قراءة في قصيدة ” وجه القمر ” للشاعرة التونسية هادية آمنة
محمد المحسن | شاعر وناقد تونسي
وجه القمر
ياساري الّليل مهلاً لا
تقُل
وحيدة تشكو من بعده الأمر
تذرف من عينها أغلى الدّرر
عن ساكنٍ في القلب راح و اندثر
في مفرق شعره نورٌ أغَر
تلظى بحبها يوما واستعر
تاركا عندها أحلى الصوّر
تحضنها لحظة ثمّ تدُر
لتبعثَ زفرة منها تفر
عشقها هو وجه القمر
تشتاق معه حلو السّهر
فصار نومها كرّ و فرّ
إذا اعتبرنا الخيال عند أفلاطون هو الجنون العلوي وان الشعراء متبعون وأن الأرواح التي تتبعهم قد تكون خيرة أو شريرة، لكن أرسطو هو الذي اعترف لصاحب الحرف في قوة الخيال وبالمكانة اللائقة به وأثنى على قدرته في المجاز واعتبر الخيال قوة وطاقة ضرورية في القول الشعري فحين نتعمق في النص الذي امامنا نحن اما ثنائية المجاز والعشق الذي دل عليه عنوان القصيدة فالشعر النثري لا يعتمد على التوصيل فحسب بل يسعى الى الجمالية اذ ترتفع ب الذات الشاعرية عند معالي مصاروه بلغة رشيقة ، وصور رامزة ، وايحاءات كامنة في دلالات لا تخلو من فيض الاحاسيس والرؤى والخيالات القلقة التي تشير ولا تفصح والمدرك منها يكفي لفهم ابعاد الرؤيا وتحسس ما هجست به وعنه في معادلة بالغة العمق جوهرية الدلالة ..عاشقة متمردة وثائرة توشوش الغيم وتغني للسماء .. تكتب الشعر بانفاس حارة واسئلة عميقة عن ماهية الجسد والروح .. طفلة مصلوبة على حافة الشوق تشتعل كشعاع الشمس في خمرة البحر تبوح في الحب رغم الغلاف التابوي المسلط على عناق الحب بسيف الخطيئة والقبيلة .. نعم نص حار بلغته وبأسئلته الكبرى والحزينة وحرف حفيف ومشتعل كاشعة الشمس .. لغة متقنة وبلاغة صاخبة تزف الهوى على اجنحة الغمام تكتب بضوء القمر ما تعثر من وجد في طوق اليمام وتغزل من سنابل وطنها ومن هذا السكون قصائد عشق صامتة رغم بوحها في اوردة الروح فيسيل الحبر الاحمر على قراطيس العشق المباح في الخطى السماوية ويحكي للعابثين بالحب وللراقصين على الجمر بان العشق كذب ان لم أمن بمن سواك هي لا تريد ان تدفن هذا الحب في طين الجاهلية في التوابيت فهي لا تخجل من ضوء الشمس وتغزل القمر لحنا وتطرز المغيب وردا ..
على غرار رواد القصيدة الحديثة كأدونيس و امل دنقل و صلاح عبد الصبور و محمود درويش وغيرهم، اقتحمت الشاعرة التونسية هادية آمنة عالم الغياب و التشظي كمفهوم اكثر اتساعا وعمقا في شعرها وربطته بحياتها الواقعية، كدلالات تعبيرية ومكونا اساسيا وبعدا محوريا للأنثى من نسيج العالم الواقعي الحديث او المعاصر،واضحى وجودها الانساني كالاشباع الروحي مثلا، يمتاز بكونه حاجة ملحة، حاضرة، مبعثرة، متشظية وممزقة الاوصال ومشحونة بالتناقضات والمفارقات.. و كذا احكام المجتمع الذكوري، والقبلي..
فالشاعرة رسمت بالكلمات والعبارات صورا مخالفة لاسطر تعودنا قراءتها مما تؤدي الى التأمل البصري التشكيلي الذي يستدعي وقوفا امام النص/ القصيدة مدة اطول، لتعيد القراءة مرات و مرات، لتجعل من القارئ شاعرا، يعيد رسم صور إن لم نقل تناصا خياليا، والهاما لاعادة صياغة قصيدة او بيت على طريقته..
انطباعي الأولي أن الشاعرة هادية آمنة مفعمة بالاحاسيس المرهفة والصادقة والمعبرة، وأحاسيس الحب الصادق،وللحب مصاديق كثيرة، قد نفصح عنها ونحن نقف في بعض محطات الحياة وقد نكتم، الإنسان الرجل والانسان المرأة يسيران في هذه المحطات متقاربين أو متباعدين، فهما جناحا الحياة، وهما محور الحب في جميع درجاته، قد يسيران متحالفين متعاونين متحابين، وقد يكونان متعاندين أو متخاصمين، وقد يكون التعامل بينهما وفق معيار المالك والمملوك والسيد والعبد، فقد تدفن امرأة حيّة مع زوجها المتوفى كما في بعض البلاد الأفريقية،وقد يتكلمان ويتفهمان أو يلزمان الصمت، وأحيانا يعطي الصمت إشارات أبلغ من الكلام، وقد يكون الصمت قاتلا.
تحياتي للشاعرة التونسية المبدعة هادية آمنة.
أدعو لها إلى مزيد من الإبداع والتألق،وأخيرا أهدي لشاعرتنا أبياتا جميلة للشاعر أبو الطيب المتنبي،أرى أنها قريبة المعنى والمقصد من قصيدتها:
أبلغ عزيزا في ثنايا القلب منزله..أني وإن كنت لا ألقاه ألقاه
وإن طرفي موصول برؤيته..وإن تباعد عن سكناي سكناه
ياليته يعلم أني لست أذكره…وكيف أذكره إذ لستُ أنساه
يامن توهم أني لست أذكره.. والله يعلم أني لست أنساه
إن غاب عني فالروح مسكنه.. من يسكن الروح كيف القلب ينساهُ؟
ولنا عودة إلى تجلياتها الشعرية الخلاقة عبر مقاربات نقدية مستفيضة.