الروائي والوثائقي في رواية (فندق السلام) للكاتب محمد سعد جبر الحسناوي

عليّ جبّار عطيّة| كاتب صحفي ورئيس تحرير جريدة (أورك) العراقية

سمتها القوى المناهضة لحكم البعث بـ (الانتفاضة الشعبانية) ، وأطلقت عليها الأبواق الإعلامية الرسمية وصف (صفحة الغدر والخيانة) ووصمت ثوارها بـ (الغوغاء) لكنَّ التاريخ لابدَّ أن يقول كلمته، وكذلك الأدب يجب أن يكون المُعبّر الحقيقي عن الناس والزمان والمكان !
نحنُ أمام روايةٍ مكتوبةٍ بنفسٍ واحدٍ، وبجملٍ سرديةٍ متواصلةٍ، من دون فصولٍ، وبساردٍ واحدٍ عليمٍ !
نبدأ من عنوان رواية ( فندق السلام ) للكاتب والشاعر والمهندس محمد سعد جبر الحسناوي، العتبة الأولى للنص فهو يشير إلى مكانٍ معينٍ هو فندق سياحي يقع شمال مدينة النجف الأشرف على الطريق العام الرابط بين مدينة النجف ومدينة كربلاء في مقدمة حي السلام.
تكمن المفارقة هنا أنَّ تسمية الفندق جاءت من حي السلام، ومن وادي السلام الذي يضم أكبر مقبرةٍ في العالم لكنَّه سيحمل النقيض لذلك ويكون رمزاً للسلطة والرعب والقمع ، خاصةً وهو فندق مملوك للدولة التي دأب إعلامها الرسمي المركزي على وضع المسميات بعكس دلالاتها، فحيثما تجد كلمةً كمديرية الأمن مثلاً اعكس معناها لتعرف عملها الحقيقي، وهذا يذكرنا برواية (١٩٨٤م) للكاتب الإنكليزي جورج أورويل ،التي تدور عن تمكن السلطة الاستبدادية من السيطرة على الناس بالتفكير المزدوج، وأنَّه لايمكن الاحتفاظ بالسلطة ـ التي هي غاية وليست وسيلة ـ إلى الأبد إلا عبر التوفيق بين المتناقضات، وكلما ازداد الحزب قوةً قلت درجة تسامحه، وكلما ضعف معارضو السلطة اشتدت قبضة الاستبداد والطغيان.
سيكون لهذا الفندق دور محوري مع انتفاضة النجفيين في آذار سنة ١٩٩١م وهي انتفاضة شعبية ذاتية ناقمة على الدكتاتور، وغير مرتبطة بأي جهةٍ خارجيةٍ.
حرص المؤلف على تسجيل كل شاردةٍ وواردة من أحداث منذ اليوم الأول للانتفاضة وحتى قمعها واعتقال المشاركين فيها وغير المشاركين، وكذلك اعتقال علماء الحوزة العلمية وعلى رأس المعتقلين زعيم الحوزة السيد أبو القاسم الخوئي، والسيد علي السيستاني، والسيد محمد الصدر وآل بحر العلوم وغيرهم من فضلاء النجف وطلبة العلوم الدينية.
ويورد الكاتب لقاء صدام بالسيد الخوئي وما دار بينهما من حوار وقول السيد الخوئي:
( الحمد لله ، أنا قريبٌ من الموت والموت قريب مني) ومطالبته بإطلاق سراح رجال الدين، والعفو عن الجميع.
ويركز المؤلف على أهم المحطات التي شهدتها الانتفاضة، ومنها انطلاقها، وسيطرة المنتفضين على الدوائر الحكومية، وتعزيز أمن المحافظة، وإسناد منتفضي محافظة كربلاء المقدسة، وإظهار دور المرجعية الدينية في قيادة الجماهير، و بياناتها في حفظ الممتلكات العامة والحفاظ على أرواح الناس وحقوقهم، وإصدار جريدة يومية بتسعة أعداد عنوانها (الجمهورية الإسلامية) .
لم يكن فندق السلام مجرد مكان يمثل السلطة بل صار عنواناً ومقراً لها وسجناً كبيراً بعد سقوط النجف في يد قوات الحرس الجمهوري فارتبط بالانتقام العشوائي من الجميع وكان مكاناً لعمليات اعتقال واسعة وإعدام للكثير من الشباب دون محاكمات، ثمَّ صار فخاً للشباب وكبيت العنكبوت، حين دعت مكبرات الصوت في سياراتٍ تجوب الشوارع العسكريين إلى التجمع في فندق السلام لتسلم عفو مزيف من السيد الرئيس تمهيداً لنقلهم إلى وحداتهم العسكرية، وانطلت الخدعة على الكثيرين، وكان الثمن باهظاً بفقدان حياتهم أو سجنهم وتعذيبهم تعذيباً وحشياً.
حاول الكاتب أن يخفف من الأجواء القاتمة والأحداث الحزينة التي تُخيّم على أجواء الرواية فأنشأ خطاً عاطفياً بعلاقة حب تجمع بين شابٍ يُدعى (علي)، وفتاةٍ تُدعى (إيمان) لكنَّ هذا الخط الذي كان يمكن أن يكون محورياً لم نجد له تأثيراً على سير الرواية التي امتد زمنها من سنة ١٩٩١م وحتى سقوط تمثال الطاغية في التاسع من نيسان سنة ٢٠٠٣م.
لكنَّ القارىء يمكنه التفريق بين الخط الروائي والخط الوثائقي بقرينة الحاشية التي يضعها الكاتب حين يستشهد بحادثةٍ حقيقيةٍ أو حوارٍ أو معلومةٍ ما مستنداً إلى ما كُتب من مؤلفات عن تلك الحقبة.
المفارقة أنَّ شخصية علي الذي كان له دور في الانتفاضة الشعبانية اكتفى بدور المتفرج بعد سقوط الدكتاتور وكان يتابع الأحداث من خلال قناة فضائية خارج العراق فهل يريد الكاتب أن يقول : إنَّ التغيير النيساني الذي حصل ليس للشعب فيه سوى دور المتفرج !!؟
^رواية (فندق السلام) للكاتب محمد سعد جبر الحسناوي، الطبعة الأولى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت ، ٢٠١٦م.