب لصالح السبب والامساك بشعار الثقافة مقاومة فان واع الحال لن يغير في الامر شيئا ونحن ندرك ان المقاومة هي الثقافة وان ثقافتها افراز طبيعي لوجودها ومن لا يملك ذلك سيكون كمن يلتحف ثوبا ممزقا ليقيه من البرد مع علمه باستحالة ذلك فلا تراث ولا تاريخ لمن يتنازلون عن ترابهم ويمسكون بالهواء لعلهم يصنعون مجدا فكل امجاد الامم بنيت على الارض ولسنا ولا غيرنا يعرف عن مجد بني خارج تراب وماء الارض سوى مجد الله سبحانه.