بقلم: رياض كامل
الأدب خلاصة الفكر الإنساني في شكله النقيّ، ولا نبالغ حين نشبهه بالذهب أو بالعسل، يحتاج كلاهما، رغم ما لهما من خواص، إلى عملية تنقية وإزالة للشوائب. وهكذا الأفكار تمرّ في الذهن عملية تصفية وتنقية حتى تصبح جاهزة ليسكبها المبدع في قوالب فنيّة تسحر الألباب والأذواق والعواطف، في آن معا.فكيف يجب أن يكون اللقاء بين القارئ والنص؟ وبالتالي كيف على القارئ أن يؤوّله؟ومن القادر على إرسال النص، ومن المخوَّل للقيام بتأويله؟
للقيام بهذه المهمات يجب أن تتوفر ثلاثة أسس رئيسية ومهمة: أولا تعرّف القارئ بعمق على النص؛ شكله، مضمونه، دلالاته، مركباته ومكوّنات هويته الفكرية والأدبية. ثانيا تزوُّد الناقد/المتلقي بثقافة واسعة في مجالات عدة فكرية وفلسفية واجتماعية ونفسية، والاطلاع على نتاجات أخرى من نفس النوع الأدبي،لأن ذلك يساهم في عقد مقارنات تبين نقاط التقليد والتجديد، وتحدّدمكانة النص الجديد بين الإبداعات الأخرى السابقة والمتزامنة، وأحيانا اللاحقة. أما العمدة الثالثة فهي المعرفة النظرية التي تساعد الناقد/ المتلقي على تأويل النص تأويلا منهجيا بعيدا عن العفوية والاعتباطية. من شأن التنظيرات أن تساهم في تنظيم الدراسة وتنسيقها ودعمها بأسس متينة قائمة على التجربة، وهي تزوّد الناقد بآليات تأويلية تساهم في فك شيفرات النص، خاصة وأن النصوص الحداثية تعتمد على أساليب جديدة وقديمة تتناغم معا وتتقاطع وتتشاكل. هذه الأسس الثلاثة تسعف المتلقي في فهم دلالات النص ومركباته،فلا يحمّله أكثر من طاقته، من ناحية، ولا يحدّ من انفتاحه وتشظيه،وتحويله إلى متلقين آخرين، من ناحية أخرى.إنّ كل قراءة لأي نص، مهما كان نوعه، تفرض على القارئالإصغاء جيدا إلى ما يقوله النص وإلى خصوصياته، وإلا تحولت دراساتنا إلى نسخة واحدة تكرّر ما سبق.
تقوم هذه المقالة بدراسة خصائصالقصة القصيرة جدا في كتاب “عزف على نشاز” (2019)، للكاتب جريس نعيم/مريم خوري، والتوقف بشكل سريع عند مميزات المقامة لديه، من خلاللقاء القارئ بالنص وما ينتج عنه من تأثير وتأثُّر. فمن شأن هذه المقاربة أن تعرّفنا إلى رؤية المؤلِّف للحياة، وإلى لغته؛ مركباتها وخصائصها،وترشدنا إلى دوافع كتابته، وطريقة بنائه للقصة والمقامة،إذ يرى أمبرتو إيكو أنّ للكاتب أسراره التي لا يمكننا اكتشافها، فهي غامضة وتحتاج إلى تأويل كما هي كتاباته تحتاج إلى تأويل، وكتاباته هي التي تفصح عن حياته. (إيكو، 2004، ص112)
حين يلتقي القارئ بالنص فإنه يلتقي بمنطوقين؛ منطوق النص وما يحمله، ومنطوق المؤلِّف. وكي لا يغرق قارئ هذه المقالة في هذه العملية “الفلسفية” فإننا نقول، اعتمادا على أصحاب نظريات التلقي والتأويل، بوجود الكاتب الحقيقي والكاتب الضمني،أو “الشخصية الثانية للمؤلف” أو “الأنا الثانية”، تلك التي تنطلق من الأنا الأولى وتتحرّر منه أثناء العملية الإبداعية (انظر: وين بوث، ص83-84). ونحن نرى، انطلاقا مما اكتسبناه من هذه النظريات، أن “الأنا الثانية” لا تنفصل عن الكاتب الحقيقي انفصالا تاما، ما يعني أن المؤلِّف موجود ومرتبط ارتباطا وثيقا ببيئته في المكان والزمان والتاريخ والفكر والحضارة. وهذا ما يؤكد عليه أصحاب نظريات السيميائية وجماليات التلقي الذين يرون أن هناك تلاحما بين القارئ، النص والمؤلِّف. وللمؤلف هويته الفكرية الأيديولوجية التي تحاوره وتلازمه ويبلور بحسبها أفكاره، وهي ذاتها التي تفرض عليه طريقة بناء إنتاجه الأدبي. فكيف ينعكس ذلك لدى الأديبجريس نعيم/مريمخوري؟
ننطلق في تأويلنا لنصوص خوري من مقولة للمنظِّر أمبرتو إيكو: “إنه لمن الأهمية بمكان أن يدرس المرء كيف يُصنع النص وكيف ينبغي أن تكون كل قراءة له إبانةً محضة عن مسار تكوين بنيته… على أنني أظن أن ما يوازي ذلك أهمية أن يدرس الناقد كيف يُقرأ النص بعد أن يصنع”. (إيكو،1996، ص10) كما نؤمن أنّ هناك ما قبل الكتابة وما بعدها، فما قبلها هو رؤية الكاتب إلى الحياة (الفكر الأيديولوجي)، وما بعدها هو صياغة هذه الرؤية في قوالب فنية، وهما في النهاية كلٌّ متصل مترابط يكوّنان جسد النص.
تؤمن السيميولوجيا التأويلية أنه لا يمكن إهمال دور المؤلِّف إذ تقوم “الشعرية” (البويطيقا) على قطبين يجمعهما النص؛ القطب الفني (نص المؤلِّف) والقطب الجمالي (نص المتلقي)، والمؤلف يعيش في مجتمع له ظروفه وبيئته فيتأثر بها، وهو يكتب ليؤثِّر في هذه البيئة التي يعيش فيها، ومن يتابع إنتاج جريس خوري الإبداعي يراه مهموما إلى أبعد الحدود، مما دفعه إلى توجيه سهامه الحارقة في أكثر من اتجاه.
تمهيد
يحتوي كتاب “عزف على نشاز”على أكثر من نوع أدبي نثري: القصص القصيرة جدا، القصص القصيرة، (قصة واحدة) المقامات وتأملات. هذه الأنواع الأدبية النثرية معروفة كلها للقارئ، منها ما هو معروف أكثر ومنها ما هو أقل.
من يقرأ الكتابيلاحظ بوضوح أن هناك ما يميزه عن غيره من منجزات الأديب جريس خوري السابقة، وقد عرفناه شاعرا له ثلاثة دواوين: “بلا أشرعة” (2010)، “موال في ليل أمي” (2001)، و”جمرات” (1999)، وهو باحث نشيط أصدر مؤخرا كتابين بحثيين: “لافتات فلسطينية- دراسات وملاحظات في الحضارة والأدب المحليين” (2022)، و”هوية الأدب وأدب الهوية” (2020)، فضلا عن عشرات الدراسات الأكاديمية باللغة الإنجليزية والعربية التي نشرت في مجلات محكّمة. وهو محاضر أكاديمي مرموق، ويشغل حاليا منصب رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب، ويُعنى جدا بالفلكلور والتراث والغناء الشعبي، وله في ذلك أبحاث رائدة في اللغتين العربية والإنجليزية.
لم تلق القصة القصيرة جدا، في بدايتها، ترحيبا من القارئ العربي، ولربما يعود السبب في ذلك إلى كونها جنسا أدبيا جديدا غير مألوف (نسبيا)، أو بسبب ربطها ببعض الإبداع العربي القديم مثل النادرة والطرفة والخبر والمثل والحكاية وغيرها. وكي يخترق الأديب الأسوار الواقية التي تحُول دون دخول هذا الجانر تخوم الذوق العربي نراه يلجأ إلى وسائل تساهم في مخاطبة المتلقي وتجنيده، ولعلّ من أهم ما وظّفه هؤلاء الأدباء هو التكثيف، المفارقة والفانتازيا لخلق حالة من الدهشة لدى القارئ. وقد عمد إليها الكاتب جريس خوري منذ العنوان، كما سنرى لاحقا.
لا تتغيا هذه المقالة التعرض لميزات “القصة القصيرة جدا”، بشكل عام، ولا تبغي تقصي أصولها وشروط كتابتها، وتاريخ نشأتها وتطورها،وتكتفي بالإشارة إلى بعض المصادر للراغبين في التوسع، منها: بحث بعنوان “الأقصوصة القصيرة في الأدب العربي الحديث – مقاربة تاريخية” للباحث إبراهيم طه، كتاب “القصة القصيرة جدا- رؤى وجماليات” للباحث حسين مناصرة، كتاب “دراسات في القصة القصيرة جدا” للباحث يوسف حطيني وكتاب “شعرية القصة القصيرة جدا” للباحث جاسم خلف إلياس.
إن التعامل مع القصة القصيرة جدا يفرض على المتلقي توخّي الحذر الشديد والدقّة القصوى التي يتحلّى بها الكاتب المبدع ذاته، فهي نوع أدبي شديد الحساسية نظرا لقصرها، فكل كلمة يختارها المبدع تتطلب تفكيرا عميقا وموهبة ذوقية خاصة تعمل على التركيز على “العمدة” لا “الفضلة”، والتعبير عن أوسع الأفكار في أقل الكلمات، ومن لا يدرك هذه الخاصية يدخل في متاهة تجعله يعتقد أنها جنس أدبي سهل، تماما كاعتقاد البعض أنهم يكتبون شعرا منثورا، فيما هم يكتبون سردا مباشرا.وقد أشار الدارسون والباحثون إلى إشكالية هذا النوع الأدبي الذي يغري البعض على دخول المغامرة نظرا لقصرها معتقدين أنها نوع أدبي سهل. (المناصرة، ص7-9)،
تتناول قصص خوري القصيرة جدا مواضيع حارقة تبيّن الغبن اللاحق بالشرائح الضعيفة، وتُسلّط الضوء على الفساد المستشري، وعلى الضيم والظلم الذي يتعرض له الضعفاء في العالم، فكانت السخرية والمفارقة المُرّة والتهكم عوامل هامة في التكثيف والتبئير، وإثارة المتلقي في خواتيم القصص المفاجئة.
لذة النص: القراءة المتأنية
يدعونا رولان بارت إلى التمهّل في القراءة وعدم التسرّع، فالقراءة المتسرعة تودي إلى تساقط النص وضياعه، أما القراءة المتمهّلة المتمعّنة في كل حرف وفي كل كلمة، وقراءة النص مرة ثانية فتضيئه وتجلب المتعة، “وما يجب على المرء أن يقوم به لقراءة كتاب اليوم ليس الالتهام ولا الابتلاع، ولكن الرعي بدقة، والجزّ بعناية”. (بارت، ص37-38) أما الإسراع في القراءة فتجعل النص مظلما.
إن لذة النص لا تتحقق بناء على الذوق، رغم أهميته، إذ هناك آليات يعمل المتلقي وفقها ليبيّن جماليات النص من خلال متابعة عملية بنائه، مضمونه، تقنيّاته، ملء الفراغات، ومعاينة اللغة وما تحمله من إشارات ودلالات، والوقوف عند تشكلاتها المتعددة التي وظِّفت في خدمة المُتخيَّل وما يحملهالنص من غنى ثقافي يحيل إلى أعمال أخرى، ويتشاكل معه أو يعيد المبدع صياغتها بصورة جديدة. بكلمات أخرى أن لا يكون القارئ مجرد مستهلك للنص بل مبدعا يعيد كتابته بصورة جذابة تبين فنية النص وجماليات التلقي.
لا تتعدى بعض القصص والنصوص في “عزف على نشاز” بضع كلمات، لكنها تستوجب من القارئ الترويَ وإعمال الفكر حتى يتمكّن من الإمساك بالفكرة، والإمساك بالفكرة لا يقتصر على فهمها وإدراكها فقط، فتلك هي المرحلة الأولى من دور القارئ الناقد، إذيتوجب عليه أن ينقلها إلى المتلقين الآخرين عبر الورق، وأن يقوم بعملية “الفهم والإفهام”، كما يقول الجاحظ.(بلعابد، ص20)ففي قصة “احتجاج صامت” (ص،38)، حيث”رئيس “التمرد” في بلد الكبت أعلن سنة صمت احتجاجا على كم الأفواه!”، ما يدعو إلى الدهشة.إنها قصة مكوّنة من اثنتي عشرة كلمة،فيها الحدث والشخصية المركزية والمكان، وفيها النهاية المفاجئة المبنية على المفارقة. فإن كان الكاتب يلحّ على الكتابة بدافع الحث على التثوير وتغيير الواقع عبر كشف الرذيلة في أوضح صورها فإن المتلقي سرعان ما يتلقّف الفكرة مشاركا في الانفعال والتفاعل معها.
إن السمة الغالبة على هذا الجنس الأدبي هوالتكثيف والتوتر والإدهاش بهدف تحقيق الصدمة لدى المتلقي.لذا يلجأ الكاتب بشكل لافت إلى الترميز والإيحاء، وبالتالي تتكشف مواصفات الشخصية الداخلية التي تأخذ القارئ إلى أكثر من اتجاه.
يلجأ الكاتبفي بعض قصصه إلى الحوار الذي يغيب عادة عن القصة القصيرة جدا، لكشف مواصفات الشخصية المركزية وهمومها وأفكارها،سواء اعتمادا على ما يرد على لسانها أو على لسان الآخرين. ومن أبرز القصص التي تمثّل ذلك قصة “أسد ميت خير من…”. (ص18-20) حيث يتعرض الحمار إلى شتى أنواع الذل والإهانة والعنف الجسدي والكلامي، فيتعذب ويتألم، ويصرخ في داخله صراخا ما انفك أن تحوَّل إلى “حشرجة دموع مُرّة”، ثم ما فتئ أن تحوّل إلى نهيق جعل صاحبه يضربه بعصا كانت في يده “وازداد عويل الحمار فصار بوقًا من نار… اجتمع إلى صاحبه أصحاب… وانهالوا على الحمار ضربا”، وأخيرا تمكن أن يفلت من بين أيديهم ويهرب نحو الخروبة، ذلك المكان الذي يحب، رغم “الطوق الأمني حوله… حتى تمكن أخيرا من الموت تحت الخروبة…”. وكانت المفاجأة التي أذهلت الجميع أنه “عندما وصل المارقون إليه.. ونشوة الانتصار في أشداقهم بعد أن منعوه من اقتحام بيوتهم… فزعوا، تراجعوا… رأوا ضربات عصيهم وقد امحت عن جلده… وثغره المائت يبتسم برضًا وكرامة…”.
هذه القصة القصيرة جدا، الطويلة نسبيا، عبارة عن فيلم سينمائي طويل حافل بالأحداث والحوارات والشخصيات الرئيسية والثانوية،يُعرض على شاشة كبيرة يراها حشد من المتفرجين الذين يتحوّلون إلى جزء من شخصيات الفيلم. أما “الموسيقى” الأكثر بروزا فهي تلك المنبعثة من فم الحمار التي بدأت حشرجة، فتحولت نهيقا عاليا ثم بوقًا من نار، وانتهت بانعدام الصوت واختفائه كليا، فيما الكاميرا تنقل صورا مكثَّفة لصاحب الحمار وأصحابه وهم يتراكضون هنا وهناك،إلى أنتتمركز (Focus) في وجوهم الفزعة من هول ما رأوا.
إن الرموز الشفافة وتلك الأكثر غموضا التي تُوِّجت بامّحاء أثر ضربات العصي عن جلدههي أكثرما يثيراهتمام القارئ، وهي التي تحفّزه على التفكير في هذه الخاتمة المدهشة واللافتة، وهي ذاتها التي تجلب له المعاناة واللذة في آن معا. وهي ذاتها، وفق أحداث القصة، التي جلبت “الراحة” للحمار بعد المعاناة، وأعادت له كرامته، وهي ذاتها التي جعلته يستريح في “مِيتته الرضيّة”. إن لذّة النص أو لذّة القراءة، أو لذّة المشاهدة (في السينما أو المسرح)، كما أراها، هي في المتابعة في التفكيرفي ذلك العمل فترة من الزمن والانشغال به حتى بعد الانتهاء من القراءة أو من المشاهدة، فنتحاور مع صانعه أو مع شخصياته، وقد نعيد القراءة أو المشاهدة للتأكُّد من بعض ما جاء فيه، واكتشاف ما لم نكتشفه في المرة السابقة من إشارات ودلالات وأبعاد. وتضيف اللغة الإشارية جمالا ولذة إلى عملية القراءة حين يقف المتلقي عند كلمات وتعابير مفتاحية مثل “الطوق الأمني” وما تحمله من دلالات وتداعيات، وعند “بوقا من نار” ليرى إلى أبعاد هذه الصورة بكل ما تحمله من أسى وألم وثورة وغضب. إنها صورة تثير انفعال القارئ وهو يتخيّل تفاصيلها النابضة بكل أبعادها.
هذه القصة القصيرة جدا عمل قابل للتشظي ومفتوح على أكثر من رؤية وعلى أكثر من تأويل، وليس عملا منغلقا على ذاته، بل والأهم، برأيي، من كل ذلك هو تلك النهاية، التي تتناسب مع تسلسل الأحداث وفق منطق القص، وما يتخللها من فانتازيا تجعل القارئ منهمكا في التفكير في أبعادها ودلالاتها.يعمل المبدع جريس خوري على بناء الفكرة ويتركها للقارئ كي يبدع هو أيضا في كشف دلالاتها وإشاراتها وفي كتابتها من جديد. إن التعامل مع مثل هذه القصص لا يتوقف عند عملية الفهم والإدراك بل يتعداها إلى عملية القراءة المنتِجة، فتصبح عملية التلقي إبداعا إلى جانب إبداع الأديب.
تحدث رولان بارت وغيره عن “لذة النص”، وعن تجربة القارئ في مقارعة النصوص، وعن تحقّق هذه اللذة أثناء عملية التأويل واكتشاف أسرار النص ودلالاته، وقد أصدر بارت كتابا يحمل هذا العنوان، وكان عليه أن يسميه “معاناة القارئ في تحقيق اللذة”، وتحدث إيزر عن تعدد القراءات وعن المواجهة/المواجهات بين القارئ والنص وما يتفتّق عن ذلك من جماليات التلقي. على قارئ “عزف على نشاز” أن يتحلى بالصبر والأناة، وهو يواجه كثافة النص والرموز الشفّافة، والرموز الأكثر غموضا. وأن يقوم بقراءة بعض النصوص أكثر من مرة كي يفكّ شيفراتها ورموزها، ويكشف عن بعض الدلالات حتى تتحقق اللذة بعد التعب والمعاناة،
المفارقة: التفريغ وتجنيد القارئ
المفارقة(Irony)أسلوب قديم قدم الفلسفة والأدب، وقد لجأت إليها الشعوب على مر التاريخ لأسباب عدة لا تتسع المقالة للخوض فيها. وظّفها سقراط في حواراته مدعيا الجهل حيلةً لإظهار جهل خصمه وتعريته، وهي وسيلة هامة لمجافاة المباشرة.كما وظّف العرب القدامى في كتاباتهم مصطلحات حملت شيئا من دلالات مصطلح المفارقة، مثل “التعريض”، و”التشكّك”، و”المشابهات”، و”تجاهل العارف”، و”تأكيد المدح بما يشبه الذم”، و”تأكيد الذم بما يشبه المدح”، ومصطلحات أخرى كانت ولا تزال تستعمل مثل الهزلوالسخرية والتهكم والازدراء والغمز وغيرها. (انظر: خالد، ص22)
بات هذا المصطلح اليوم أكثر اتساعا من كل هذه التسميات، بحيث يصعب وضع تعريف جامع واحد يحيط بكل جوانبه. (للمزيد من التوسع انظر: موسوعة المصطلح النقدي، ص9-267، سليمان، ص14-39) وهو مصطلح فضفاض لا يثبت على حال، ومثار نقاش بفضل أهميته واتساع حيز استعماله في مجالات عدة،يتبدل وفق المكان والزمان، “صحيح أنه قد يحدث في بعض الأحوال أن من تسأله يجيبك بتعريف يقول: “المفارقة أن تقول شيئا وتقصد العكس”، […] ولكنك قد تسأل صاحبك إن كان لا يدخل في باب المفارقة مشهد نشال محترف تُنشل نقوده أثناء قيامه آمنا بعمله المعتاد”. (ميويك، موسوعة المصطلح النقدي، ص18-19)
إن المفارقة اليوم حالة فنية وأدبية محلِّقة تحتاج إلى دراسات تواكب تطوراتها وتحولاتها، وإني لأعتقد أن المبدع الحقيقي قادر على أن يطوّرهاوأن يضيف إليها من عنده، بما يتناسب مع بيئته وشخصيته،وقد لجأ إليها خوري لاستجابتها مع القضايا والمواضيع التي طرحها لتسعفه في إنجاز الفكرة في أقل الكلمات، ولتصيب الهدف بطريقة غير مباشرة.
كتب الجاحظ بعض مؤلّفاته، بالذات كتابه الشهير “البخلاء”،موظفا أساليب فنية عدة كالمبالغة واعتماد غريب اللغة، وهكذا فعل أحمد فارس الشدياق (1804-1887) في كتابه الشهير “الساق على الساق”، وكان أحد أهداف الجاحظ والشدياق النيل من الخصم وتعريته، والتهكم عليه والاستهزاء منه.يتعمّد جريس خوري من خلال مفارقاته،التي وظّفها في قصصه القصيرة جدا،مجافاة الهزل والتندّر وإضحاك القارئ، وينحو باتجاهالمفارقة الساخرة،الجارحة واللاذعة، عكس ما فعل في مقاماته حيث ينحو فيها أكثر باتجاه الهزل والدعابة، دون إنكار الجوانب الأخرى كما سنبين لاحقا.
كتابة جريس نعيم/مريمخوري، بشكل عام، غاضبة وعاتبة أيضا؛ هي عاتبة لأنها تصدر عن محبة، كما يصرِّح في الإهداء الذي يتصدّر الكتاب: “لو كان بيدي لأهديت نفسي للوجود، مقابل أن ينقلب نشازنا موسيقى ملائكية تتصاعد صلاة فتعانق طيور الحلم” (إهداء، ص9). وهو يقومبمراقبة هذا الواقع ومتابعته؛ يشاهد،ويدقّق في المشاهدة والتمحيص، ويحلل ما يدور من حوله بعيدا وقريبا، فوجد أنّ الواقع الذي تعيشه البشرية مناقضٌ جدا للتعاليم الأخلاقية بحيث أمستْ قواعد الحياة اليومية مناقضة لكل هذه التعاليم، وكأني به يتّفق في رؤيته مع ما قاله جبران خليل جبران في المواكب:
والعدل في الأرض يُبكي الجن لو سمعوا به ويستضحك الأموات لو نظروا
فقد وجد بعد معاينة الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والديني والأخلاقيّأنّ المنطق يسير مقلوبا،أعلاه سافله وسافله أعلاه؛ القوي، لا يأكل حق الضعيفحين يعتدي عليه بقدر ما “يسترجع حقه”، والقاتل لا يقتل إذما ذبح إنسانا آخر كما تُذبح الخرافُ يوم العيد كي يتحققَ من أنّ دمه ليس أزرق:”بعد أن ضبطه مختلفا، حاوره بمنطق مقنع تماما: بما أن الدم لا ينبت على الشجر، وطالما أنه لا يظهر على قُشَعْرِيرة جسدٍ، وما دام لا يطفو على الجلد؛ فلا بد أن أذبحك كي أتأكد أن لونه ليس أزرق”. (قصة بعنوان “دمك أزرق”، ص14)
يدعونا جريس خوري لمعاينة الواقع المشوّه على ما هو عليه، دون أن نبحث عنه في كتب العجائب ولا في قصص السحرةولا في حكاياتهم، ولا في أساطير القدامى لأنه جزء من الأخلاقيات، ومنهج حياة كثيرين؛ ذاك يذبح أخته، وهذا يقتل أخاه، وآخر يجز الرقاب بحجة تنفيذ تعاليم الكتب المقدسة، وحاكم يجرّ إخوته إلى المِقْصلة، وفقْرٌ يهدّد البشرية بالموت جوعا فيلجأ بعضهم إلى بيع كليته الثانية بعد أن باع الأولى: “باع إحدى كليتيه ليعيش بواحدة وعشرة آلاف دينار. بعد أن أنفق ماله، لامه صديق: “بعت كليتك لتعيش نصف عمرك بسعرها! كيف ستعيش النصف الآخر؟” قهقه وهو يشير إلى خاصرته: لا تقلق سأبيع الكلية الأخرى! (قصة بعنوان “كرامة للشراء، أعضاء للبيع”،ص 15)
يقول جميع من عملوا على تحديد مفهوم المفارقة بأنها لا تعني اليوم ما كانت تعنيه بالأمس، وبالتالي فإن المفارقة تتغيّر وتتبدّل وتختلف من شعب إلى آخر بحيث يمكن أن ندّعي أن مثل هذه المفارقة الصادمة لا تصلح إلا للعربي المُهمَّش الضائع الذي جعلته ظروفه الحياتية الاقتصادية يلجأ إلى بيع أعضاء جسمه لمتابعة الحياة.تُبنى المفارقة في هذه القصة على خلق حالة من التضاد والتصادم بين الواقعوالمنطق المتمثل في بيع الكليتين، فتتولد حالة من الدهشة والصدمة خدمةً لواقع صعب. كنت أتمنى على الكاتب لواختار عنوانا آخر أكثر ترميزا وشمولية إذ “يجب أن يكون الفن والأدب المتميِّز بالمفارقة مشتملا على السطح والعمق، الغشاوة والصفاء، كما يجب أن يستحوذ على انتباهنا على مستوى الشكل إذ يوجهنا نحو مستوى المحتوى”. (ميويك، ص14) فالعنوان هنا أقل عمقا من الحدث ذاته ومن الفكرة الفريدة الصادمة في غرابتها، وكنت أتمنى لو اختار كلمة واحدة عنوانا لا أكثر تماشيا مع التكثيف والترميز.
للقارئ أن يغضب ويعتب ويثور ويهيج وأن يشتم، لكن بأدب، لأن خوري يربأ بنفسه عن هذا الأسلوب مكتفيا بمضامين تجعل من الحمار بطلا، ومن الجحش مفكرا كبيرا، ومن النمر تابعا، ومن التيس قائدا لأمة تخضع له وتصلي كي تدوم “نِعَمه” عليها.لكن، وللحق نقول، إن شخصية الحمار في قصص جريس خوري لها معالم حداثية، تحمل مواصفات قائد اجتماعيّ وسياسيّيتبوّأ مركز رئيس مجلس، أو وزير، وقد يتطور أكثر ليكون رئيس دولة له أتباع وعيون وعسس ومصفقون معجبون. (انظر: مدينة الدون كيشوت، ص33-34) ومع ذلك فإن حماره، الذي يتقاطع مع بعض مواصفات حمار توفيق الحكيم (1898-1987)،لا يحمل مواصفات ثابته، فقد يكون ضحية للظلم والظالمين وللمتجبّرين الذين اعتادوا على تسيير المخلوقات بالحديد والنار.
المفارقة عند جريس خوري لها مقاصد عدة فهي تنطلق من البيئة الضيقة وتتسع أكثر لتصل إلى البيئة الإقليمية وتتشظى لتصيب البيئة الدولية عامة، وهي لديه تتكئ على الدفاع والهجوم للتشفي والتفريغ عن الذات، ولا يمكن حصرها في التعريفات المقولبة ولا في قول كلمة ما نقصد عكسها،بل هي كل ذلك وأوسع، مما يؤكد على ضرورة إجراء دراسة واسعة تتناول المفارقة في كتاباته.
إن كتابةخوري بشكل عام، وفي كل الأجناس الأدبية، ساخرةٌ غاضبة ونارية، ما يذكرنا بقصص زكريا تامر (1931-) وبسخريتِه وغضبِه، وبأشعار كلٍّ من مظفر النواب (1934-2022) وأحمد مطر (1954-) العراقيين. فما يجمع ما بين هؤلاء الأدباء، جميعا، مشاعر الألم إثر تكرار خيبات الأمل. لتامر والنواب ومطر مواقف واضحة من الأنظمة العربية فهجروا أوطانهم وعاشوا في الغربة، أما جريس خوري فيعيش في ظروف أخرى مغايرة جعلت المفارقة لديه صورةًومرآة تعكس واقعه هو وبيئته الاجتماعية والسياسية بما فيها من تشابه واختلاف.
يقول الناقد الأرجنتيني إنريكي أندرسون أمبرت (1910-2000) اعتمادا على تجربته في كتابة القصة والرواية: “تتمثل المتعة الجمالية في شعورنا بالحرية عندما نعبّر عن أنفسنا” (أمبرت، ص،8) وقد يقول غيره ما يشبه مثل هذا الرأي، وقد يضيف أكثر من ذلك. إننا نرى أن خوري يكتب كي يتخلّص من الهموم التي ترافقه وتنغّص عليه حياته، والكتابة ليست عامل تفريغ، فحسب، بل هي أيضا عامل حثّ وتحفيز واستثارة.
الفانتازيا: فضح الواقع
لا يمكننا الحديث عن المفارقة في قصص جريس خوري القصيرة دون ربطها المباشر بالفانتازيا، هاتان سمتان بارزتان في كتاب “عزف على نشاز”، تعمل إحداهما في خدمة الأخرى حتى ليبدو أن المفارقة لا تنضج صورتها دون الفانتازيا والعكس صحيح. إننا على يقين أن الكاتب يدرك جيدا أن المفارقة والفانتازيا، معا، تسهمان في خلق عمل أدبي مركّب ومتنافر، يطيح بالمباشرة والخطابية.
لسنا بحاجة إلى التذكير بأن أي عمل فنيّ أو أدبيّ مبني على التخييل، ولكننا نذكِّر أيضا بأنّ نسبة التخييل تتفاوت بين مؤلَّف وآخر.فهناك أعمال عمدتها الرئيسيةهي الفانتازيا والعجائبية حين تنسب الأحداث كلها إلى مخلوقات خارقة، أو إلى حيوانات “ناطقة”، على سبيل المثال، أو حين يشترك إنسان وحيوان في تحريك الأحداث وإقامة حوارات بينهما. يجد القارئ أن نسبة التخييل في القصص القصيرة جدا التي يتضمنها هذا الكتاب أكبر بكثير من نسبة الواقع، كما يرى أن للحيوان دورا مهما، وأن الحوارات، على اختلافها، يأخذ فيهاالحمار دورا بارزا. وقد نسب إليه خوري أكثر من موقف وأكثر من دور، مستغلا ما يحمله هذا المخلوق من مكانة خاصة في حياة العربيّ، سيما وأنه يحمل أكثر من إشارة وأكثر من دلالة، فقد يشير إلى السذاجة أو الغباء، أو القدرة على الصبر وعلى تحمّل الظلم من البشر.
يعمد الكاتب إلى توظيف الخرافات سيرا على الموروث العربي القديم، كما يفعل غيره من كتاب القصة القصيرة جدا، لكن هذهالخرافات لا تشاكل الخرافات المعهودة التي قرأناها في كتب التراث، لأنه ينسج من الواقع واقعا عمدته خرافة لا جذور لها إلا فيما يراه في الواقع الذي يعيش فيه، بحيث تبدو الفانتازيا جزءا من عالم البشر، فمظاهر الفساد، على اختلافها، بلغت حدا لا يقوى العقل البشري السويّ على استيعابها وإدراكها.
إن دوافع توظيف الفانتازيا والغرائبية والعجائبية متعددة، ولا تتسع هذه المقالة للخوض في هذا الموضوع الشائك والشائق، ولا لفتح النقاش حول الفرق بين الفانتازيا والعجائبية والغرائبية، أو الإشارة إلى مدى التشابه بينها، وقد قمت بذلك أكثر من مرة. (انظر: كامل، “الكتابة بين الفعل ورد الفعل، أنف ليلى مراد أنموذجا”)
يدرك جريس خوري، كما أدرك غيره من كتاب القصة القصيرة جدا، أن هذا الجنس الأدبي يستلزم التكثيف ويستدعي الإدهاش، فالرواية تتسع لتوظيف عدة محفّزات وتقنيّات ووسائل بفضل سعة عوالمها، أما القصة القصيرة جدا فعليها أن تلجأ إلى محفّزات صادمة ومدهشة تغني النص وتدهش القارئ من خلال مجاورة المنطق واللامنطق، نظرا لضيق حيّزها، لذلك فقد لجأ كتابها إلى الفانتازيا مدعومة بالمفارقة، “إن كل كتابة فنية هي محصلة عملية التخييل (fiction)، حتى وإن متحت مواضيعها من الواقع، ثم إن هناك تفاوتا كبيرا جدا بين عمل وآخر في درجة توظيف التخييل، وقد حقق منسوبا عاليا جدا في الرصيد الأدبي العربي القديم، في ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وحي بن يقظان، ورسالة الغفران، والتوابع والزوابع…. وقد لقيت العجائبية والغرائبية اهتماما لدى بعض المنظرين، وربما أشهرهم تزفيتان تودوروف في كتابه “مدخل إلى عالم العجائبية”. (كامل، ص15)
إن الفانتازيا لدى خوري فيها من الحدّة والقسوة ما يخلق صورا منفّرة ومرعبة، وأحيانا مُحبطة: “قرر أن يحدث تغييرا في الماء الراكد الذي يحتسيه كلَّ جمود. أفرز من عباءته القرشية مطرقة جليديّة، ضرب بها وجه الصحراء. انشقّت من الوسط، قرأ في كثبانها دماء وجماجم، غزوات، غنائم، سبايا، طفولة تغتصب… رمحا في صدر كليب، سهاما في نحر الأدهم، ردة، حروبا، ذبحا، اغتصابا…
كسر مطرقته وغار في جليد يومه…
“إن النوم أنشط ما نقوم به حين نفقد وجوهنا” قال ونام!”. (قصة “بلا وجوه”، ص22)
هذه هي “الواقعية الجديدة” التي يكتب فيها جريس خوري، وهو يكتب من خلالها ليؤلم ويوجع ويخز بإبَره جسدَ الفكر العربي لعله يستفيق من سباته، ويغرز بكلماته ضمير البشرية الميّت على أمل أن يصحو. إذيبدو جليا للقارئ،منذ العنوان، أن خوري يسعى إلى فضح الواقع المهين بما فيه من مرارة، وكشف الفساد المستشري منذ سنين طويلة، ووجد أن المفارقة والفانتازيا معا أداتا ترميز وتكثيف لا تقوم القصة القصيرة جدا بدونهما، وقد أدرك جيدا هذه السمة (التكثيف) التي تتجلى بوضوح في القصة أعلاه حيث نرى أن التعابير والكلمات لها حمولات عدة تأخذ القارئ إلى عالم اليوم وعالم الأمس مما يغني النص ويثريه.
العنوان، المتن والخاتمة – الترابط والتضاد
للعنوان دور مهم جدا في عملية التلقّي أو الاستجابة، فهو يتصدّر غلاف الكتاب الذي يلتقي به القارئ مباشرة، قبل أن ينتقل إلى بقية عتبات النص. يتحاور معه حوارا صامتا، دون كلام، قبل قراءة محتويات الكتاب. ثم يتجدّد الحوار ويتكرر أثناء عملية القراءة، وفق تبدل النصوص ومضامينها، فيقف القارئ عند تماهي النص مع العنوان أو تناقضهما وتضادهما. ثم تأتي المرحلة الأخيرة مرحلة وضوح الرؤية بعد انتهاء المتلقي من عملية القراءة وإغلاق الصفحة الأخيرة من الكتاب (مرحلة الكلام)، ليرى إلى ما يجمع النص بهذا العنوان، وإلى دوافع اختياره دون سواه.
العزف كلمة مفتاحية لهذا الكتاب، تحمل معنى إيجابيا جذّابا في المفهوم المباشر، تُطرب الروح وتُحرّك المشاعر وتثير شجن المتلقي. وتوحي بالفرح والمسرّة. والعزف على آلة موسيقية يعني اللعبَ بها وإصدارَ لحن موسيقيّ. واللحن الموسيقي لغةٌ تُخاطِب الروحَ والوجدان وتثير الخيال وتستفزّه وتحثّه على التفكير وعلى الخلق والإبداع، لكن الكاتب يخالف “أفق التوقعات” المألوفة التي تجعل المتلقي ينتظر هذا “العزف” الموسيقي المطرب فإذا به “عزف على نشاز”. وكي لا يذهب القارئ بعيدا في محاولاته التأويلية فإنّ الكاتب يدهمه مستهلّا كتابه بقصة تحمل عنوان “حاحا هيش هيش”، تماشيا مع العنوان وتأكيدا عليه.
يقول عبدالله الغذامي (الغذامي ص58) إنّ آخر ما يقوم به المبدع بعد الانتهاء من عملية الكتابة هو البحث عن عنوان، ويرى أنّ هذه العملية في غاية الصعوبة، وتستغرق وقتا حتى يستقرّ المبدع عند قراره الأخير، وتستنفد طاقة فكرية من الروح والجسد كي يكون العنوان جذابا وموازيا للنص، كما يقول جيرار جينيت. إننا نكاد نجزم على أنّ جريس خوري قد اختار العنوان مسبّقا، أو لنقل إنّه قام بتحديد المسار قبل أن يخطّ أيّ حرف، وأنه قد أمسك بالفكرة، قبل عملية البدء بالكتابة، تقوده رؤية غاضبة ساخطة مما آلت إليه أحوال مجتمعه وشعبه، ومما يدور في كل أنحاء المعمورة، بعد أن تحوّلت إلى “قرية صغيرة” يلمّ المرء بأخبارها خلال دقائق معدودات.
العنوان مفاجئ وصادم لأنه مبني على المفارقة على مستوى تجاور الألفاظ فيه، وعلى مستوى التضاد بين مفهوم العزف وإيحاءاته ومضامين القصص كلها دون استثناء، بل إن القارئ يكاد لا يعثر على أية قطعة في الكتاب كلِّه تخلو من “نشاز” وفق فهم الكاتب. فما جاء به مغاير للمنطق ولما يجب أن تكون عليها الحياة. وبالتالي فإن نشاز جاءت لتستبدل أوتار الآلة الموسيقية التي من شأنها أن تبعث لحنا شجيّا، فإذا العزف موجع ومؤلم. هذا النشاز المقروء تحوّل من صامت إلى صائت يصل صدى عزفه إلى البعيد، وبات “فضيحة بجلاجل”، كما يقول إخوتنا المصريون، وصرخة عالية يسمعها البعيد كما القريب.
لا يقتصر “النشاز” على عنوان الكتاب فحسب، فقد وجدنا أن الكاتب يواجه القارئ، في قصصه القصيرة جدا، مواجهة مباشرة عبر عناوين صادمة وغير متوقَّعة، وهي من حيث المضامين تبعث برسائل متشابهة في حمولتها “السلبية”. فقد يكون العنوان باللغة العامية، أو بلغة قريبة منها، أو مفاجئا في لفظه وإيحائه المباشر الصادم مثل: “حاحا هيش هيش”، “شقلبة” و”ديمقراطية الجحوش”. وقد يكون عنوانا مراوغا مثل “ذيول”، و”بلا وجوه”، أو منحوتا من كلمتين مثل “حيوسان” الذي يجعل من الحيوان إنسانا ومن الإنسان حيوانا، بناء على مضمون هذه القصة بالذات، وعلى ما جاء في قصص أخرى من نفس المجموعة. وهكذا فعل في “المقامات” التي نعتبر مجرد التفكير بكتابتها عاملا مفاجئا ومدهشا في آن معا، مثل “المقامة الكندرية” و”المقامة القفوية”، كما سنبين لاحقا.
“عزف على نشاز” عنوان مراوغ يحقق مأربه في الإثارة وفي الحث على البحث عن دوافع اختياره، على صعيد التضاد المنبثق من الألفاظ، وعلى صعيد التضاد المعنوي عامة. هذا ما يوحي به قبل القراءة، أما بعدها فإن المتلقي سيقف على دوافع هذه التسمية وعلى الكم الهائل من النشاز في حياة البشر اليومية داخل بيئة الكاتب، دون استثناء ما يحدث على صعيد الصراعات الدولية.
يلاحظ القارئ أن هناك علاقة قوية جدا بين العنوان الرئيس وعناوين القصص، فواتحها، متونها وخواتيمها، وأنها تعمل كلها معا على الإدهاش وإحداث زعزعة في أحاسيس القارئ ومشاعره، هذا الترابط يخدم المفارقة التي تقوم عليها القصة القصيرة جدا. وبالرغم من أن مثل هذه القصص لا تستغرق قراءتها إلا ثواني معدودات قد لا تتعدى الدقيقة إلا أن الربط الوثيق بين العنوان والخاتمة في توهجها مثير جدا، مربك ومحفّز على التفكير.
المقامة و”أفق التوقعات”
يعتبر بعض منظري التأويلية “أفق التوقعات” العامل الأهم في كل محاور التلقي والتأويل. فالقارئ حين يُقبِل على قراءة نص أدبي يبني توقعاته على ما يعرف عن أصول الجانر الأدبي الذي ينتمي إليه النص، سواء كان قصة قصيرة، رواية، مسرحية، شعرا، أو خاطرة وغيرَها. لهذا القارئ خبرة سابقة في التعامل مع النصوص الأدبية، ولديه معرفة ودراية بها، ويتحلى بقدرات في مجالات متعددة تساعده على المقارنة بين هذا المنتج الجديد وما سبقه من إنتاجات، وقياس مدى تشابهه او اختلافه معها، والوقوف عند اللغة الشاعرية التي وظّفها الأديب في مستوياتها المختلفة والهدف من ذلك.
يمكننا القول إن المفاجأة الكبرى في “عزف على نشاز” هي كتابة المقامة، الجنس الأدبي الأكثر كلاسيكية وقدما من بين الأجناس الأدبية الأخرى في هذا الكتاب. تعود بنا المقامات قرونا إلى الوراء، وبالذات إلى بديع الزمان الهمذاني (توفي سنة 398 ه، 1008 م) وأبي محمد القاسم الحريري (توفي سنة 516 ه، 1122 م). لهذا الجنس الأدبي قواعد وأصول في الشكل والمبنى والمضمون، ترتبط بفكر المتلقي بماضٍ بعيد، فكيف بنى خوري مقاماته؟ ما قديمها وما جديدها؟
يجد القارئ الكثير من المشترك بين مقامات خوري وما سبقها،بالذات في الشكل، وفي اعتماد الكاتب على المحسنات اللفظية والمعنوية، وفي بناء مقامة تتوفر فيها العناصر المألوفة؛ الحبكة، المكان، الزمان والراوي الذي يسرد الأحداث منذ البداية حتى النهاية بأسلوب شائق جدا، ولكنها لا تعتمد على “الكدية” التي ألفناها في جنس المقامة، كما أن المواضيع المطروحة تتوافق مع الحاضر وتتماشى مع همومه ومشاغله. وبالتالي فإن اللغة حديثة وقريبة من قارئ اليوم، وتشهد على قدرة كاتبها على التنويع والتلوين والخوض في مواضيع متعددة بهدف النقد الاجتماعي والسياسي، وتسلية القارئ للترويح عن النفس.
كتب جريس خوري أربع مقامات، فكان مجرد خوضه فيها كسرا للمألوف وخطوة غير متوقعة من شاعر وباحث وأكاديمي، فضلا عن اختفاء هذا الجنس الأدبي عن ساحة الأدب الحديث والمعاصر. وقد اتبع فيها، منذ العنوان، (الكندرية، القفوية) أسلوب التهكم والتندّر والسخرية.تشهد هذه المقامات على سعة معلوماته، إذ يغنيها بالتناص والدلالات والإيحاءات، ويأخذ القارئ إلى الكتب المقدسة؛ إلى القرآن الكريم “… وتتعس الإحساسْ، وتستحضر الوسواس الخناسْ” (ص68) وإلى كتاب “العهد الجديد”: إلهي نجّني من العذاب!”، (ص62) إشارة إلى استنجاد السيد المسيح أثناء صلبه وقد استعان بالله صارخا “إلهي إلهي لما شبقتني (تركتني)، وفيه تناصات مع الأدب العربي الكلاسيكي والحديث.
وهو يعمل على الدمج بين أكثر من مستوى لغوي، فتتجاور اللغة الفصيحة والمحكية لإضفاء جو من التندّر والفكاهة والتهكّم: “ورمى الكندرة على المقاعد من الخلفْ (خلف السيارة)، ثم مسح بأصبعه الأنفْ، وطرق الباب بقوّة واحتقانْ، فرفعت كفّي ورأسي للحنّانْ: “كنّا بكندره خربانه وجرابْ، والآن الرجل قد أتلف البابْ! إلهي نجّني من العذاب!” وقبل أن يقطع الشارع ويرحلْ، قلت له: استنى شويّ، تمهّلْ؛ بحبشت في جراب السياره، فوجدت خضراء ازدانت نضاره! عشرين شاقلا أهون وأيسرْ، أخذها جافياً ثم تيسّر…” (ص62)
في الفقرة أعلاه تقاطع مع ما ألفناه في جنس المقامة في أكثر من جانب، فهناك المحسنات اللفظية والمعنوية، وهناك الحوار بين “الراوي” و”البطل” الذي يسفر عن تحقيق البطل مأربه في كسب بعض المال، وإن كانت حال “الكندرجي” مغايرة لحال “المكدّي”، فالأول لا يرغب بأكثر من حقّه لكنه متعجّل سريع الغضب، والثاني يعمد إلى فصاحة اللسان في تبرير حيلته فينال ما يرغب بفضل خفة ظله وطلاقة لسانه.
تتعدد المستويات اللغوية لدى خوري لتُحقّق مقامتُه مبتغاها في توصيف الحال، فيقوم أحيانا بتوظيف بعض الألفاظ التي دخلت كلّ بيت بفعل التكنولوجيا ووسائله: “معَكَ حقٌّ هاي شباب التشاتْ، والفيسبوك والتويتر والآيقوناتْ، بس محسوبك عبيتي الكمبيوتر ما بفوتْ! سيبك يا زلمه من خراب البِيوتْ…”. (ص70)وهو يعمل على تحوير الأمثلة العامية وتفصيحها “وقد علمت أن الجنة بغير ناس لا تداس” (ص68)، و”على المجانين رزق الشطار”. (ص،69)وعلى تفصيح العامية ممزوجة باللغة المحكية كي يكتمل جو الفكاهة والدعابة والمرح: “تفضّل حبيبنا شرّفتَ الدارْ، وهلّتْ علينا الأنوارْ، وين هالغيبة يا بن الحلال؟!”. (ص، 69)
تتقاطع بعض الجمل والتعابير في مقامات خوري بالنثر العربي القديم، ما يعيدنا، على سبيل المثال إلى خطبة قس بن ساعدة الإيادي وقوله المأثور: “من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت”، لتصبح عند خوري “وجئت أتسلّى بذكرى ما قدْ فاتْ، وأتحلّى بذكر ما هو آتْ..”. (ص،70)
كتب جريس خوري وفق هواه، وكأني به يعلن بأعلى الصوت أنا لا أكتب كي أجنّد القراء، ولا تعنيني تلك القوانين المعلّبة التي تملي علينا قيودَها. وهو العالم أن هذا النوع الأدبي له أصوله وإشكالياته التي قد تقف حائلا دون قراءاليوم. لكن ذلك لم يثنه عن عزمه في خوض غمار هذه المغامرة محافظا على الشكل المألوف يسعفه في ذلك تجربته الشعرية ومعجمه الأدبي الغني وتوظيفه للتهكم والسخرية والمفارقات بشتى صورها وأشكالها.
لا يخلو مثل هذا العمل من الحشو للحفاظ على التجنيس اللفظي والنبرة الموسيقية، ولكن نسبته قليلة جدا لا يهتدي إليه إلا من يبذل جهدا كبيرا في التمحيص والدراسة الدقيقة، فسلاسة اللغة وغناها وعنصر التشويق وأسلوب التندّر كلها معا تأخذ القارئ باتجاه لذة النص والتمتع به.أما “المسافة الجمالية” التي تعني وفق ما يراه ياوس “المسافة الفاصلة بين الانتظار الموجود سلفا والعمل الجديد” (أحمد بو حسن، ص30) والتي عني به كثيرون من بعده فهي تتجلّى في قدرة القارئ وثقافته، فتتفاوت ما بين “القارئ العادي”، و”القارئ العارف” و”القارئ النموذجي”.إننا نرى أنّ مجرد الخوض في التجربة هو بحد ذاته كسر لأفق التوقعات، أما المواضيع فهي خفيفة الظلّ قادرة على مخاطبة القراء على اختلاف مستوياتهم وأذواقهم. فالترميز في المقامات الأربع شفاف وقريب من إدراك كل المتلقين، لكن القارئ العارف سيجد فيها من معالم الجمال ما يخفى على العادي، وبالتالي فإن القارئ النموذجي قادر أيضا على أن يشير إلى مواقع التقليد والتجديد وإلى تحليل المستويات اللغوية.
لا يلجأ جريس خوري إلى هذا الجنس الأدبي من أجل التندر والفكاهة فقط، بل إنه يوظف السخرية في سبيل نقد الفكر الاجتماعي والسياسي والأدبي وما وصل إليه من سفول وانحطاط.
خلاصة
تحمل القصة القصيرة جدا في كتاب “عزف على نشاز” رسالة غاضبة ساخطة على الواقع المحلي والعالمي، ينطلق فيها الكاتب من البيئة القريبة ومن الإطار الضيق ليصل إلى أطر أكبر وأوسع. يعاين، يراقب ويصوب سهامه في أكثر من اتجاه اجتماعي وسياسي. إنهاكتابة تحريضية بامتياز،تحمل خلاصة بصيرة الكاتب جريس خوري في رؤية الحياة، فإذا بها صورة قاتمة؛ قتل، احتلال، انتهاك حقوق، غدر، خيانة، كذب، تزييف،رياء، حياة بشعة وظلّام يبثون الشر والفساد.
يعالج الكاتب هذه القضايا الحارقة والمقلقة عبر كلام قليل مكثّف ومدعّم بالفانتازيا والعجائبية والغرائبية، تسهم كلها في الترميز، وتفتح باب التأويل على أكثر من رؤية وأكثر من رأي. من هذه القصص ما يشبه الومضة التي تعتمد على سرد مختزل إلى بضع كلمات أو بضعة أسطر، ومنها ما يتسع لشخصية أو أكثر، وفيها ما يتسع لبعض الحوار على أشكاله، معتمدا التلميح.
لا يكتب جريس خوري للقارئ العادي، بقدر ما يكتب للقارئ المتمرس الذي يقوم بالتأويل حتى يكون حلقة الوصل بين النص والقارئ، ولا تتكشّف قصصه إلا بعد كد وتعب، مع تفاوت في نسبة التظليل والتضليل والترميز. تتحقق لذة القارئ بعد التعمق في النص واكتشاف جمالياته، فيعثرُ على رصيد غنيّ من الثقافة العربية،القديم منها والحديث، ومن الكتب المقدسة، ومن الثقافة العالمية. تتوهج هذه النصوص حين تُطعّم بالمفارقات على اختلاف صورها، تخدمها لغة غنية متنوعة بأشكالها ومستويات تركيبها. وفيها من الجاحظ بعضُ سخريته، ومن ألف ليلة وليلة بعض خيالها، ومن كليلة ودمنة بعض ملامح أبطالها، ومن العجائبية والغرائبية العربية الكلاسيكية رموزها وإشاراتها.
لم يلجأ الكاتب في قصصه القصيرة إلى تصوير الواقع كما هو على حقيقته، ولم يستلهم موادّ إبداعه من حدث معين، بل ذهب نحو الشمولية يأخذ من الواقع الفكرة لا الصورة العينية، ويأخذ من الأحداث ما تبثه من أحاسيس لا ما نراه رؤيا العين،فالرائحة نشمها ولا نراها.
يتجرأ جريس خوري على خوض مغامرة مفاجئة حين كتب ونشر في هذا الكتاب أربع مقامات. فهذا النوع الأدبي قد أفل نجمه منذ قرون طويلة، ولم يحفظ لنا التاريخ سوى بضعة أسماء تجرأت على ممارسته. للمقامة أصول معقدة تجعل مهمة خوض هذه التجربة شبه مستحيلة في أيامنا اليوم، يحتاج كاتبها إلى مهارات متعددة لا يقدر عليها إلا من يجمعون بين الثراء اللغوي والقدرة على التحكم بالسرد المشوّق الثريّالمطعّم بالبلاغة والمحسّنات اللفظية والمعنوية، يدرك خوري أنه يخوض غمار تجربة صعبة، ليس سهلا على متلقي اليوم أن يقاربها أو يقرأها أو يتمتع بها، فعمد إلى لغة حديثة ومضامين حديثة قادرة على مخاطبة المتلقين اليوم.
يتحدث أحد المنظرين عن الشرارة التي تتولد بين القارئ والنص، ويعتبر أن هذه الشرارة هي المحفز الأهم في عملية القراءة وإلا انقطع التواصل بينهما. ورغم أني، كقارئ، أرى نفسي بعيدا عن بعض الأفكار التي يطرحها الأديب جريس خوري،لكني، أصاب بالذهول من طريقة عرضه للفكرة، ومن تلخيص رؤيته العميقة في بضع كلمات، ومن جمع أرذال البشرية في كف يد واحدة، وفي قصة من بضع كلمات.
المراجع
إلياس، جاسم خلف. شعرية القصة القصيرة جدا. دمشق: دار نينوى، 2010.
إمبرت، إنريكي أندرسون. القصة القصيرة- النظرية والتقنية. ترجمة علي إبراهيم علي منوفي. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000.
أومبرتو، إيكو. التأويل بين السميائيات والتفكيكية. ترجمة سعيد بنكراد. ط2. الدار البيضاء، بيروت: المركز الثقافي العربي، 2004.
أومبرتو، إيكو. القارئ في الحكاية. ترجمة أنطوان أبو زيد. الدار البيضاء، بيروت: المركز الثقافي العربي، 1996.
بارت، رولان. لذة النص. ترجمة منذر عياشي. حلب: مركز الإنماء الحضاري، 1992.
بوث، وين. بلاغة الفن القصصي. ترجمة أحمد خليل عردات، وعليّ بن أحمد الغامدي. الرياض: جامعة الملك سعود، 1994.
بو حسن، أحمد. “نظرية التلقي والنقد الأدبي العربي الجديد”. كتاب نظرية التلقي- إشكالات وتطبيقات. مجموعة من الباحثين. الرباط: كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 1993.
حطيني، يوسف. دراسات في القصة القصيرة جدا. الرباط: مطابع الرباط،2014.
سليمان، خالد. المفارقة والأدب- دراسات في النظرية والتطيق. عمان: دار الشروق للنشر والتوزيع، 1999.
طه، إبراهيم. “الأقصوصة القصيرة في الأدب العربي الحديث- مقاربة تاريخية”. الكرمل، ع 23-24، 2002-2003، ص167-192.
الغذامي، عبدالله. ثقافة الأسئلة. ط2. الكويت: دار سعاد الصباح، 1993.
كامل، رياض. “الكتابة بين الفعل ورد الفعل، “أنف ليلى مراد” نموذجا”. شذى الكرمل، ع4، كانون الأول 2022.
المناصرة، حسين. القصة القصيرة جدا- رؤى وجماليات. إربد: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع، 2015.
ميويك، د. سي. “المفارقة”. موسوعة المصطلح النقدي. ترجمة عد الواحد لؤلؤة. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1993.