التعليم: ملائمة النهج والمناهج فى الدول النامية (4)
د. فيصل رضوان | أستاذ التكنولوجيا الحيوية بالولايات المتحدة الأمريكية
لماذا ذهب بنا الآباء الى المدارس؟ هل لنصبح فلاسفة ورواد فضاء؟ كم منا —نحن المتعلمون- يحلم بنزهة فضائية على سطح القمر؟ يظل الحلم شئ جميل للمستقبل، ولكن أولاً وقبل كل شيء، فإن الغرض من التعليم يظل وبشكل أساسي قائم على إعداد الشباب عقليًا وبدنيًا حتى يتمكنوا من صنع حياة مستقرة، والخروج من حيز الفقر، ذلك قبل الخروج من كوكب الأرض لزيارة القمر. لذا، يحتاج التعليم في جميع المجتمعات، وخاصةً في بلدان العالم النامى، إلى وقفة متأنية، وإشراك أولياء الأمور والطلاب والمعلمين فى تغير ثقافة التعليم، وصنع الفارق لغرض تلبية إحتياجات المجتمع المحلي من المهارات والخبرات أولاً ، ثم أحتياجات التنمية بالدولة بوجه عام. لابد أن تلبى المناهج التي يتم تدريسها هذه الحاجة، وتكون أكثر صلة بالواقع. وليس الأمر كما لو أن الطلاب يفتقرون إلى القدرة على تغيير عالمهم للأفضل، لكنهم طالما ينتظرون نظامًا تعليميًا أكثر إبداعًا. هم بحاجة إلى الفرصة والمعرفة “المباشرة” لتنمية قدراتهم على الإبداع وممارسة حل المشكلات.
إن امتلاك المعرفة لا يعني القدرة على تطبيقها. على النقيض من ذلك، فإن امتلاك المهارة أو “الحرفيَّة” يعني امتلاك القدرة على القيام بشيء مفيد. قد يتطلب امتلاك المهارة الزيادة فى المعرفة ، لكن امتلاك المعرفة فقط، لا يعني بالضرورة امتلاك المهارات. مثال على ذلك، معرفة كيفية عمل السيارة لا يعني أن الشخص لديه المهارة لإصلاحها.
إذن ماذا علينا تغيره حتى نصل الى فكرة “الاستثمار” فى “التعليم الجيد” للطلاب في العالم النامي؟
وحينما تكون الموارد محدودة، قد لا نحتاج إلى عدد كبير من الخريجين العاطلين عن العمل، الذين حصلوا على درجات جيدة وشهادات لامعة، ومعرفة ربما القليل جدًا منها صالح للتطبيق والمنفعة على المستوى المحلي. نعم، ربما كانوا طلاب ممتازين وذوى كفائة ذهنية عالية ، لكنه لم يتم تعليمهم طرق التفكير النقدي أو حل المشكلات، وخصوصًا التركيز على سبل المعرفة التي من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج سبل عيش أفضل سواء لأنفسهم أو لمجتمعاتهم.
لذا، حان الوقت أن تنظر المؤسسات التعليمية فى تطوير فكرة التركيز الدائم على “درجات الاختبار وإتقان المناهج الأكاديمية التقليدية” الى صناعة نهج تعليمى يضمن مساعدة الطلاب على تطوير المعرفة والمهارات ذات الصلة بحياتهم حتى تنتشلهم ومجتمعاتهم من الفقر والحاجة. لقد حان الوقت للبحث عن سبل رعاية شاملة للتعليم الفنى والتوسع فيه وتطويره، وإعطائه حقة من التقدير المعنوى، حتى يكون قاطرة تنمية حقيقية، و يحدث أكبر تأثير اجتماعي واقتصادي على حياة الكادحين والفقراء.
التعليم الإلكتروني وسيلة وليست حلًا
أصبحت التكنولوجيا واحدة من أعظم وسائل التغيير للافضل. والشباب هم أكثر حبا للتقنيات الجديدة ، وبالتأكيد بدأت في تحقيق إمكانات جديدة لسرعة الابتكار والتعليم، حيث يوفر الإنترنت فرصة فريدة للمعرفة في كل مكان. اليوم يمكن لأي شخص متعلم أن يسأل أي سؤال ، والبحث عن أي موضوع ، والتحقق منه وتحليله ، والتوصل إلى فهم متعمق في غضون أسابيع – وهو أمر كان ، قبل هذه الفترة يستغرق شهورًا أو حتى سنوات.
ومع ذلك ، فإن التوسع غير المدروس فى التجارب التعليمية على الأجهزة اللوحية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة حققت نجاحًا محدودًا فى الدول النامية ذلك بالنظر الى الاعتبارات الثقافية والاجتماعية، وتكييف هذا الاستخدام للمهمة التي يتعين إنجازها. ويظل نجاح التطبيق رهن قوة البنية التحتية لشبكات الإتصال، والحاجة السريعة إلى التدريب والتطوير المهني للمعلمين، حتى يتمكنوا من معرفة التفاصيل الكافية والفهم الكافى لاستخدام موارد تكنولوجيا التعليم .
تعليم مهمته الأولى إيجاد الحلول
لا يوجد نهج تعليمى واحد يناسب العالم بأثره. عدم الموائمة التعليمية ربما هى المشكلة فى ضعف قيمة نواتج التعليم فى العالم النامي. في حين أن المناهج ذات النمط الغربي يمكن اعتبارها مناسبة في “المناطق الأكثر ثراء”، ولكن يظل الفقراء فى العالم هم الأكثر حرمانًا من مردود التعليم. لقد حان الوقت النظر في نظام جديد يضمن إطارًا لتنمية تعليمية محورها “الإنسان”. الأفراد في البلدان النامية بشكل خاص يستفيدون أكثر من التعليم الفنى — غير الأكاديمي، الذي يتم تصميمه لسد “إحتياجات الناس”. هذا هو النهج الذي يحتضن فكرة الملائمة والتنمية من خلال منظور تعليمى يركز على ضمان أولوية تحقيق “رفاهية مستدامة للأشخاص والأنظمة الحية جميعها على كوكب الأرض”.
يتضمن ذلك النهج تصميم مناهج تُعلم الأفراد المهارات ذات الصلة بحياتهم بشكل مباشر. وقد يشمل ذلك محو الأمية المالية ومهارات تنظيم المشاريع ، ومهارات الصيانة والإدارة الصحية ، فضلاً عن القدرات الإدارية مثل العمل الجماعي وحل المشكلات وإدارة المشاريع. لن يتطلب هذا الشكل من التعليم الحاجة إلى وصول الآلاف من الطلاب من أبنائنا إلى التعليم العالي بما فيه من إهدار للمال والوقت، بل يتم غرس التلاميذ من البداية بالمهارات اللازمة لصنع حياة أحسن لأنفسهم، وبشكل سريع غير مرهق. وبالتالي ، لعلنا نصل إلى التعليم الأكثر إنصافًا، والأكثر إنتاجية ويكون التعليم سببًا فى صنع حياة أفضل وتضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
تعليق واحد