شعوب التربل إكس لارج
توفيق أبو شومر | فلسطين
إذا كان معظم الشعوب تُحركها أمعاؤها، فإننا من أكثر شعوب الأرض زحفا على بطوننا، فمرض السمنة يغزو مجتمعنا، وهو من أخطر الأمراض، وأصعبها علاجا، وهو أيضا من أهم مسببات الأمراض الأخرى.
الغريب في الأمر أن مجتمعات كثيرة تغض الطرف عن هذا المرض، وتعتبر مرض السكر والضغط والسرطان هي الأمراض الأخطر، ولا تنسب تلك الأمراض إلى السمنة.
فهل يعود السببُ إلى تراثنا العربي القديم، حينما كانت السمنةُ في وقت شح الطعام والمُلمات تعادلُ الصحة؟
وهل لعاداتنا العربية في تخزين الطعام والشراء أثرٌ في جعل السمنةِ صحةً وعافية، وليست مرضا من الأمراض؟
وهل اختلاط مفهوم الكرم العربي بالإسراف في الطعام، واعتبار القول المأثور عن صفات الكريم وهو: (ما يفيضُ من طعام الكريم، يكفي لإطعام كتيبة عسكرية)
فهل للإسراف أثرُ في مرض السمنة؟
أم أن غياب دور التنشئة الأولى في عادات الأكل والطعام عند الأطفال هو السبب في هذا المرض؟
أم أن كثيرين يسعون لتحزين الدهون كي تُضفي على الوجوه نضارة، وتخفي تجاعيد الهرم والكهولة، بفعل كُتل الدهون والشحوم؟
أم أن النظام القبلي والأسري العربي هو السببُ، حينما تجتمعُ الأسرةُ كلُّها على مائدة الطعام، مما يدفع الآكلين إلى استخدام نظام البلع لا المضغ وسيلة للظفر بأكبر قدرٍ من الطعام، مما يجعلنا من أسرع الآكلين في العالم أجمع، إذ أن وجبة الطعام تنتهي في أقل من دقائق معدودة، مما يجعلنا ندخل موسوعة غينس للأرقام القياسية في هذا المجال؟!!
وإذا كانت الإجابة بنعم تنطبق على كثير من شعوب الأرض، فإن للشعب الفلسطيني خصائص إضافية أخرى، تجعله يُقبل على السمنة أسرع من كل شعوب الأرض!
فمآسينا الفلسطينية المعتادة جعلتنا نُدمن تخزين الطعام، بحيث أصبحنا نعيش فوق مخازن أمعائنا، فعندما نُصمم بيوتنا، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو أن نقيمها فوق المخازن والمستودعات، بحيث أصبحت بيوتنا أيضا خادمة مطيعة لأمعائنا، فانتفى جمالُ البيوت وتصميمها، لتصبح كلها مستودعاتٍ ومخازنَ للطعام!
كما أن ما تعرضنا له من حصار وتضييق جعلنا نعتاد أبشعَ العادات، وهي الشراءُ بالجملة، فالفلسطيني هو الوحيد بين كل دول العالم الذي غيّر صيغة الشراء بالكيلو غرام أو بالغرامات ، وصار الشراءُ بالرطل الفلسطيني، وبخاصة عند شراء الفواكه والخضروات، ويساوي الرطل الفلسطيني ثلاثة كيلو غرامات، وهي الحد الأدنى المقبول! حتى أن كثيرين من بائعي الفواكه والخضروات ومن الجيران والأصدقاء يعتبرون كلَّ من يشترى بالكيلو غرام بخيلا شحيحا!
لذا فقد توسعتْ أمعاؤنا، وزاد استهلاكنا، وتضخمت كروشنا وأوزاننا، وبخاصةٍ أطفالنا ونساؤنا أيضا.
وحتى نخفي شرَهَنا وزيادةَ استهلاكنا للطعام قمنا بتغطية أجسادنا بثياب واسعة فضفاضة، لنمكن أجسادنا من التمدد بحرية أكبر، حتى لا نصاب بذعر توسيع البنطلونات والأحزمة!
ومن أسباب توسع الأفواه والأمعاء في وطني مخصصات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التي تصرف الطعام مجانا، وبخاصة أكياس الطحين، ويُضاف إلى ذلك أيضا كوبونات الغذاء التي توزعها الجمعيات والأحزاب والدول والمؤسسات الخيرية مجانا، والتي تشتري بها الأحزابُ والمؤسسات الولاءاتِِ والأنصارَ بإدمان الأفواه والأمعاء على هذه المنح المجانية!
قال أحد مستودري الألبسة:
إنني أشترط حين توقيع العقود أن تكون نسبة مقاييس (الإكس لارج والضبل إكس والتربل إكس) وما بعدها، بنسبة لا تقل عن ثمانين في المائة من الكمية، فمقاييس “صغير ومتوسط” لم يعد لها مشترون في بلادنا!!
والغريب أنني لم أظفر بدراسة جادة لنسبة السمنة في فلسطين، ولم أجد دراسات جامعية تشير إلى هذا المرض، أو ترفع الراية الحمراء في وجه زحف السمنة السريع نحو أطفالنا!
ما أكثر جمعيات الأسرة والمرأة والطفل، وما أكثر كليات الدراسات الاجتماعية، وما أكثر المؤسسات الصحية ورعاية الطفولة، وفي المقابل ما أندرَ الدراسات المتعلقة بوباء السمنة وآثاره الجانبية على أجيالنا!!
أعرف أن النظام التجاري العالمي في الألفية الثالثة، ألفية [ الغذاء والدواء والكساء] عدوٌ لدود لكل الدراسات الجادة في هذا المضمار، لأن التوعية بمخاطر السمنة تُقلل من أرباح الشركات متعدية الجنسيات وتحد من تجارة الطب والدواء ،وهي التجارة الأكبر في عالم اليوم، وتدفع الناس للثورة على أخلاط الغذاء غير الصحي الذي تنتجه تلك الشركاتُ، مما يجعلها عرضة للملاحقة القانونية لأنها ستخسر كل أرباحها عندما يتم اكتشاف مكونات أخلاط الغذاء، فمعظم الشركات تستخدم أخلاط الإدمان المضرة والمسرطنة، والتي هي أشد خطرا من المخدرات!