قراءة في كتاب التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي

دنيا علي الحسني | العراق

اللوحة للفنان العراقي إياد الموسوي

يشمل كتاب التدبيرات الالهية على مقدمة وتمهيد واحد وعشرين باباً من التوحيد، في تدبير الملك الذي لا يبيد على التدبير الحكمي والنظام الإلهي وجاء غريباً في شأنه ممزوجاً رمزه ببيانه يقراءه الخاص والعام، ( قد علم كل أناس مشربهم). وهو لباب التصوف، وسبيل التعرف بحضرة الكشوف والتعطف، يلهج به الواصل والسالك يأخذ حظة منه المملوك والمالك. يعرب عن حقيقة الإنسان وعلو منصبه على سائر الحيوان وإنه مختصر من العالم المحيط، مركب من كثيف وبسيط، حتى برز على غاية الكمال، وظهر البرازخ بين الجلال والجمال، فليس في الجود بخل، ولا في القدرة نقصان، وصح ذلك عند ذوي العقول الراجحة بالدليل والبرهان، وبهذا قال أحد الأئمة،(وليس أبدع من هذا العالم في الإمكان ).

(المقابلة بين تدبير سياسة المملكة الدنيوية ، وبين سياسة المملكة الإنسانية)..

وجاء في التمهيد خلاصة فكرة الكتاب، قال الشيخ الأكبر: إن الإنسان عالم صغير مسلوخ من العالم الكبير، أي ركز على مقارنة بنية الانسان ببنية العالم، لذلك ركز على العالم الباطني للإنسان، فقد تبنى هذا الكتاب المستخرج من العلم ( اللدني)، المسمى في (الإمام المبين) الذي لا يدخله ريب ولا تخمين، وقد جعل الشيخ الأكبر ( مقدمة الكتاب ) عبارة عن توطئة لعلوم التصوف)، وقد وصف التصوف بقوله: التصوف أمره عجيب، وشأنه خاص وغريب ، وسره لطيف، وليس يمنح إلا لصاحب عناية وقدم وصدق..) وأن مبنى طريق التصوف على التسليم والتصديق والإخلاص، وكيف دخلوا المؤمنين في (الانقياد والتسليم)، وتعرفت عليهم وظائف التكليف، وهناك دليل واضح وعلة لكل سؤالًا عن رؤية الحق واتباعه ورؤيته الباطل واجتنابه. وأن الإيمان هو عبارة عن معتقد إستقرار في القلب وطمأنينة النفس، ذاك إن المؤمن لما كان طالباً لربه، متردداً في طلبه إلى الوثن والطاغوت ، ومرة إلى الشمس والقمر ومرة إلى النيران، وهو في ذلك متحير لا يستقر ولا يسكن، فلما علم الله منه صدق رغبته وقصده أفاض على قلبه نور الهداية أستقر القلب واطمأنت النفس.
(الحضرة الانسانية كالحضرة الإلهية لا بل هي عينها)، الوجود الحقيقي حيث يخرج العارف من ظلمة الغيب إلى النور الشهود فما أمامه كان شهادة وما وراءه غيباً، فهو في أمامه محفوظ بنفسه، وفي خلفه محفوظ بربه. إن التجلي الإلهي الدائم لم يزل، وهذا الظهور مع كثرته ودوامه، لا يتكرر أبدًا. فالمخلوقات في كل لحظة تفنى أي تذهب صورتها لتظهر مثيلتها في اللحظة التالية ويجب أن لا نقول بوجود فاصل أو إنفصال زمني التجلي يفني أحوالا ويعطي أحولا في المتجلي له. وبه يظهر الانتقال من حال إلى حال في الموجودات، إن كشف الحقائق يتم عبر أفراد، وجميع النتائج.

لوحة الفنان العراقي إياد الموسوي

لا تكون إلا عن الفردية، بما في ذلك المنفعة العامة الإنسانية العالم إنسان كبير، والإنسان وإن صغر جرمه عن جرم العالم فإنه يجمع حقائق العالم الكبير ففي الإنسان قوة كل موجود في العالم وله جميع المراتب ، وهذا الذي نسميه (الإنسان الكامل)، وما من شيء في العالم إلا وله حظ في الصورة الإلهية، والعالم كله على الصورة الإلهية. ولم يظهر في الإمكان معنى في العالم إلا وظهر مختصره في إنسان. ولهذاأختص وحده بين الموجودات، بالصورة وما فاز الإنسان الكامل إلا بالمجموع، وما كملت الصورة من العالم إلا بوجود الانسان، الذي جمع الحقائق الإلهية وحقائق العالم، وهو الذي يكون الحق لسانه وبصره وقواه وجوارحه بالأمر الإلهي، إن أوامر الحق مطاعة إلى قيام الساعة، لكن الأوامر الخفية، لا الأوامر الجلية. فإذا كان العبد عبد اضطرار في الفرض، فإن الحق أعطاه في ما يسمى نفلا، مجال الإختيار وكساه حلته. فهو خادم الأمر الإلهي بالإرادة وليس خادم الإرادة. فالعبد هو منشيء للدين، وأما الحق فهو واضع الأحكام. حيث أن الدين فعلك والإنقياد هو عين فعلك.
وأن الإنسان قايض قلقه بالعبودية، إذا وقف الممكن مع نفسه كان حرا لا عبودية فيه، وإذا وقف مع استعداداته كان عبدا فقيرا، فليس لنا مقام في الحرية المطلقة. ومقام الحرية للإنسان ذو نسبتين :
نسبة يدخل بها إلى الحضرة الإلهية ونسبة يدخل بها إلى الحضرة الكيانية. ويقال له رباني من حيث أنه خليفة الرب والأحسن تقويما، أي أن عبودته محققة فقط لله. و عبودته إنها ليست العبودية بقدر ماهي العبودة التي لا تنتسب إلى الله ولا إلى نفسها، لذلك فإن ياء النسبة محذوفة منها، بعكس العبودية ولهذا ينسب عباد الله إلى العبودة، لا إلى العبودية، فيتوجب التفريق بين ما ينسب إلى الصفة وبين ما يضاف إلى الله. وهكذا يخرج عباد الله من العبودية إلى مافيهم من أسرار الربوبية، فهم العبيد الأرباب، بما في ذلك الأنبياء والأولياء عباد الله الصالحين.
ليس في الكون إلا الرب و المربوب قال الله تعالى: ( سبحان الذي أسرى بعبده) فجعل النبي (ص) عبدا محضا وجرده من إرادته عن كل شيء، حتى عن الإسراء. والعبد المحض من حمى نفسه من أن يقوم به وصف رباني بتبسيط أكثر، ليس فيه شيء من السيادة على أحد من المخلوقين ويرى نفسه فقيرة إلى كل شيء في العالم لكنه عين الحق من خلف حجاب الإسم.ارايت لما ثبتت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأستقر في نفوس العقلاء أنه ينطق عن الله تعالى.
ويعزو الشيخ الأكبر القدرة عن ما فعله عن الأمر الإلهي فكل مؤلفاته وقيده عندما كانت تجتمع المناسبة إلى الإذن الإلهي، إنه الوثيقة بيننا، ونحن المخلوقات، وبينه تعالى، وثيقة مواصفة فما له ليس لنا وما ليس له هو لنا. والولي، لا يأخذ النبوة من النبي إلا بعد أن يرثها الحق من الأنبياء، فيلقيها تعالى إلى الولي. أي أن الولي وريث النبي، نبوة الوارث قمرية، ونبوة النبي شمسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى