التجانس الثقافي ما بين الحداثة وما بعدها في ضوء الرقمية والنقد المستحيل
د. نجاة صادق الجشعمي | مصر – العراق
العنوان قد يبدو صادماً أو قد يكون مجرد تقشير مصطلحات ومفاهيم وتجميل نصٍ معينٍ غالباً ما يكون هذا النص السردي قد فقد الثقة بالقاريء أو العكس. أو قد يكون النص تأثر بمواقع التواصل وما ينشرمن قصص وحوادث وأخبار أو أن المؤلف والكاتب قد يستنبط استراتيجية ثلاثية الأبعاد لنصه السردي لتصبح هذه الاستراتيجية مؤطرة بالتحدي، وأحياناً الانفصال عن الوعي الذاتي والاتصال بروح النص ومرتكزاته من حيث البناء والشخصيات والأنساق الجمالية وإحراج النقاد والباحثين بما يخص دراسة المظاهر الجمالية من حيث القوة والضعف والتميز بين نوعية السرد. أما بالنسبة إلى الناقد الحاضر ذهنياً وفكرياً من أجل السرد وليس السارد فيصنف الناقد النص السردي من حيث المعلوماتية والبناء والثيمات والعلاقة بينها وبين الشخصيات وعلاقة الكاتب بالقاريء والناقد معاً ومدى ما حققه الكاتب وقد يوضح فتون الناقد بالنص السردي لمستوى النقد للنص الذي يستدرك القاريء والناقد بطريقة ذكية بحيث لا يستحي الناقد من القول والتصريح سواء كان ضد أو مع أو حول؛ فالنص الروائي كيان مستقل بعيداً عن العبودية والمجاملة فهو لا تابع ولا خاضع لسيادة وقانون فقط النقد البحثي وفق مسارات معمارية البناء السردي وخريطة هندسية للتحولات الحداثية والتجريبية في إعادة البناء الروائي مما يصل بالنص حد الالتحام والتماهي والتمازج حتى الذوبان وربما أحياناً الابتعاد والافتراق وفك الارتباط بين الناقد والنص السردي وهذا بسبب فشل بعض النقاد في إيصال نظرياتهم الفاشلة أم عدم إنصات الكاتب ورفضه للنقد المعارض أو المضاد؛ لأن الكاتب اعتبر نصه السردي من المقدسات التي لا يمكن المساس بها أو أن النص السردي من المستحيلات أن ينقد سلبًا حسب ما اعتادت المدارس النقدية عند بعض النقاد مبنية على المجاملات، وقد يعتبر الكاتب الناقد قد اجترح مملكة سرده حين يبحث في زوايا نصوصه السردية عن مكامن الضعف وفحص شامل لتلك التجارب الإبداعية حسب مزاجية النقاد والباحثين ليس من حيث الموضوعية والأسس الجمالية للبناء الدرامي، فالناقد ملزم أن يتبنى التنظير المناسب للنص. وأن يجذب انتباه القاريء الباحث والدارس إلى مكامن الجمال وتقنية الكاتب المستخدمة في البناء المعماري والتنسيقي وروابط الأواصر المرتبطة بين الثالوث (الكاتب، القاريء، الناقد) بعقلانية دون التطفل على أي من الخطوط أو الأواصر على حساب الآخر … علماً أنه لايزال الجدل قائماً حول دور المثقف وحدود مفاعل أفكاره على المستويات المتعددة وثمة محاولات لتعريف المثقف على الأنساق الجمالية والرقمية بناء على شكل علاقته بواقعه الاجتماعي وفعاليته في مجال السياسة والفكر ومن المعلوم أن الكاتب قد اعتقد بأن البيئة التي ينشأ فيها المثقف ويمارس في إطارها فعاليته تلقي بظلالها على طبيعة الأفكار والمواقف بمعنى أن كل فئة يهمها تمرير قيمها من خلال من يمثلون أفكارها فالكاتب الرأسمالي على سبيل المثال لا الحصر لا يمكنه غزو العالم الأدبي والفكري والنقدي إلا من خلال تحويل النص السردي إلى متجر كبير لولا وجود بعض المثقفين المهنيين الذين يسبغون شرعية فكرية على هذه النصوص السردية الهادفة إلى تتويج التاريخ بانتصاره على الخصم وهذا الواقع ينسحب على المكونات الاجتماعية المنقسمة على الانتماءات المتنوعة في المجتمع. من الضروري بالنسبة للكاتب الفكر والثقافة أما الناقد الذكي المبدع والمتميز عليه عدم الانخراط في المعترك الاجتماعي والسياسي ولا يخسر المثقف الفكري إلا عندما يختار النص الرمادي من حيث الفكر والجمالية حيال الظواهر المخالفة للمبادئ الإنسانية ويركن الى الصمت أمام حملات الاستخفاف بالقيم تحت غطاء الشعارات الراقة ونحن حين نكتب أو نقول ذلك لا ننكر بأن دور المثقف قد أصبح هشاً على الصعيد الواقعي مقابل تضخم حضوره الشكلي، وذلك لبشاعة موضوعية الإعلام والصورة. وفي هذا الوسط الصاخب بالصراع خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي هنا من المناسب السؤال عن إمكانية هذا النوع من المثقف لتبعية الأفكار المستوردة وكسب المصداقية لآراء وأفكار الكاتب بشأن التعددية والانفتاح والرأسمالية والديمقراطية ولا ننسى العلمانية أيضا أي أن على الكاتب أن يراعي كل المكونات الاجتماعية أو أن تكون أفكاره غالباً مجرد مصطلحات لا تغادر القشرة الخارجية في النص السردي الروائي إلا من أجل المناقشات والنقد الموازي النخبوي المغلق ما بين الكاتب والناقد حصراً ..هذا ما جعل المثقف من هذا النوع قد يتراوح فعلياً على عدد أصابع اليد وهنا يكون القاريء والنص قد سقط في مستنقع المكونات الاجتماعية والرقمية القومية إلا م أن يختبر القاريء المثقف المتميز النص السردي ومطابقته لواقع القاريء البسيط هنا تسقط الأقنعة وربما يتخندق ضد من كان منضوياً معه تحت مظلة النص المبدع أو المتميز؛ لأنه من آخر وبذلك سنكون أمام مشاهد تراجيدية من الواقع إلى الخيال إلى العلم؛ لأن الكاتب المثقف والناقد المفكر بدلاً من أن يدير دفة الأمور ويطلق مبادرات للحوار يقتنع بأن النص الروائي نموذجاً أمام القاريء لواقع يتعايش معه أو أن يكون ملحقاً أو تابعاً لمعتقد ما أعتقد بأن القارئ سوف يتأثر بالنص وسيكون مثقفاً من هذا الطراز الذي نطمح ويطمح الكاتب أن يصل له القراء ..لن يكون مصيره كما حدث مع أكثر النصوص من الضمور والتلاشي لأن الكاتب أصلا لا يتمكن من التنفس خارج بيئته الموشومة بالانتماءات الفرعية ..
قرأت وفهمت [إنك لا تسمع الموتى] ( 52 )سورة الروم [وما أنت بمسمع من في القبور] ( 22 ) من سورة فاطر صدق الله العظيم
الحكاية الرابعة حكاية الروح شاي بالياسمين
ماهي الحداثة ؟ من خلال المعجم يوضح لنا معنى الحداثة لغوياً : تعني حدوث الشيء ، وتعود إلى الفعل (حدث) ونقول حدث الشيء حدوثاً وحداثة، وأحداثه فهو محدث وحديث وكذلك استحداثه ..
أما معنوياً: فالحداثة تعني أن الأمر قد حدث أي وقع وحصل، وأحدث الشيء: أي أوجده ، والحديث هو إيجاد شيء لم يكن، والحديث أو المحدث وهذا ما نؤكد عليه أي المحدث هو الجديد من الأشياء ..(نجيب العوفي، مسألة الحداثة ، كتاب الشهر، سلسلة شراع، 1996 م، ص 14) أما بالنسبة للثقافة فهي مصطلح عام شامل يعبر عن التاريخ والقيم والعادات والتقاليد والفن والأفكار والرموز ذات المغزى التي أنشأها الإنسان لتشكيل السلوك البشري والتصرفات التي تطورت عبر التاريخ بسبب الأنشطة وانتقلت من جيل لآخر ..وتعددت وأصبح للثقافة أنواع أهمها هي: الثقافة العامة المادية : وهي أشياء مادية يصنعها المجتمع ويتميز بها مثل كل بلد يتميز بصناعة ما أو بطعام ما فهذا يعد شئ مادي يرتبط باسم البلد ويشترك به ويمارسه أهل ذلك البلد كجزء مهم في حياتهم اليومية أي أنه لا يباع ولا يشترى لكنه يوحد المجتمع، أما الثقافة العامة غير المادية: هي الأشياء المعنوية غير الملموسة التي تنتجها الثقافة ولا يمكن أن تلمس ولا تشعر ولا يمكن تذوقها أو الاحتفاظ بها مثل الأخلاق والمعتقدات واللغة والأدوار الاجتماعية، وهي الثقافة التي تنتج من معاملة الناس مع بعضهم وترتبط الثقافة غير المادية ارتباطاً وثيقاً بالثقافة المادية ولها تأثير كبير على حياتنا وللثقافة العامة مجموعة خصائص منها (ثقافة إنسانية، ثقافة مكتسبة، ثقافة قابلة للانتقال، الثقافة متطورة و متغيرة ، ثقافة متكاملة، ثقافة مشبعة لحاجات الإنسان، ثقافة اجتماعية ..أما كيف تكتسب الثقافات، وهنا لكل فرد حق وطريقة في اكتساب ثقافته وجعلها سلوك ونظام حياة يومي قابل للتجديد والتطوير متماشياً مع التطور والتقدم الحضاري والاختلاط والتجانس والاندماج مع المجتمعات الأخرى دون المساس بالمعتقدات والقيم وأيضا للإعلام والقنوات الثقافية والصحف والمجلات والكتب والراديو والتلفاز والمشاركة في المنتديات الثقافية والمهرجانات العلمية والفنية والمؤتمرات وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع العلمية عل الإنترنت والمنصات الرقمية وغيرها ..نحن نعرف أن لكل مجتمع قانون وللثقافة قانون أيضاً من حيث النوع والمستقبل والوعي الذاتي بالإضافة إلى أن اللحظات التأريخية تؤكد على النشاطات الاجتماعية وهي متجانسة مع أنها مليئة بالتناقضات بين الحتمية والتطور وتميز نشاط على حساب نشاط أخر قد تتزامن العناصر البنيوية وتتناقض كثيراً مع الاتجاهات الثقافية والأدبية حسب المجتمعات والحوادث التأريخية والتراث وكذلك الثقافات الذاتية للكتاب والنقاد أيضاً كل حسب مدرسته التي ينتمي لها ومبادراته الأدبية وإمكانياته الفنية الإبداعية ..أن الكاتب قد استخدم الوعي الثقافي في رواية (ليالي دبي ج1 وج2 ) فأسهمت ثقافة الكاتب في سبر أغوار الملامح الجمالية وكذلك اللغة داخل النص السردي بوصف الكاتب أن الرواية كائن يتغذى ويتنفس ويتحرك وينمو ويكبر ويشيخ ويموت غالباً وهذا يعتمد على الكاتب وصياغاته ومساره الدرامي والحكائي والوصف والتكيف مع الأحداث والشخصيات والتركيز على عنصري الزمان والمكان ( كل كلمة شريفة نور)غنت نجاة الصغيرة أيظن ،
أيظن أني لعبة بيديه
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيئاً لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
وتكمل نجاة أغنيتها وفتحي رضوان يستمتع في عزف الناي وبصوت نجاة وهو يخبرنا عن خطيئة فتحي رضوان خليل فيقول : أن خطيئته لا يعرف تقبيل يد المسؤولين ويقبل يد النساء بمهارة فتغضب عليه الحكومة ..وتسد أمامه الطرق ويسجنوه في قفص التجاهل والنسيان وهامش ذاكرة الوطن المثقوبة، فتصير اللاشيء..ويصير عند النساء قديس عشق ..الوطن أحياناً ليس غالياً ولا عالياً أحياناً جبان وأحياناً شيطان وأحياناً كريم وأحياناً لئيم ..الوطن إنسان ، الوطن ليس الشوارع ولا الأهرامات ولا النيل …فاستطاع الكاتب أن يبلور مفهوم الحداثة في تجديد بنية الرواية من حيث اللغة وجعلها تجربة مستحدثة للجيل القادم، الكاتب حرر مخيلته وذاكرته من الأسر التقليدي مع فتح آفاق جديدة للتجريب من أجمل الأغنيات والأفلام الرومانسية ومقاومة الكراهية وجماعة الإخوان وجروح الأرواح وسماع القرآن والحملات الصليبة والمذابح المهولة يعرج بنا الكاتب إلى محرم بيك بالإسكندرية حيث تسكن أمه ويتذكر ليلة خطبته من تهاني فيقول : (لم أدر أن الحب ليس حقيقة بل أحاسيس عميقة لا نلمسها ولا نمسك بها ..رغم أني عقدت قراني على تهاني إلا أنها تنام في بيت أبيها وأنا في بيت أمي ..ماذا أفعل ؟ ناهد تجري في دمي ، وأحياناً تجذبني الذكرى لها إلى السير في أماكن عشقنا ..أنا وناهد حكاية هنا تكمن عقدة فتحي خليل رضوان من النساء أي نوع فتحي من الرجال يعقد قرانه على تهاني ويعشق ناهد! ويغني كيف من غيرك الحياة ثم تغيب براءة الأشياء (أشتاق لظلك حتى ولو في الخيال ..قمت في الليل والعرق يتصبب مني يا إلهي! تهاني نائمة ..ومصر هي الهم الذي يطاردني ، ومن أكون لأحمل همها، وما أنا إلا عابر سبيل في بلد يملك أكبر تاريخ في البشرية للعبودية المفروضة عليه) ثم تتوالى الأسماء تهاني ، ناهد ، هناء (ناهد من الأغنياء لابد أن تتزوج من الأغنياء، وأنا من الفقراء أتزوج من الفقراء ..لكن العشق يبقى عشقاً لا يعرف الفوارق الاجتماعية ..عندما تغيب هناء عني أتوتر ..من يعطر أيامك الآن بعد غيابي ؟ ياعذابي ..) …عندما يتعلق الأمر بالأرواح لابد من تأكيد النص السردي المجرد والعاري من براهين مؤكدة وموثوقة لترسيخ وتجانس وإدخال الفكرة في روح النص الروائي وكلما كان التأكيد قاطعاً بالبرهان فيكون النص الروائي متميزا، ويكتسب تأثيراً بقوة الإقناع للقارئ المثقف الواعي بحيث أن الكاتب والقارئ والناقد في محاربة ثقافية من أجل الافكار والنظريات والتأثير والنص النموذج والقدوة ..غالباً ما يلجأ الكاتب السيد حافظ الى أسلوب التأكيد ، والتكرار ، والإرادة ، وروح الغرائز، المجادلة ، تناقض الشخصيات، وانقياد الأبطال لتحقيق الأحلام مع الانخراط بجنون في العمل بإرادة قوية عبثية أمام الشك من قبل أنصاف المعتوهين الذين يدافعون ويقفون مع النصوص الأقل قوة من حيث البناء والأفكار والصياغة اللغوية واللغة الشاعرية ودغدغة مشاعر القراء؛ أي تكون نصوصًا عابرة لا تحرك الروح ولا تثير النفوس وتجعل الكاتب عبداً مطلقاً لحلمه، بينما الكاتب هنا في الرواية (ليالي دبي بجزيئها ) هي نمذجة النص الروائي تذوب جنوناً وعشقاً (إن بعض التأكيد إثم وبعض الظن خير، الكتابة الحقيقية هي جنون شرعي .. إثارة وتضحية أكثر فأكثر مدافعاً أمام اضطهاد واستبداد الشعوب من قبل السلطات والقادة والطبقات الرأسمالية المتسلطة ضد الفقراء من عامة الشعب” في مصر الشعب يتكلم عن السادات على أنه بطل الانفتاح، كشف عورة العقل المصري وأخلاقه الخفية .. وسقطت الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تحت الحذاء .. مصر طردت المتنبي شاعر العرب ومصر طردت المسيح وموسى عليهما السلام ، وفاروق الباز وأحمد زويل ومجدي يعقوب .. وتطرد كل فطن وعبقري يظهر فيها” .. ( ص 137 _ رواية ليالي دبي) ، ورجال الدين وهم يخلقون الإيمان بإقناع الفقراء بالقناعة والاكتفاء والإرادة على فعل الخير فهؤلاء هم غالباً خطباء ماهرين في كتابة وإلقاء الخطب في المساجد والمناسبات الدينية والأعياد يبهروننا بالكلام، إن الفضيلة مختبئة في روح هذا الشعب تحت ركام السنين ، فمن يخرجها للنور؟ ويثيروا القوة في النفوس خاصة عندما يتعلق مغزى الخطبة في العقيدة أنهم يخلقون وسائل وسبل لبث الأفكار دينياً وسياسياً وحتى اجتماعياً يحرمون ويحللون كيفما يشاؤن ..وهذا ما تمكن الكاتب “السيد حافظ” من كشفه وتوضيحه بصورة مباشرة مرة ومرتين وأخرى على شكل أحداث محركة للحضارة والتاريخ معتمداً استخدام الوثائق والمصادر الدينية ( القرآن الكريم ) والمراجع والمصادر التأريخية كحقائق برهانية فهو كاتب الدهشة ..والكتابة طاقة تطغي على اللاوعي والكلام المتجانس بالتعميم حتى الذوبان بالأفكار وهي الدهشة بغزو القلوب وتسارع في تبصير العقول ..هي الكتابة المحتومة تدق الشيخوخة بجوهر الروح والقوة وتضافر خريطة سرد الكاتب لنصه الروائي وسياق الأنساق السردية تفصيلاً بالنسبة للقاريء مع الاحتفاظ بشخصية الكاتب وطغيان بصمته المسرحية على نصه الروائي أضاف إلى الرواية شحنات وطاقات جمالية وأبعاد مختلفة الوضوح مطعمة بضجيج له إلتواء تفوح نسائمه بربيع الذكريات؛ لتنسج مع رعشة الصمت واحات العشق ببسمة صفراء ..
فيقول الكاتب :”قمت من النوم منزعجاً .. أشعلت سيجارة روثمان وتحسست شاربي وعملت فنجان قهوة .. في الليل .. لا أحد يعرف أحدا ..في الصباح .. لا أحد يحب أحداً ..اتجهت إلى الشارع، الشارع ليس له اسم أو عنوان عندي، الشارع مكان مزدحم بالبشر والحركة والموت المختبيء خلف الجدران وحكايات الناس”
تجوب روح الرواية باحثة عن دروب ونوافذ الحاضر وشوارع العشق واحتضان الصدام بخطوات الحنين لخبايا الروح … “ويسألون عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” صدق الله العلي العظيم (الإسراء 85)
مما يشد الانتباه أكثر تجربة الكاتب” السيد حافظ” في هذا النص الروائي (رواية ليالي دبي ج1وج2 ) يوضح الكاتب أن سبب اختيار هذه الآيات من السور المذكورة أعلاه كونها لها صلة سواء من بعيد أو من قريب بالأرواح، وقد تفتح لنا احتفالات وتفسيرات وخيارات كثيرة ومتعددة ما بين الدجل والتنوير و الإشارات الربانية التي ذكرت في الكتب السماوية حول الموت والحياة فالأول للجسد والثاني للروح وخوف الإنسان من الموت الأبدي أما الروح ظلت سر من الأسرار فيقول الكاتب وهو يستذكر إحدى عشيقاته:” فليس من أحد مثلي ومثلك أنا وأنت حرب عشق في السر والعلن، فليس من أحد ساحر خطف قلبك في جيبه حين يذهب قلبي للسباحة مع القمر، فليس من أحد يعرف غناء النخيل والقمر مثلي من ينثر على جسدك الحنين يئن الشوق لي، فليس من أحد ساحر يخطف حين قلبك مع القمر، فليس من أحد يجمع كفيك شفتيك نهديك خاتماً في أصبعه مثلي ليس من أحد غير الواحد الأحد يجمعنا لحظة الشجن”. طاف بنا بسحر التشويق على كل مفاصل عشيقته من خلال النص ومحتواه والصياغات التعبيرية إلا أنه ليشد القارئ نحو إدراك تفاعلي متأثر بجمال التعبير ولا يخلو النص من الوجود للخالق العظيم الواحد الأحد …هذا لا يعتبر انتقاداً بل وقفة حميمية للنص وجمالياته ويحلق بنا الكاتب نحو شخصه ويقول :- ” ولم أدر حين
بدأت كتابة الرواية ’ أن أكون الراوي والشاعر ..وحلمت بأن أصبح شاعر الرواية، وأكون القصيدة ووزنها وأصير حروف بحورها وجنونها” ، ثم يسأل الكاتب نفسه عن ذاته قائلاً :_ “وأنا من أنا ؟ وأمامي قافلة من شعراء للرواية ودمي حبرها وعنواني شموخها” ..ويعرف الكاتب نفسه لنا فيقول : عندما دخلت عالم الرواية ، وأنا كاتب مسرحي ، جعلت من الرواية أباً للفنون، فيها الديكور والشعر والسينما والموسيقى والإضاءة والكورس والدراما وأيضا الأبطال والرواة ..هنا لعبة المراوغة للكاتب بعد ما رص البنيان والتشكيل في بنية السرد يعرض لنا مشهد آخر وهو مشاركة القاريء ويطلب منه السماح (سامحوني على جنوني ، لقد خلعت من رأس الرواية قبعة الأجنبي الخواجة وعمامة العرب ، وجعلتها حرة ..حرة مثلي ، ولكنني لم أكن أدري ما فعلت بي الرواية وما فعلته بها فاغفروا لي ولها …وهذا إقرار خطي ببصمة واسم الكاتب السيد حافظ طالباً الاستشفاء واستعادة الخصوبة للرواية، وما يلبث أن يتضح لنا جنون السؤال المستبطن بالقلق والإنشطار ما بين العمامة والقبعة مابين الاستياء والتجلي في الكتابة وتمرير اندثار الثقافة والوعي الإنساني وترسبات الأفكار المضادة وتداعيات الحداثة وما بعدها وما قبلها فما يجب الالتفات والتركيز عليه سلباً أو إيجاباً كيف تكون الكتابة ؟ هل التركيز على رغبات القراء ؟ هل يجدر بالكتاب الكبار الإشارة إلى الجهود الشبابية من حيث القراءة والكتابة ؟
هل دور الناقد الأديب التنبه فقط أو الأجدر أن يعمل معاً إلى توضيح الحقائق البنيوية المتضمنة الأسس سواء كانت من حيث الوظائف المزدوجة المترتبة على التفسير والتنظير في النص السردي والعلاقة مع القاريء والمبدع (المؤلف أو الكاتب) ؟ ما هي أهداف النقد ؟ هل الهدف التواصل الإيجابي ما بين المحاور الثلاثية الأبعاد (القاريء، الكاتب المبدع ، الناقد )؟ كيف يتم تقيم النص المبدع (النص السردي) وبأي قالب نقدي ؟
هنا الأسئلة كثيرة ومعقدة لو أردنا الغوص بها، لكن سوف نختصرها بأن الناقد والنص غالباً ما يثيران الجدل حول الأهمية التي يقوم بدراستها الناقد للنص الأدبي سواء كان سردا أو شعراً أو نثراً وهنا نؤكد على النص الروائي فينبغي على الناقد وضع أسس ومقايس وأنظمة ومعايير فنية وأكاديمية تشمل ( التفسير والدراسة والتحليل) ومن ثم التقييم من أجل تطوير السرد الروائي خاصة والإنتاج الأدبي عامة فغالباً ما نصطدم ب نص ممتاز وكاتب مبدع وناقد حاقد وآخر حاذق عبقري متميز يمتلك حس مرهف وبصيرة فكرية وثقافة لغوية ومطلع على جميع المدارس النقدية لكن ضيق الأفق التحليلي للنص أو اختراق الناقد أحياناً بعمق التفكير يبتعد عن المضمون، ويهمل الشكل أو البناء أو المكان والزمان لذلك على الناقد أن يكون حيادياً يتعامل مع النص ككائن حي ينمو ويتطور من حيث اللغة والمضمون والتشكيل والمعرفة كوحدة متماسكة بتطور الكاتب ثقافيا وفكرياً، أما الدراسة النقدية صورة استيعابية تفاعلية تحليلية لجماليات النص الروائي من حيث ( الشخصيات والعلاقات والأحداث الحضارية والتاريخية والفكرية وكل ما يثير الدهشة في التجديد والتجريب والحداثة بالنسبة للنص الروائي، فيجب على الناقد أن يكون كسلك كهربائي ناقل للشحنات الإيجابية لاستقطاب العطاء وصياغته بصورة طاقة اختراقية للواقع الثقافي والحضاري الحالي متصاهراً مع الماضي لخلق العطاء المستقبلي لواقع الرواية الإبداعي كوجود غير منتهي الصلاحية تسعى إلى تغير مجرى الكتابة في النص الروائي والنقد معاً وفق التغير العلمي والحضاري والاجتماعي والاقتصادي و الأيديولوجي موازياً مع العالم الغربي؛ فلابد أن تكون هناك نظريات جمالية عربية بحيث تتبلور هذه الجماليات إلى نظريات متكاملة من حيث التطور الجمالي والفكري والتأريخي مع الوعي الجماهيري للمجتمع العربي والفلسفة الجمالية واستنباط نظريات حديثة لمفهوم النقد إيجابيا، أي يحدد جماليات السرد أغلبنا يعتبر النقد فناً، بينما نقر ونطالب أن النقد يحتاج إلى علم ..وذوق و جمال يثير في نفس المتذوق اللذة في قراءة النص الروائي وما يترك من آثار تثير في نفس القاريء المتذوق لهذا النص، لذلك النص إذا فالذوق السليم لدى الناقد هو أساس لكل عمل نقدي فهو أساس التحاور بين النص والناقد.
الكاتب هنا ينشر روح حكاية عشق سهر بخديعة تناسخ الأرواح بذكاء في ممرات آفاق التحديات للشخصيات والأحداث والسياقات الإبداعية التي تحققت في رواية (ليالي دبي) والرابط الرشيق واندماج الماضي البعيد (شمس) حبيبة الحاكم بأمر الله و بين الحاضر والعطر الغامض والأنوثة الثائرة اللافتة والعشق المثير المشاغب والغرام المتوهج (سهر)هنا المؤلف يراهن على التحدي الأكبر أنه سيثير مزيداً من الجدل والتساؤلات حول هذا النسق الحداثي (المونتاج المتوازي الساحر) في اختيار التيمة التي تركزت على فكرة ثرية من عمق واقع البشر في اندفاعات الجسد وعالم الروح الذي أكدت الدراسات عليه أن الأرواح تتناسخ وتنتقل إلى أجساد أخرى من هنا استنبط المؤلف إحياء عصوره المختلفة كي يتتبع تجسيد روح عشيقته (سهر) فهل يستطيع السيد حافظ أن يثير إدراك وعقل القاريء؟ وهل يثير “السيد حافظ” الجدل والتساؤلات حول الأحداث التأريخية والشخصيات للباحثين والنقاد أم القاريء المثقف ؟ أم القاريء الوحيد الذي سوف يأتي لاحقاً حتى ولو بعد حين يقرأ صفحات المساء فاتحاً صفحات نور الصباح للأمل والتجديد والإبداع ..فيقول الشاعر محمد رجب:” فكي إزرار الصمت والإغواء ..وقفي شفيفاً في ضلوع مساء
ورق المنى تشدو بسعف صبابتي .. فأقيم من نخل البهاء سماء”
(ص 288 رواية ليالي دبي ج 1) ..
أما السؤال الآخر الذي يشغل الأغلبية هو:هل القراءة الورقية ستندثر ويحل محلها القراءة الإلكترونية ؟ كل هذه التساؤلات إجابتها في سؤال واحد فقط ..
ما هي الكتابة، وكيف يتفاعل معها الكاتب من حيث الأنساق البناء الجمالي للسرد عامة؟ قبل الإجابة لابد من توضيح هنا ..عندما تبنيت المشروع النقدي للسرد الروائي نموذجاً (السباعية الحافظية) والتي هي ( قهوة سادة ، كابتشينو ، ليالي دبي شاي أخضر شاي بالياسمين ، كل من عليها خان ، حتى يطمئن قلبي ، ما أنا بكاتب ، لو لم أعشقها ..) كان هدفي هو الارتقاء إلى وعي القاريء، وتجاوز الأمية الأدبية القائمة على الانفعالات الشخصية والعاطفية والانطباع الذاتي والشخصي بين كاتبا ما أو ناقد ما، علما أن هذا غير مبرر لأن العمل والتعامل مع الورق وليس الأشخاص مع النص، وليس الكاتب مع النظريات النقدية والبنى السردية المبنية على مبررات فكرية وأحكام قيمة . . لكن النقد في الوطن العربي غالباً ما ينحصر في حلقة ضيقة ما بين النقد التقليدي من حيث اللفظ والمعنى والنقد البلاغي والبعد الأيديولوجي المصاحب ضعف وافتقار الإبداع والتجارب الإنسانية الصادقة لكشف الواقع وحسن استخدامها ومن جهة افتقار أدوات الكاتب المنهجية وانعكاس ثقافته الذاتية مع تجاذب وتناغم ثقافة الناقد الذاتية أيضاً من حيث قراءة وفهم وتحليل النص الروائي واستحضار القاريء ومتابعة الكاتب لنصوصه السردية وهؤلاء القلة القليلة للأسف حيث أغلب الكتاب يظنون أنهم انتهوا من كتابة النص السردي بكافة الأجناس الأدبية حين وضع آخر جملة والتي نطلق عليها النهاية وهي بالحقيقة بداية الرواية أو القصة أو القصيد وكذلك المسرحية، يدفع الكاتب هذا أو ذلك النص إلى الطبع والنشر ظناً من الكاتب المؤلف أنه زفر زفرته الأخيرة بعد جهد وعناء وأنه سوف ينال ما يتمناه وما حلم به وهو ينسج حكايات خياله بتأنق واختيار موازٍ للمستوى الذي يناسب العنوان والتقديم والغلاف والصور والحكايات والألوان والرسوم التي قد تكون مستفزة للقاريء أو معبرة أو عنصر من عناصر الإيحاء أو معلومة يستفيد منها القاريء والناقد وهنا تظهر أهمية الناقد والنقد لهذا النص المعلوماتي الذي يتميز بالثراء المثقل بكل هذه المنهجية النقدية من جهة ومن جهة أخرى الإبداع وحقائقه الابتكارية من حيث الجمال الفني للبناء الحداثي والتجريبي في الرواية الحديثة.. ففي ص ( 11 ) يستهل الكاتب الإهداءات بإهداء خفي إلى الحاكم بأمر الله حيث كتب ( إلى سيرتك العطرة يامن حققت العدل في مصر وجعلت مصر أسطورة الزمان وجعلت خلافتك في مصر تضم كل دول شمال أفريقيا وجنوبها وجزء من فرنسا وجزر مالطا وقبرص وجزء من إسبانيا..).فمثل هذه الاهداءات تكون وظيفتها حماية النص الروائي وقد تكون لواحق ومصاحبات للنص السردي عموماً هنا تأزرت أدوات الكاتب المنهجية والكيفية والتحليلية من أجل تحصين دلالته وترتيب أفكار الكاتب وإظهار جماليات البناء السردي للناقد من شأنه أن لا يشوش القارئ ولا يقع الناقد في منزلق الفعل ورد الفعل أو مغايرة ما قصد الكاتب كتابته، أي نوايا الكاتب وسوء قصد الناقد يبقى لغز النص في فكر الكاتب (المعنى في قلب الشاعر)
(( إلى الكاتبة الرائعة التي وقفت معي لحظات حرجة أثناء أزمة حصاري في الإمارات وقفت وهي تعرفني من الإسكندرية .. مجرد فنان ..وكاتب عابر سبيل ..وتخلى عني الكثيرو الكثير من أصدقائي في مصر وكل الوطن العربي إلى الرائعة “سعدية عبد الحليم خليفة” التي تملك قلب عصفور وروحاً ليست للبشر. “
لا يختلف اثنان على لغة الوصف عند الكاتب” السيد حافظ” في رواية ( ليالي دبي ج1 ، ج2 ) من حيث المكان فهنا طاف بنا الكاتب في دبي شرقا وغرباً شمالاً وجنوباً فيصف لنا دبي في ليلة زفافه ويقول:” ليالي شتاء دبي الحزينة الناعمة الجميلة ..تلك المدينة المغطاة باللون الأبيض دبي سفينة الأحلام تلوح بأعلامها للعالم” . كأنها مرسومة بريشة جنون فنان معاصر، أو رواية حداثية لا تعرف من البطل فيها: اللون أم الطبيعة أم الجنون ..هل هي مدينة الملائكة ؟ أم الشياطين ؟ مدينة الأخلاق تتحرر فيها فلا تعرف قيمة التراب من الذهب إنها مدينة تسعى لمعانقة المستحيل ، والانتصار ..ويستمر الكاتب بوصفه المستثير والمستفيض إلى دبي في رواية ليالي دبي ( ج1 ج2 ) من حيث الغربة وعذابات الكاتب فيقول : _ ( دبي ياغربتي الثانية بعد مصر. هربت من غربتي في مصر وجدت غربتي هنا، أنا الروح المبعثرة في هذا الوطن من المحيط إلى الخليج .. كل هذه المباني الشاهقة .. كل هذه العمارات .. كل هذه البنايات .. لا مكان لي فيها وأنا ضمير الأمة المستتر، وأنا
الضمير الغائب ” يبدو أن جسد المرأة واحة من واحات الكاتب يهرب لها حيث يتذكر علاقاته النسائية قد تكون عشق حقيقي أو علاقات بريئة لم تتعد لمسة همسة حلم وأحياناً تفاصيل العشق الممنوع دون ذكر تفاصيل تلك العلاقات على عكس ما نسمع أو نقرأ في مذكرات الكاتب (مذكرات ابن حافظ وما جرى في بلاد المسخرة) نجده يتحدث عن تجاربه في جميع المجالات الصحافة الإخراج، التأليف، الديكور، المسرح، الرواية، والعلاقات الشخصية والاجتماعية وكم الصداقات والعداوات مع وضد قلما نجد ذلك في أعمال الأدباء والكتاب علماً أن هناك تركيز إنساني المعنى بوجود محضور باستخدام تقنية اللغة والحلم والاستقطاب أو استدعاء الأحلام بوصايا ومطالب ورسائل كما يذكر الكاتب ( نقطة أول السطر ) أنا كاتب مجهول تقلب بين التجريب والتجريبية، ودائماً ما ألمح المستقبل الأدبي في حروفي وحركة تطوير المسرح والقصة والرواية ..كان حراس التابوهات الأدبية القديمة يعاملون الأدب التجريبي على أنه أدب كاتب مبتدئ، وكنت أرى أنني أرتقي سلم القيم البشرية العليا والفكر الإنساني الراقي .. كنت أرى أن الغرب متأخر عن فهم ما أكتب؛ لأن الغرب كما قال لي المستشرق (فلاديمير شاجال) لا يترجم الأدب العربي العظيم بل أدب الأدباء الموظفين الكبار والصحافيين الكبار، وكان ينصحني دوماً:”حاول أن تحصل على وظيفة هامة في بلادك حتى تدخل العالمية”
( رواية ليالي دبي شاي بالياسمين الجزء الاول ص397 ) هنا يتجلى الكاتب نفسياً ذلك الوهم ليحرر نفسه من القيد كأنما يهرب نحو الشمس والحرية ويبدأ مع همسات وأغاني الصباح ليفتح لنا هروب آخر ولقطات وثائقية للواقع الجاثم على صدر حروفه بالرغم من الطاقات المكنونة للإبداع اللغوي والتشكيلي ما بين الواقع والحلم والخيال لخلق بطل مماثل لشخصية الكاتب نجح الكاتب بموهبته الإبداعية وأدواته الفنية لتشكيل النص السردي الذي عبارة عن قاموس معلوماتي وسير ذاتية لشخصيات مهمشة أو أحيانا وقعت بفخ الانسحاق الجمعي من قبل المجتمع الثقافي محافظاً على خط موازي للحكاية، هنا يكمن فن الكتابة وإبداع الكاتب ..إذا
الكتابة هي لعبة الكاتب والكاتب يتوارى خلف الحكاية في النص السردي وفق سياق إبداعي وآليات حيثيات النص الروائي وقد يكون هذا النص الروائي مشروع الكاتب الذي يبحث احتمالات أو مقومات للتجديد والحداثة أو رهانات على أن هذا النص الروائي يتداخل مع نص آخر أي أن تكون رواية داخل حكاية وبالعكس النص الروائي الذي بين يديك عزيزي المتلقي أو القاريء أو الباحث ولا أستثني الناقد أيضا هو نص ذات مواصفات إبداعية وكل إبداع أمام احتمالين هما ( نص مسبوك بإبداع لغوي خيالي يعبر عن توتر الكاتب من حيث سعيه إلى الأنساق التقليدية والذائقة الإبداعية وحالته النفسية أثناء الكتابة) أما الاحتمال الثاني (يكشف الكاتب عن نفسه وسيرته الذاتية بأسماء وهمية واستنفار المشاعر والأحاسيس الذاتية والذهنية بمستوى عالٍ من التقنيات الإبداعية مما يجعل النص الروائي يكتسب مواصفات متميزة مغايرة عن النصوص الروائية الأخرى ذات أبعاد مثيرة من حيث العبارات المكثفة والثقة والسياق واستنباط الهواجس والتناقضات والقلق أحياناً) هذا مايطلق عليه مكر الكاتب ولعبته في مراوغة القاريء والالتفاف على الباحث من حيث التشويق والمتابعة وربطها بالسعادة المرئية في النص ا لروائي واللامرئية في الواقع. استند الكاتب “السيد حافظ” في روايته ( ليالي دبي الجزء 1 و 2 ) على هذه الفكرة أو الحكاية فكانت أكثر حيوية وتنظيم في (رواية ليالي دبي جزء 1 و2 ) التي أشرنا لها في الأجزاء السابقة من مشروع الكاتب السيد حافظ (السباعية) الذي يبدو لنا أن كل جزء منفصل متصل لكن كل جزء من أجزاء السباعية يروج للجزء الاخر لكن الكاتب يدس في كل جزء حكاية مفاجأة فهذه هي صنيعة” السيد حافظ” الإبداعية يتحرك بفضاء ملحمي تفصيلي مؤطر بإيقاعات وامضة مكتنزة بوعي ثقافي يحاكي العقل والقلب منفتح على جميع طبقات المجتمع العربي من خلال الصور واللقطات والانفعالات والتعبيرات الإيحائية والظاهرية وفق الزمان والمكان والحدث ومعطيات لعبة السرد الروائي في (رواية ليالي دبي جزء 1 وجزء 2) فلا يختلف السيد حافظ عن غيره من الكتاب من حيث الزمان والمكان في حد ذاتهما ولكن يختلف باختلاف زاوية التنظير في البناء السردي للرواية فيكتب الكاتب “وجع على وجع على وجع …من أين لي الآن بصدر امرأة تغسل بثدييها ألم السنين، وبشفتيها تبل ريقي الذي جف شوقاً للحنين ..أيا أيها القلب الشقي بالعشق والغرام ..ألا تستريح قليلا ؟ ألا تنسى الوطن والنساء والكتابة والجمال ..ألا تستريح غفوة من الزمان ..كلما تعطرت وفكرت وتهيأت للكتابة تداهمني الكآبة؛ لأني اكتشفت أنني أعيش في وطن مجنون” بينما الكاتب يكتب في رواية (أنا وزينب) وبعد مرور 7 من السنين فيقول:” واضح كل الوضوح أن القلب مجروح والأيام حولي حزينة والسأم حتى في أحلامي ..واضح كل الوضوح لن أظهر الفاعل الذي طعنني مادام قد وضح ولكني أرى ذل المفعول ..واضح كل الوضوح، أني رجل أصبحت بالزهد مفتوناً وأني أسأم الرذيلة وأحب الفضائل ودموعي غريبة غربة القلب المعصوم العيون وسط النساء ..واضح كل الوضوح أني لا أفرق بين تقديم الروح وتأخير العقل، ولست من ينسى المعروف وأنا التفسير والمفسر .. واضح كل الوضوح لا أريد أن أثبت حبي لك أو أنفيه ولكني بعشق صانع الكون مشغول وهو سبحانه من علمني أن الحب داء والصدق دواء وأنت السر وأنا الكشف” ما يدعم هذه المقاطع النصية من النصوص السردية للكاتب هو اللعب بالحروف والمفردة إلاشهارية التي تشد القاريء نحو عالم الكاتب من خلال العلاقة التركيبية لبعض الجمل فتتباين الصيغ وتثير الاستغراب على سبيل المثال” أيها القلب الشقي بالعشق والغرام ألا تستريح ؟ واضح كل الوضوح القلب مجروح والأيام حولي حزينة” هنا القلب شقي وهناك مجروح يثبت لنا أن الكاتب يعاني من العشق والعلاقات كأنه بستان تترسخ جذور العشق المستمر لترنيمات النساء وقلب مستعد للنزوات الغرائزية يداهم العقل والأفكار بروايات خيالية كأن شيخاً متلبس بفعل وفاعل ومفعول لاوجود له إلا في عالم وأحلام اليقظة وتأنيب خيالات الكاتب لما تجاوز من مغامرات غرامية سراً أو علناً وفق التواصل وتطلعات فكر الكاتب محاكياً في شكل علاقات جسدية هاربة عارية تضاهي النمطية المعتاد عليها فلا فرق بين (سين وشين) إلا النقاط ينطبق هذا على العنوان (ليالي دبي وما أدراك ما ليالي دبي) عنوان مقتبس من عناوين وهمسات ومقاطع أغاني “ليلى مراد” الحب جميل ، بحب اثنين ..ياهناي في حبهم أما النص فهو امتداد إلى العناوين العائمة على صورة النص وهي تضاهي آلية البناء السردية؛ فالكاتب متكلم بالضمير أنا يرسخ لنا مداهمة الأفكار والنصائح والعبر والمعطيات الوجودية وفق فلسفة الكاتب وثقافته والبيئة التي عاش بها وتعامل معها فيذكر الكاتب” في حارتنا حادث جلل أتفاء فيصل الأعور أخي سيد عبد المنعم الموظف، فيصل ولد قوي العضلات مع أنه نحيف، لكن إذا أمسك بيد شخص وأطبق يده عليها كسرها ..الفقراء يصنعون المشاكل بسهوله وينسونها بسهوله أكبر” هكذا يصنف الكاتب الشذوذ عند فيصل الأعور انتقالات حوارية ومواقف إنسانية ومشاكل اجتماعية فالنص الروائي عبارة عن خليط متجانس مختلف المذاق بين الواقع الحضاري والمتخلف يتكيء الكاتب على استراتيجيات سردية ذات لغة شعرية غالباً وأحيانا يتجاوز السائد والمألوف متكئاً على الرمز والمجاز، وكثيرا ما يتماهى ما بين التجريب والمحظور والمغامرة والسيد حافظ هجر الوطن بجماله وأرضه ونيله بفكرة العمل في الخليج سنوات ثم يعود منتصراً بالثروة المنشودة متأملاً أنه سيكون شاهبندر التجار؛ فالنص الروائي هنا يثبت لنا أنه تجربة من تجارب الكاتب الإنسانية لمواجهة الواقع والحفاظ على كيان الأسرة والإنسان والمجتمع والبحث عن الحقائق بمحاكاة أبطال الرواية في إطار مختلف عن الرواية التي اعتدنا على قراءتها تحافظ على الواجهة الخارجية للأسرة، ولكنها في الواقع لم تعد إلا صرحاً منخوراً لا شيء يدعمه فهذا الصرح الأسرى قابل للسقوط بمجرد هبوب عواصف الهمس والعشق وملاحقة أحلام الصبى والدخول إلى غرائز بربرية تفقد تلك الأحلام قوتها وشغفها؛ فتتساقط متناثرة تحت أقدام نساء عشوائيات وعابرات السبيل وسرعان ما تتلاشى شاردة لأوردة تلك الروح ..وتستمر نجاة في الغناء مع الحان الروح الحزينة وطيور عشق فتحي تمرح في فضاء روحه الحزينة ..تغني نجاة الصغيرة .. وبعثنا ..مع الطير المسافر جواب .. وعتاب
وتراب من أرض أجدادي ، وزهرة من الوادي
يمكن يفتكر اللي هاجر
إن له في بلاده أحباب.
لقد كره (نابليون) الأطباء و لكنه عندما مرض أصبح بين أيديهم لعبة مستسلماً لهم ..(الجزء الثاني ص 360) ثم يكتب ببحر من المرارة ..(شوارع متسخة وشعب يعيش في لا مبالاة وجبن فقد الطموح وأخفقوا في الخطة الخمسية للصناعة التي وضعها جمال عبد الناصر) فالنص يسلم ويستلم ببصمة وهوية كينونة تكشف عن أنماط شتى من العادات والسلوكيات المسكوت عنها في الثقافات العربية خاصة وبما أن الادب يتكون من أجناس فنية وأبرز فنونه الرواية.
هنا سؤال يجب أن يطرح على الباحث أو القارئ المثقف ..
ماهي هوية الإبداع الآن في ساحة الإبداع العربي مع هذا الكم الهائل من الإنتاج خاصة ( الرواية ) ؟
هل تفاعلت الأقلام الإبداعية مع العولمة والتحولات والصراعات الذاتية ؟
هل كان للثقافة الذاتية دوراً في تطوير أم تدمير الأجناس الأدبية عامة والرواية خاصة ؟
لابد أن نذكر أن القراءة في رواية ( ليالي دبي _ ج1 ، ج2 ) كتبها الكاتب وكما أشرنا مقدماً من حيث البناء والسرد والأحداث والشخصيات والملامح التاريخية أيضا طرح الكاتب هنا ورقة أو أوراق يثبت فيها تتابع الأحداث اليومية ثم توجه إلى التذكير غالباً عليه مره بالتصريح وأخرى بالتلميح عن تلك المخاطر التي تواجه الرواية من قبل بعض الكتاب على الهوية الروائية ذات الثقافة الضحلة وذلك لسببين
الأول ..كثرة الكتاب ونوع الكتابة التي باتت كقارورة العطر التي صنعت في غير بلد المنشأ(أي تعجبك تغليفها وشكلها ولكن حين تشمها تحس الفرق بشذى عطرها السيء) وبعض الكتابة كأنما التقطها الكتاب كالتقاط الضباع جيفة ) هكذا هي بعض الكتابات للأسف تنال إعجاب وتكتنز الجوائز ..
الثاني .. تناول الكاتب أخطار الهيمنة وآثارها والتأمل في جدية للمستقبل حيث تصبح الحاجة ملحة للتكرار حيث يقول في ( ص427 ) “حدث كما حدث ولكن لم يحدث أي حدث” هنا فتح نوافذ إبداعية لكتابة الرواية التجريبية الحداثية للإنعكاسات الثقافية فيؤكد الكاتب ذلك بالفعل (نام ، ينام ، نوماً) ماضي مضارع ومفعول به (كان الحب يقظاً والشوق قلقاً والغرام سرباً فقد غاب عن الوعي الكل …أيها العابرون على أحلام الصبايا في ليالي الزفاف رفقاً بكحل عيونهن ..وما بين النوم والسبات والنعاس يستيقظ الشوق والغرام إلى عصر اللامتوقع المتسارع وإلى العوالم الافتراضية التي تسلك وتتسلل إلى مخادع الصبايا من قبل العابرين ..هذه جماليات البناء السردي في رواية ليالي دبي ماهي إلا منظومة من الإفرازات اللامتناهية وذرات منتشية من جزيئات الفعل والفاعل والمفعول به وغياب الأثر وزوال جماليات الماضي ومزجها بالحاضر مما يجسد صور الهوية الإبداعية المستقبلية للرواية هنا للثقافة عنوان وهوية ..سنتابع ونركز على بعض من مقتطفات السرد نموذجا (ليالي دبي) لكشف انعكاسات الهوية الثقافية في هذا النص السرد ي المتضمن حوارات ومصطلحات وتحليلات نفسية وسلوكيات وفئات اجتماعية وطوائف دينية والأماكن والأزمنة وعلاقات متنوعة مابين الخطيئة والانحراف بالبوح أو التعبير بالتداخل والتفاعل أو التنافر والصدام بشكل صريح وواضح بقوة متعلقة بالتربية والبيئة من حيث التثاقف العاطفي والوسط الثقافي الاجتماعي تجد علاقاتهم تتضمن مفاهيم الصداقة التفاعل والتواصل تحت مصطلح (الحرية الشخصية)
في رواية (ليالي دبي ج1 _ج2 ) ..دبي المكان وأرض الأحلام والأعمال والمال والثراء والانحراف والسكر والمخدرات ..دبي بلد ينتمي إلى دول الخليج العربي والوطن العربي ..الانتماء فقط جغرافياً ..دبي التي سبقت عهدها بسنوات ضوئية فمن المؤكد أن تكون دبي مسرح مفصل تفصيلاً مناسباً لطبيعة الرواية (ليالي دبي) من حيث مجريات الأحداث والزمانكية ..الكاتب وصفها وأجزل بوصفها من وجهة نظره ..دبي بحر هادر للثروات مال يجئ ومال يذهب ..ثروة شيطانية لها بداية وليس لها منتهى ..دبي حلم الجميع ممن يطمح في جمع الثروة والمال والعمل …فتحي رضوان في دبي ..( ليالي شتاء دبي الحزينة الناعمة الجميلة .. تلك المدينة المغطاة باللون الأبيض دبي سفينة الأحلام تلوح بأعلامها للعالم ..كأنها مرسومة بريشة وجنون فنان معاصر، أو رواية حداثية لاتعرف من البطل فيها . اللون أم الطبيعة أم الجنون .. هل هي مدينة الملائكة ؟ أم الشياطين ؟ أم مدينة الأخلاق تتحرر فيها فلا تعرف قيمة التراب من الذهب ..إنها مدينة تسعى لمعانقة المستحيل ، والانتصار ..يؤكد الكاتب بمفاهيم وصفات تستوعب تركيباته اللغوية لتوظيفها لوصف حلة دبي الجمالية (هل علاقات النماء ، لحظات الحب فيها صادقة كالجبنة القديمة اللذيذة ولحظات الكذب فيها كالضوء الصناعي ..هل تملك الحقيقة في هذا البلد .هل دبي هي مدينة الروح..؟ أم مدينة الجسد؟ أم مدينة الروح والجسد معاً ..هل دبي مدينة؟ هل دبي وشم ؟ تلك هي دبي .. ياقوتة حمراء بيضاء وأحياناً ياقوتة ضوئية . هل تحممت بعطر؟ هل تنشفت بنور؟
الرواية والواقع الاجتماعي ..في البناء والمعجم الروائي موجة من الشخصيات، برع الكاتب في حبكة مفاصل روايته (ليالي دبي) بهذه الشخصيات المطعمة بالحب والعشق والخطيئة والخيانة ورعشات في الظل والصمت وضجيج الفجور وروح مكسورة معتصرة بغربة الأوطان وحوش تحرق الشجر وتنثر الرمال كالموت في الأوهام، ووجوه مغلفة بالخديعة على أوتار حزن الروح ..الكاتب يحدد عناصر التشويق والإثارة ويتمكن من كسر الروتين بنسق تفاعلي مع القاريء من خلال شخصيات الرواية .. الشخصية الروائية تعتبر الركن الأساسي في السرد والعنصر الفعال الذي يلعب دوراً كبيراً فهي بمثابة العمود الفقري فلا رواية بدون أشخاص وتكمن أهمية الشخصية في الدور الذي يسند لها فالسيد حافظ غالباً ما نجد أن الشخصيات في سرده الروائي متداخلة (مابين الماضي والحاضر) وتتمثل شخصيات الحاضر :
فتحي رضوان : من الشخصيات الرئيسية في الرواية . شاب مصري ، من مواليد الإسكندرية 1948 م، ابن حي محرم بك حيث الفيلات الفاخرة التي تجاورها عشش محرم بك التي يقطعها قصر البرنسيسة قريبة الملك فاروق .تخرج من جامعة الإسكندرية قسم فلسفة واجتماع عام 1976 ، أخصائي مسرح بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية من 1974 / 1976 عشق المسرح والكتابة حصل على جوائز عديدة .تقلد مناصب عدة منها مدير تحرير مجلة الشاشة ، مدير مجلة المغامر مدير مكتب مجلة أفكار، مستشار إعلامي دبي مؤسسة الصدى ، مدير مركز رؤيا وعشق مصر ودبي وعشقه فاق عشق القمر لسهر وما أدراك ما سهر ..كانت وظلت وما زالت عشيقة القمر والعصفور وفتحي رضوان السؤال هنا :
هل الحب بلاء، أم شقاء أم استيلاء أم انتقام من النساء بسبب الرذيلة والخطيئة التي مارسها فتحي رضوان وسهر في قصة العشق هذه وخيانة كل منهما للعلاقة الزوجية التي كانا فيها ؟!
سهر ومنقذ، تهاني وفتحي، كاظم و وردة ، شهرزاد وحامد الصقر. وختاماً
ماذا سيفعل فتحي حين تتصل به سهر بعد 20 عاماً ؟
سيعزف فتحي بأصابع الشوق في وجه القمر، أصابع يحركها المطر ، تغفو وتصحو تحت نبض سهر ،تقف شامخة رغم الغدر وتعدد الخيانات مغرورة بجمال شعرها وتساقط عيون الرجال من حولها ، تنام سابحة يحرقها الوجل ، فتعاود بالاتصال لترتشف عشق فتحي بآهات النهار يموج حائراً ما بين القلم والقمر فيعاوده الأمل ويغدر بالوعود والعهود التي قطعها لتلك اللوحة التي لونها بريشة الزيف والكذب، فلا امرأة تهواه ولا هو من يهواها، هو مجرد بقايا سهر وبقايا وطن يبيع أحلام عشق سهر ، فالخيانة حضن سهر وخيال يطير إليه فتحي، وينسى أنه نبي ويصبح دعي لسهر ليشم عطر الخيانات وكم الرجال المومس حين تقص عليه قصصهم سهر، وترسم حروف أسمائهم على صدر فتحي بالقبل، مالحة كلمات حبك ملوثة بخيانتك وخيانة سهر ..فمن المجني ومن المجني عليه يا بشر ؟
أن النساء بلاد بعضها مباني شاهقات عاطرات وبعضها شوارع وأزقة عفنة حقيرات،ولعلي في حاجة إلى تأكيد أني بالكتابة أضبط الحياة وأجد هويتي وأجد تفسير اختلاط الاشياء ولعلي في حاجة إلى تأكيد أن العشق توتر جميل ومعك توتر لذيذ وضياء ….”ونمضي نحو الفضيلة مكبلين بشهوة الخطيئة ونظن أننا نخدع الله”( السيد حافظ )