قراءة في رواية “زرعين” للكاتب الفلسطيني د. صافي صافي عن دار الشّروق للنشر

بقلم: رفيقة عثمان

  صدرت رواية “زرعين” للكاتب الفلسطيني صافي صافي، عن دار الشروق للنشر والتوزيع، وتقع الرّواية في مئة وستّة وخمسين صفحة من القطع المتوسّط.
قبل أن أبدأ قراءتي هذه، لا بدّ وأن نتعرّف على كلمة زرعين وفق شرحها  في موسوعة ويكبيديا: “سمّيت هذه القرية بزرعين؛ نظرًا لاهتمام أهلها بالزّراعة قبل النكبة. “زرعين كلمة سريانيّة بمعنى ( فلّاحون ومزارعون) وتقع شمالي
 جنين، وأقيمت على انقاضها مستعمرة (يزراعيل).”
  من الممكن تصنيف الرّواية، تحت مسمّى أدب الرّحلات، أو القصّة الوااقعيّة والتذاريخيّة.
 رحلة من القدس بيت حنينا إلى قرية زرعين، جمعت بعض الأصدقاء، ودارت الأحداث أثناء تجوال المجموعة في أنحاء بعض القرى المُدمّرة، والمُهجّرة في فلسطين، في زمن ليس ببعيد، في زمن حديث، ممكن الاستدلال على الزّمن بواسطة استخدام الهاتف النقّال، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أثناء الرّحلة.
  اختار الكاتب عددًا من الشخصيّات المحدودة، من مجموعة أشخاص من أصدقاء ومعارف من مدينة القدس، قاموا بزيارة قرية زرعين المُدمّرة، حرّك الكاتب هذه الشّخصيّات لسرد الأحداث، وإدارة الحوار، والصّراعات الخارجيّة والذاتيّة.
  قامت هذه المجموعة بزيارة لقرية زرعين، وبعض القرى الأخرى مثل: عين جالوت، وبيسان، وجبال فقّوعة، بالإضافة إلى قرية عمواس المُهجّرة والمُدمّرة، منذعام الف وتسع مئة وسبعة وستّين؛ وكان السيّد أبو نهاد من سكّان هذه القرية، وقام بدور المُرشد للأماكن فيها. كذلك شخصيّة السيّد جمال انتحل شخصيّة المُصوّر للمناظر والآثار لمعالم القرى المُدمّرة. كذلك قام بدور شخصيّة أبي ماهر، القادم من الأردن، وهو من سكّان زرعين، والّذي قام بدور الفلسطيني الزّائر، وأعاد رفاة أبيه؛ لدفنها في الوطن بقرية زرعين.
  شغل الراوي دورًا اساسيّا في سرد الرّواية كبطل صديق حنان ووعدها بتصوير بيت وقبر جدّها خليل الزّرعيني في بيسان وفقًا لطلبها، وتحدّث الرّاوي بضمير الأنا، دون التعريف عن نفسه أو اسمه، كما استخدم الكاتب الشّخصيات المذكورة أعلاه كرواة لسير الأحداث؛ باستخدام الحوار الجماعي، والحوار الذّاتي.
  نجح الكاتب في تصوير الصراع الدّاخلي للشّخصيّات، كما ظهر في شخصيّة أبي ماهر  من سكّان زرعين، وهو لاجئ في الأردن، عندما أحضر جثمان أبيه المحروق من إحدى الدّول الأوروبيّة، وفق وصيّته؛ لدفنه بقرب قبر جدّه في قرية زرعين. هذا الحدث خلق صراعًا داخليًّا في نفس أبي ماهر خلال فترة رحلته؛ وخاصّةً عند عبوره الحواجز والمعابر الإسرائيليّة، وخوفه من مصادرة الرّماد لجثمان أبيه. كما خلق صراعًا خارطيًّا بالحوار بين أفراد المجموعة، حول حرق الجثّة بالإسلام هل هو حلال أم حرام؟.
  تجلّى الصّراع الدّاخلي أيضًا عند شخصيّة الرّاوي، عندما كان مشغول البال في البحث عن بيت صديقته حنان، وقبر جدّها في بيسان، وعن كيفيّة الوصول إلى ظلال بيت اهلها، وتصوير ظلال صورة عائلتها المعلّقة على جدار غرفة الضيوف.
  صوّر الكاتب الصراعات الخارجيّة بين أفراد الفريق، عندما علِقوا فوق التّلة، ولم يستدلّوا على طريق العودة في وقت متأخر من النّهار، حصل الصّراع عندما استدعى جمال الّذي نصّب نفسه قائدًا للمجموعة؛ حيث رفض البعض  فكرة الاستنجاد بالشّرطة؛ باعتباره مخالفًا للانتماء الفلسطيني واللّجوء للعدو.
  هذا الصّراع النفسي للإنسان الفلسطيني المُعتز بنفسه يرفض أن يحتاج إلى غريمه، حتّى في أحلك الأوقات.
  برز الصّراع أيضًا عندما رفض أبو نهاد أن يمسك بيد الشّرطي؛ ليساعده باجتياز الطريق الوعرة، وما دار في ذهنه من أفكار متضاربة.
 رفْض أعضاء المجموعة الدّخول إلى الأماكن الأثريّة، وعدم شراء تذاكر الدّخول لهذه المواقع، شكّل نوعًا من الصّراع؛ كيف لفلسطيني صاحب هذه الأرض أن يدفع أجرة دخوله لأرضه التي أمتلكها؟ صار أعضاء الفريق يتلصّصون من بعيد؛ لمشاهدة المناظر الخلّابة والينابيع الجارية.
 ازداد الصّراع والأسى عندما سمع أعضاء الفريق، المرشدين المستوطنين وهم يشرحون عن تاريخ القرية على هواهم، وارتباطهم بالأرض، وما يلفّقونه من أكاذيب تاريخيّة حول ملكيّة الأرض.
 نجح الكاتب صافي أن يصف مشاهد عديدة من قرية زرعين وضواحيها، وأن يصف أهلها، وزراعتها، وأبنيتها، بطريقة جميلة، تكاد تسمع خرير الينابيع الجارية في الحقول، وتخيّل الأعراس ويسرى البرمكيّة ترقص وتدق الطّبول بالاعراس.
  لم يغفل الكاتب عن ذكر ورصد النباتات البريّة الفلسطينيّة والعربيّة المُتعدّدة مثل: الشّجّاع، أو تفّاح المجانين، الزّعموط، الحنّون، وقرن الغزال، وورق اللّسان البصيل، شجرة الزّعرور؛ كما ورد صفحة 74. ذكر هذه النّباات الطبيّة، تدلّ على فلسطينيّة الأرض وتشهد على عروبتها.
  استخدم الكاتب تقنيّة الأسلوب الفنّي، في السرد الأدبي المبني على الحبكة، في تقنيّة الاسترجاع (Flash back )، حيث ابتدأ الرّواية بآخر حدث لها.
 تمّ الانتقال بالأحداث من مكان لآخر دون ترتيب مكاني وزمني، كما بدأ الكاتب بالحديث عن قرية زرعين، ومن ثمّ انتقل إلى قرية عمواس، ثم عاد السرد حول قرية زرعين؛ ظهر التكرار في بعض الأحداث بنفس العبارات، ربّما حصل التباسًا في تكرار طباعة نفس النذصوص، بطريقة غير مقصودة؛ برأيي هذا التنقّل والتكرار سبّب تشويشًا لدى القارئ.
  وُصفت لغة الكاتب بلغة وصفيّة تقريريّة، وافتقارها إلى المصطلحات الأدبيّة والمُحسّنات البديعيّة البليغة.
  تخلّلت الرّواية بعض الأخطاء اللّغويّة والنحويّة والأخطاء المطبعيّة، كان من الممكن تفاديها بالتدقيق. برأيي؛ يتوجّب على الكاتب والناشر أن يتحمّلا مسؤوليّة هذا الخطأ.
  طغت على أحداث الرّواية عاطفة الحنين للوطن، وعاطفة الفقدان للمكان والزّمان، عاطفة الحزن والغضب والحسرة معًا. كما ظهر صفحة 98 عندما ذكرت حنين ” فكّرت أن اختطف طائرة وتهديدها بالهبوط في بيسان، أجابها الأب: دعنا نحمل مدينتنا معنا كما نفعل إلى أن يفرجها الله”. “بيسان نسمعها بالأغاني فقط، وفي أسماء لعض النّباتات، إنّهم يريدونها ذكرى.. وهل رام الله والقدس أهم من بيسان؟”.
  عبّر الكاتب عن الشّعور بالغربة في الوطن العربي (لاجئ)، على الرّغم من هذا الشّعور يظل الشّعور بالحنين، والانتماء بالهويّة الفلسطينيّة، ويظل الحب للوطن في قلوب الأجيال القادمة، على الرّغم من الابتعاد عنها.
  تخلّلت الرّواية بعض الأفكار الفلسفيّة، والجدل حول فلسفة الموت “هل السؤال يكون بالقبر أم بالآخرة؟” “إن رضينا عن أنفسنا بداخلنا، فالله معنا”.
خلاصة القول:
   تعتبر رواية زرعين من الرّوايات التي تؤّرشِف الذّاكرة الفلسطينيّة، في وصف القرى   المُهجّرة والمُدمّرة منذ عام – 1948- 1967.
تعتبر هذه الرّواية إضافة نوعيّة للارشيف الفلسطيني، وحفظ الذّاكرة الفلسطينيّة.
  أوصي باقتناء الرّواية في مكتبات المدارس العربيّة، وتوزيها بالمكتبات العربيّة في الوطن العربي؛ بعد تعديلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى