مقال

وسترجع يوما يا ولدي

بقلم: خالد رمضان

في زحام الطرقات، وعواصف المحن تتوه الأمنيات، وتتفلّت من بين يديك خيوط الأمل وأطواق النجاة فلا ترى إلا اختلاطا، ولا يعتريك إلا غبش ينسج على عينيك غشاوة، ولا تسمع إلا ضجيجا متشابك الأصوات متداخلها فلا تستطيع تمييزها، فكأنك عاجز وسط الأصحاء، أو غبي وسط الأذكياء لا تدرك لفظا، ولا تفهم معنى كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف فبات تذروه الرياح لا يستطيع أحد جمع شتاته ولا الإمساك بذرات غباره .
قد لا تكون الأصدق أو الأنقى، لكنك طيب القلب سليم الصدر تقر المعروف، وتنكر المنكر، تعيش راضيا مطمئن النفس هادئ الطبع رقيق الوجدان، فواااا أسفاااااااه
لقد كنا نتوقع لصاحب هذي الصفات النبيلة أن يكون في القمة الشماء ترنو إليه العيون في في لهفة وبهاء، تعلو به الصحاب، ويشرف به ذوو العقول والألباب، ولكن وااا حسرتااااااااه فإذا به أول من يُخان، وأول من تصوب نحوه طعنات الغدر والنكران فترديه صريعا لا يستطيع حراكا ،
ومما يذهب العقول وتنفطر له القلوب أن تلتفت بأم عينيك فترى صاحب هذه الطعنة قريبا أو حبيبا، فتتضاعف الٱلام، وتزداد الأوجاع والأسقام، فقديما قالوا : يُؤتى الحذر من مأمنه، وعلى حد قول الشاعر:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهند
إنه لمن سوء الطالع أن تعيش على فطرتك كل الناس خلانك، وجميعهم أصدقاؤك، فتفتح صدرك بلا حرص ولا رويّة فتصير هدفا للسهام والرميّة، وهذا من البلاهة وسوء التقدير، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن كيس فطن “
وقال :” لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”
وقديما قال خطيب العرب أكثم بن صيفي : حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة .
ستبهت وتبغت يا صديقي بما لم تتوقعه، وستصدم بما يفاجئك وما ستعلمه، وسترجع يوما يا ولدي مهزوما مكسور الوجدان كما تغنى العندليب .
إن الذئب ينام فاتحا إحدى عينيه فلا أمان لديه .
لا ثقة إلا في الله تعالى حتى صحتك قد تخونك على حين غرة ، فامدد يديك ألى الرحمن ملتجئا .. فإنه الركن إن خانتك أركان .
لا عصمة إلا لنبي ولا كرامة إلا لولي، وتأمل معي.
ألم ينقلب الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهم خير خلق الله بعد رسله الكرام ، وكان ذلك عقب غزوة حنين عند توزيع الغنائم وقالوا :
لقد لقي رسول الله قومه، بل الأشد من ذلك حينما أحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة وقال له : وأنت يا سعد !
فقال سعد صادما رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إنما أنا واحد من القوم .
ألم ينقلب إبليس على خالقه سبحانه وتعالى ؟!
وقد كان يلقب بطاووس الملائكة من شدة طاعته وعبادته لله تعالى .
ألم يطلب بنو إسرائيل من نبيهم ورسولهم موسى عليه الصلاة والسلام بعد عبورهم البحر، وإغراق فرعون وجنوده على مرأى ومسمع منهم أن يجعل لهم إلها كما لهم ٱلهة ؟!
يا سبحاااااااااااااان الله!
ألم تمتد يد الخيانة لقطز سلطان المسلمين الملك المظفر بعد هزيمة أقوى القوى ٱنئذ من أقرب الناس إليه!
ألم تكن الخيانة لٱخر الخلفاء العباسيين المستنصر من وزيره المقرب ابن العلقمي الذي كان سببا في دخول التتار بغداد وتدميرها تدميرا شاملا، بل وقتل الخليفة والتمثيل به ؟
كل ما أريد سرده وتبيينه أن أوقظك من غفلتك، وأنبهك لطبيعة بني جلدتك كي لا ترجع مهزوما مكسور الوجدان، بل لتكن صُلبا قويا تتحمل تلك الصدمات وتكون لديك مناعة مسبقة فتوطن نفسك على تحمل ما لا يرضيك، وألا تصدم حينما ينزلوك من أعلى رؤوسهم إلى سفح أقدامهم في غمضة عين .
وأختم بما قاله جبران خليل جبران:
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا… والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
وأكثر الناس ٱلات تحركها ..
أصابع الدهر يوما ثم تنكسر
فلا تقولنّ هذا عالم علم ..
ولا تقولنّ ذاك السيد الوقر
فأفضل الناس قطعان يسير بها..
صوت الرعاة ومن لم يمش يندثر
وسترجع يوما يا ولدي لا لتبكي وتسكب الأحزان إنما لتلملم أشلاءك، وتعيد قوة بنائك حتى تكون كالجبل الأشم لا تعصف به الريح، ولا توهيه قطرات المياة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى