أدب

الليلة الأولى تعالج قضايا اجتماعية هامّة

بقلم: إسراء عبوشي

الليلة الأولى هو عنوان الجزء الأول من الرواية الجديدة الصادرة بداية هذا العام 2023 عن مكتبة كل شيء في حيفا للأديب المقدسيّ جميل السلحوت، وتقع في 190 صفحة من الحجم المتوسط.

مع أن أسم الرواية الليلة الأولى، لكنها هي الليلة الأخيرة قبل الطوفان،  من المفروض أنها كانت باكورة الليالي الحالمات، لولا تلك العقدة التي أدارت الصراع في الرواية عندما فشل الزوج، فكانت ليلة مخيّبة للآمال فتحت أبواب الجحيم، وطرقت أبواب العرَّافين و المشعوذين؛ لتظهر هزالة العقول، وتضع شخصيات الرواية خاصة النساء في مواجهة مريرة مع الأوهام التي تغيّب العقول، يقع المحظور وتتهافت الأحداث في حلقة متماسكة وحبكة متينة، يأسر الكاتب القارئ في سلاسة انتقاله بين أحداث الرواية وتلقائية الشخصيات، وكم تشبه الواقع.

ورغم أن الرواية تنتهي بلا حل لغز الليلة الأولى، إذا يقول موسى:” لم استطع معاشرة ليلى لأسباب لا أعرفها”،والرواية تفتح نيرانها على الأفكار المتخلفة التي تُضلل الحقيقة، وتهدم البيوت.

لا يترك الأديب جميل السلحوت بطلات روايته يغرقن في ضعفهن كما يريد المجتمع لهن، بل يجبرهن على خوض حرب لتظهر قوتهن، فظهرت ليلى فتاة صاحبة فكر حرّ وعقلية متفتحة لا ترضخ للخرافات، ولا تتحكم فيها العقلية الرجعية الجاهلة، تحملت المسؤولية وكانت المبادرة لحل مشكلتها، بقدر ما يُصعب المجتمع الحياة على الأنثى ويضيق خياراتها، تجدها تتحمل المسؤولية وتواجه ضعف المجتمع بإصرار وثبات، ضمنيا ظهرت ليلى ضحية للمجتمع- رغم محاولاتها للتقرب من زوجها وإغرائه؛ ليتجاوز عقدة الليلة الأولى-، فقد صمتت كي لا يفضح أمرها الذي ليس لها يد به أبدا، ومع ذلك يحملها المجتمع كامل المسؤولية على فشل ليلتها الأولى، فما زالت المرأة عورة وعار على مجتمع يحكم قبضة الذكورية.

غالباً النّساء في روايات جميل السلحوت محاربات منتصرات، حتى العرافة المحتالة  مبروكة تتمتع بقدر كبير من الذكاء، وتوظف هذا الذكاء لتسيير العقول المتخلفة وتمويه الحقائق وتغييب الوعي.

 لم تحصر الرّواية الدّجل والشعوذة بامرأة ” مبروكة”، فهناك” أبو ربيع” الذي يستغل ضحاياه أسوأ استغلال، وبأبشع الصّور، فينتهك عفتهن باسم العلاج، وقد تكون مبروكة في رواية السلحوت شخصية أقل فظاظة من أبو ربيع، صحيح أنهااستغلت مسبحتها وآيات القرآن الكريم التي تتمم بها أثناء العلاج، لكنها لم تستغل أحدا من مرضاها كما فعل أبو ربيع مع سعديّة زوجة محجوب عبد السميع وغيرها من النساء.

رغم أن الكاتب أظهر تباينا بين الأجيال في الإيمان بالسحر والشعوذة، إلا أن اعتراف غادة للفتّاح أبو ربيع بتورطها بعلاقة جسدية مع سميح السّلمان على أمل الزواج كان غريبا، فمن الأولى أن تخبر والدتها بما حصل معها.

عدا غادة فالجيل الجديد ” ليلى وعمر” قاوم الأفكار البالية والخرافات المتوارثة، ولم يكتف عمر بتكذيب المشعوذة مبروكة، بل كشف خداعها للعقول،وحمى أخته من تجاربها التي استمرت لمدة عام تقريبا، وقام باسترداد المال الذي أخذته مبروكة باسم علاج ليلى.

في النهاية تُظهر الرّواية بشاعة نظرات الناس التي حاصرت موسى، وأجبرته على الهجرة، وكان ببساطة يمكنه أن يتعالج عند طبيب كما اقترح عليه عمر، ممّا يدل على أن أفكار الناس السلبية تلغي الفكر وتهدم العلم.

أخيرا مبارك للأديب الرائع جميل السلحوت الذي حمل على عاتقه محاربة الأفكار البالية والجهل ونصرةالمرأة، مولوده الأدبي هذا، مع التمنيّات بمزيدٍ من التقدّم والنجاحات.

  ّ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى