حول حكم قتل المرتدّ في الإسلام
حسام عبد الكريم | كاتب وباحث من الأردن
حكم قتل المرتد عن الاسلام مجمعٌ عليه في اوساط الشيوخ التقليديين والسلفيين استناداً إلى أدلة شرعية قوية.وهو حكمٌ يسبب حرجاً شديدا للمسلمين في ايامنا الذين يحاولون إظهار صورة معتدلة للاسلام تنسجم مع المعايير التي اتفقت عليها البشرية ومن اهمها حرية الرأي والاعتقاد.
وفي هذا الشأن لنا ثلاث نقاط:
أولاً : في القرآن الكريم
لم يرد أي نص يشير الى قتل المرتد. فكل الآيات التي تذكر الارتداد عن الدين او التراجع عن اعتناق الاسلام تتكلم عن عقاب الهي للمرتد , وتتوعده بسوء المصير في الدنيا والآخرة . وهذه اهمها:
(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)/ (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) / (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) / ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) / (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).
اذن علينا ان نعرف ان القرآن الكريم لم يأمر بقتل المرتد, وليس به أي آية تذكر هذا الحكم. ولنتأمّل في مغزى ذلك بالقياس الى الآيات القرآنية التي تأمر صراحة بأحكام شرعية أخرى ( قطع يد السارق, مثلا). وفي المقابل نجد آيات قرآنية كثيرة تتحدث عن حرية المعتقد والاختيار , وأشهرها (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ).
ثانياً: الحكم بقتل المرتد جاء من الاحاديث النبوية, وأبرزها (لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِيْ, وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ, وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ للجمَاعَةِ).
ولكن هل يمكننا وبكل بساطة ان نرد هذه الاحاديث التي بها الحُكم ونقول عنها غير صحيحة , وبالتالي نريح انفسنا من اشكالية الحرية الفكرية في الاسلام ؟ لو نفينا صحة هذه الاحاديث لتمكنا بسهولة من ردّ تهمة أن الاسلام دين قمعي يُجبر الناس على اعتناقه بالاكراه بدليل حكمِه على من يختار الخروج منه بالقتل !
قد يرى البعض في ذلك مخرجاً, بل وخدمة للاسلام في القرن الواحد والعشرين والذي لا يتقبل أن يُقتل انسانٌ بسبب قناعاته الفكرية.
ولكن هذا الحل لا يستقيم. فالاحاديث التي تذكر حكم قتل المرتد, وخصوصا (التارك لدينه المفارق للجماعة ), كثيرة جدا وموجودة تقريبا في جميع مصادر الحديث في الاسلام . موجودة في البخاري ومسلم وكتب السنن والمسانيد, وموجودة في كتب المذهب الشيعي ايضاً. كما انها مروية عن مجموعة من الصحابة ,,, ابن مسعود وابو موسى الاشعري ومعاذ بن جبل والسيدة عائشة وكذلك عن آل البيت.
اذن ليس بالامكان القول ان الحديث غير صحيح , وكفى. ذلك غير ممكن الاّ اذا اتجهنا الى الشطط والغلوّ وقررنا نفي السنة النبوية وحجّيتها جملة وتفصيلاً. وبالتالي لا بد من التسليم بصدور حكمٍ نبويّ ما بقتل المرتد, والتعامل معه وفهمه بسياقه الصحيح.
ثالثاً : معنى الحديث النبوي
حديث قتل المرتد في معظم وأقوى صيغِه المروية يذكر ” التاركُ لدينه المُفارق للجماعة ” , وليس فقط “التارك لدينه” ! فالذي تحكم عليه الأحاديث بالقتل هو في الحقيقة الذي ارتكب فعلاً مُعادياً لجماعة المسلمين. أي انه يقتل لأفعاله في المقام الأول , وليس على اساس افكاره فقط. بل ان احدى صيغ الحديث الواردة في سنن ابي داود والنسائي تذكر الثالث المستحق شرعاً للقتل كما يلي (ورجلٌ يخرج من الإسلام فيحارب الله ورسوله فيقتل أو يُصلب أو ينفى من الأرض).
والباحث في السيرة النبوية يمكنه بيُسْر معرفة خلفية هذا الحكم النبوي, وسوف ألخصها كما يلي :
كان هناك بعضُ الخبثاء ممن قرروا إيذاء النبي(ص) بطريقةٍ شريرةٍ مُبتكرة : إعلان الدخول في الدين الجديد ثم, بعد فترة من الوقت, الارتداد عنه والرجوع الى دين قريش بعد الاعلان انهم اكتشفوا كذبه ! والهدف طبعاً التشكيك به ومنع الآخرين من اتباعه عن طريق القول لهم : لقد جرّبنا وتبيّن لنا أنه دجّال! و أشهر تلك الحالات وهي عبد الله بن سعد بن ابي السرح. ويمكن لمن شاء الرجوع الى تفاصيلها في مصادر السيرة والحديث.
فهؤلاء هم ” المرتدّون ” الذين تتكلم عنهم الاحاديث النبوية. أي ان الامر يتصل بأذى مقصود وخبث وتآمر شرير ضد الدين أكثر مما يتعلق بحرية الفكر والاعتقاد.
فأين ” المرتدّون ” في أيامنا من هؤلاء ؟ الحالة مختلفة تماماً.
فالذي اراه أنا أن الإسلام لا يعاقب المرتد على قناعته الفكرية إذا اقتصر عليها, وإنما يعاقبه إذا تجاوز ذلك إلى خيانة الأمة, والإفساد في الأرض, ومحاربة الله ورسوله, فحينها يعاقب بوصفه محارباً لا مرتداً فحسب.
والخلاصة أن حكم قتل المرتد لا يمكن ان ينطبق في ايامنا لأنه لا يوجد ردّة أصلاً . فالناس يولدون مسلمين ولا يختارون ان يكونوا كذلك. اسلام بالولادة وليس بالارادة الحرة. وبالتالي لا يوجد دخول في الاسلام ثم ارتداد عنه. فكيف يُقتل الانسان لارتداده عن دين لم يقتنع به أصلا ولم يدخل به ؟ ألأنّ أباه كان كذلك ؟ اذن كلمة ردّة غير موجودة في ايامنا ختى يطبّق عليها حكم القتل.
ولذلك اذا قرر أحدهم اعتناق المسيحية , مثلا, او الالحاد, فالتعامل معه يجب ان يكون على قاعدة ” ادعُ الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ” و ” جادلهم بالتي هي أحسن ” وليس على قاعدة ” حكم الردة ” , الردة التي لم تحصل أصلاً !