مسرحية الملكة السوداء
موزة المعمرية | سلطنة عمان
ملخص المسرحية:
تبدأ أحداث المسرحية برِوَاية الرَّاوِي للأحداث, ثم تدخل لخشبة المسرح بطلة المسرحية ألا وهي “التَّيْمَاء”, تدخل مُقيدة بالسلاسل لكونها مأسورة كعبده حيث اشتراها تاجر من سوق النِخَاسَة.
يراها الملك إثر تجوله في السوق وهي تُجَر كالمعزاة حيث تسقط من شدة تعبها أمام رجليه, ينحني الملك ليرفع رأسها عالياً فينظرها وينظر عينيها, يشتري الملك التيماء ويأخذها لقصره بحيث يطلب من الخدم من أن يعتنوا بها جيداً.
يقع الملك في غرام التَّيْمَاء ويتزوجها برغم مُعارضة العائلة الملكية للزواج فتصبح بذلك التيماء الملكة, ولكنها وبأنها سوداء اللون سيُطلق عليها اسم “الملكة السوداء”.
بعد موت الملك يتحكم ابن أخ الملك الراحل في المملكة ويصبح هو الملك, يُعيد الملك “البَيْهَسْ” الملكة السوداء للأسر, والإهانة, والحبس, ثم يعيدها تارة أخرى لسوق النخاسة حيث تكون نهاية المسرحية.
شخصيات المسرحية:
الرَّاوي: هو شيخ كبير في السن يدخل إلى خشبة المسرح ليروي بعض الأحداث التي تكون في المسرحية, نحيف الجسد, أبيض لون اللحية المتوسطة الطول, في يده اليمنى يحمل عصا ليتكئ عليها قليلاً.
الملك “غُول”: رجل في الأربعون من عمره, قوي البنية الجسدية, طويل القامة, أبيض لون البشرة, أسود لون العينين, متوسط طول الشعر الذي يصل كتفيه والذي اختلط بعض بياضه بسواده, لحية وشارب بسيطان في ذقنه.
الملكة السَّوْدَاء “التَّيْمَاء”: فتاة في العشرون من عمرها, سوداء لون البشرة, زرقاء لون العينين الواسعتين وهذا يرجع لوراثتها للون عيني والدتها الشركَسِيَّة, هي جميلة حتى وإن كانت سوداء البشرة.
ابن أخ الملك “الَبيْهَسْ”: شاب في العشرون من عمره وهو بذات عمر التيماء, وسيم جدا ولكنه خبيث النوايا, شرير لأبعد الحدود وعنصري, متناسق الجسد والطول, مسترسل شعر الرأس المتوسط الطول والأشقر اللون, أبيض لون البشرة, أخضر لون العينين.
الأميرة “الجُلَّسَان”: زوجة الأمير البَيْهَسْ, فتاة بيضاء اللون, شقراء شعر الرأس.
المُحتار المجنون: رجل مجنون كما يراه الناس, يظهر في بعض المشاهد.
المشهد الأول:
خشبة المسرح مُظلمة, نور فقط مُسلَّط على الرَّاوِي الشيخ الكبير في السن, والنحيف الجسد, والمتوسط الطول, مُلتحي بلحية بيضاء اللون متوسطة الطول, يدخل وهو يتكئ على العصا الخشبية المعقوفة التي بيمينه, يرتدي رداء أبيض اللون فضفاض, يقول بحزن:
الرَّاوِي: دخلوا المدينة النائِمَة, وبسهولة سَبَوا ما سَبَوا منها من النساءِ’ والغلمانِ, والفتيات, ثم أخذوهم معهم بعد أن رفعوا رايتهم على المدينة النائمة, كانت بينهم فتاة ذو العشرون ربيعاً, كانت سوداء اللون برغم جمالها, أرادوا بيعها في سوق النِخَاسَةِ وكذلك فعلوا, وقد اشتراها ذاك التاجر الغَضُوب
يخرج الراوي ليُنِيرَ المسرح فيدخل التاجر الذي يرتدي عِمَامةً بيضاء على رأسه, عباءة بُنيَّة اللون مُزركشة تنم عن ترفه, يدخل وهو يجر “التَّيْمَاء” كالمعزاة حيث أوثق يديها بالحبال يجرها بهم ولا يستر جسدها سوى رداء رمادي بالٍ, وسخ, مُمزق, أُناس كثر في السوق يشترون ويمشون ومن بينهم الملك “غُول” حيث يكون مُتخفياً برداء طويل حتى لا يعرفه الشعب, تقع التيماء أمام رجلي الملك بحيث يتوقف فور رؤيتها
التاجر: هيَّا أيتها اللعينة المَاكِرة, قفي ولا تؤخريني أكثر مما فعلتِ
الملك: مَهلك, لماذا تقودها هكذا وكأنها عَنْزَة؟ ألا تمتلك أي نوع من الرحمة يا هذا؟!
التاجر: وما شأنك أنت, هي عبدتي وليست عبدتك أنت!
انحنى الملك لها ورفع رأسها عالياً حيث نظرها كما هي, كانت نظراتها حزينة, بائسة, مُتعبة
التَّيْمَاء: أرجوك, أريد بعض الماء
أشار الملك لتابعه بأن يُعطها بعض الماء ولكن قبل ذلك منعه التاجر من أن يعطها قائلا:
ماذا تفعل؟ اهتم بشؤونك يا هذا وابتعد عن أملاك غيرك
الملك: سأشتريها منك
التاجر بُسخرية: هه, وماذا ستستفيد من عبده سوداء مثلها!
الملك: وماذا ستفعل أنت بها؟
التاجر: اشتريتها لتقوم بأعباء المنزل وحسب, فبماذا تفيد فتاة سوداء كهذه برأيك؟
الملك: كم تريد لقاءها؟
يُظلم المسرح مرة أخرى حيث يدخل الرَّاوِي ليقول:
الرَّاوِي: واشتراها الملك بثمنٍ غالٍ, وأخذها للقصر الأغلى, وطلب من مُدبرة القصر من أن تهتم بها خير اهتمام, ولكنها بقيت جارية في القصر وحسب, فهذه هي المكانة المُتعارف عليها “للون الأسود”.
المشهد الثاني:
تعُم الظُّلمة مرة أخرى على خشبة المسرح, بينما هناك ضوء يُسلَّط على الرَّاوِي الذي يدخل ليقول:
الرَّاوِي: أمَّا في بقعة أخرى من الأرض فهناك كان يقبع البَيْهَسْ, هو ابن أخ الملك ومن يرغب بعرشه وبشدة, أحبَّ فتاة شقراء لون الشعر, زرقاء لون العينين, وبعد مُوافقة الملك على زواج ابن أخيه بمن أحب قلبه, بدأ هو أيضاً يشعر بخفقات قلبه تجاه التَّيْمَاء, وبعد انتهاء حفل الزفاف المهيب طلب الملك التَّيْمَاء لمخدعه ليُصارحها بمكنونات قلبه قائلاً:
يخرج الرَّاوِي ليدخل الملك خشبة المسرح التي أُعدت وكأنها مخدع, سرير الملك الفخم موجود, ستائر بيضاء اللون شفافة خفيفة موجودة على جدران المسرح, شمعدانات مَلكية في كل زوايا المسرح, نافذة مفتوحة يُطل منها القمر المُكتمل بضوئه المُنير, الملك واقف وهو يرتدي رداء ملكي, عمامة ذهبية اللون فوق رأسه, عباءة سوداء اللون مُزركشة بزركشة فضيَّه, يقف ينتظر دخول التيماء, دخلت التيماء مطأطئة الرأس وهي ترتدي راء جميل مُزركش يزيدها جمالاً بالإضافة لقرطي لؤلؤ ترتديهما في أذنيها
نظرها الملك بابتسامة قائلاً: ارفعي رأسكِ أيتها الجميلة
وما إن رفعت رأسها ونظرته بعينيها حتى قال لها وهو يقترب منها يقف أمامها
الملك: مُذ رأيت هاتين العينين لم أستطع من أن أنساهما أو أزيل صاحبتهما من فكري
التيماء بحزن: أنا مجرد عبده سوداء لا قيمة لها بين الملوك يا مولاي الملك
الملك: قد أسرتني بلون عينيكِ, وأغرقتني بهما
التيماء: أجل, عيناي تشبه عيناي والدتي الشركسية ولكن ..
الملك: ولكن؟
التيماء: بشرتي السوداء, ورثتهما من والدي
الملك: ما يعيبكِ هذا يا تيماء
التيماء: أظل عبده
الملك: فور دخولكِ من هذا الباب ووقوفكِ ها هنا أمامي يتغير كل شيء, أنتِ من الليلة وصاعداً ستكونين مَحْظِيَّة الملك
التيماء تشيح بوجهها قائلة بهدوء: لا
الملك: ماذا؟ وترفضين أمر الملك!
تنظره التيماء ثم تدور حوله وهي تقول: قد مَنَنْتَ عليَّ برحمتك أيها الملك الجليل وخلَّصْتَني من قيود الاستعباد, فلماذا تُعيدني لتلك القيود مرةً أخرى؟
صمت الملك وهو ينظر أرضية المسرح بينما هي كانت تقف أمامه ثم قالت وهي ترفع رأسه ليرى عينيها
التيماء: هناك شيء واحد فقط عليك فعله لتمتلك هذا الجسد الذي ترغب
اقتربت من أذنه هامسة: عليك أن تتزوجني
يُظلم المسرح ليدخل الرَّاوي والضوء مُسلَّط عليه: “عليك أن تتزوجني”, هذه هي الجملة التي نطقت بها التيماء, وبالفعل قد تزوجها الملك.
يخرج الرَّاوِي من المسرح ليدخل “المُحْتَار المجنون” وهو يرتدي ملابس بالية ممزقة رثَّه, يقول بطريقة الجنون:
أَعْجَبُ مِن الملوك, أَعْجَبُ من المُلوك, يتذوقون اللون الأبيض ثم يرغبون بتذوق اللون الأسود, هم مُلوك وسيظلُّون ملوك يمتلكون كل ما يرغبون حتى وإن كان اللون الأسود
يخرج من خشبة المسرح وهو يضحك ضحكاً جنونياً.
المشهد الثالث:
المسرح مُعَد وكأنه غرفة عرش الأمير البَيْهَسْ, عرش موجود ومزركش بزركشة فخمة, ستائر حمراء اللون ثقيلة على الجدران, شمعدانات في كل زوايا المسرح, يدخل الأمير وكله غضب حيث يرتدي زِيَّا أمِيرياَ, بنطال أسود اللون فضفاض مع قميص أسود مزركش بالزركشة الذهبية اللون, ورداء طويل يسحب خلفه أحمر اللون, خلفه تمشي زوجته الشقراء التي تضع تاجاً بسيطاً على رأسها, ترتدي فستاناً أميرياً جميلاً, وتزين رقبتها بعقد جميل, مع قرطين في أذنيها.
البيهس: كيف يخطئ عمي مثل هذا الخطأ الشنيع, كيف يتزوج بعبده سوداء, هل نفذت المملكة من فتيات النُبل والشرف البيضاوات؟!
زوجته: هدئ من روعك يا عزيزي, علَّها هفوة وتنتهي فيما بعد
يجلس على عرشه غاضب ثم يقول: على هذه الهفوة من أن تنتهي اليوم لا غداً
المشهد الرابع :
يُظلم المسرح ليدخل بعدها الرَّاوِي ويقول:
الرَّاوِي: وذهب الأمير الغاضب للملك ليُحَادِثه بأمر السوداء وكذلك فعل, ولكن الملك غضب غضباً شديداً منه فطرده من المملكة, عاد الأمير بغضبه لمقاطعته وهو يهدد ويتوعد بالويل والهلاك للسوداء, وبعد مُدة مرض الملك مرضاً شديداً لم يستطع حكماء المملكة من أن يفعلوا له شيئاً … ومات الملك.
يخرج الراوي فيُنير المسرح باللون الأحمر والأرجواني ليدخل أربعة جند يحملون نعش الملك الميت ليذهبوا به للمقبرة, يمشي خلف الجنازة كل من الأمير البيهس وبعض نُبلاء المملكة, يدخل المُحتار المجنون مرتدي ملابس تنم عن فقرة الشديد, بالية ممزقه, يرى الجنازة ثم يقول:
المُحتار: إنه الملك, في ذاك النعش, هل يمتون؟!
ظننتهم لا يفعلون!
إنهم مثل العبيد إذاً يموتون!
هم بهذا الشأن يُشبهون عبيدهم, يموتون وبعدها يُدفنون, تحت التراب, في حفرةٍ ضيِّقه
إنهم يموتون!
يموتون!
يموتون!
يجري خلف الجنازة وهو يضحك إلى أن يخرج من المسرح, يُظلم المسرح.
المشهد الخامس:
تدخل الجُلَّسَان زوجة الأمير البيهس خشبة المسرح المُعدة كمجلس الملكة التيماء الخاص, ستائر بيضاء شفافة مُعلقة على كل جدران المسرح, شمعدانات مضاءة في كل الزوايا, تقترب الجلسان بتعالٍ من الملكة الجالسة على الكرسي مطأطئة الرأس في حزن وهي تضع يدها اليمنى على رأسها
الجُلَّسَان: ما بها الملكة مطأطئة الرأس هكذا حزينة؟
ترفع رأسها التيماء لتقول: وما لكِ والملوك يا جُلَّسَان!
الجُلَّسَان: الأميرة الجُلَّسَان, ثم أنا هي من ستكون الملكة من الآن فصاعداً
التيماء تبتسم بسخرية ثم تقول: أجل, بالتأكيد, مات الملك فيأتِ بعده ملك آخر
الجُلَّسَان: وملكة أخرى, ولكن ملكة بيضاء
التيماء: أصبحتُ ملكة, برغم سواد بشرتي أيتها المُتعالية!
الجلسان وهي تدور حول كرسي التيماء وهي تنظرها: ولكنَّ السَّوَاد يظل سواد, أمَّا البياض فيكون بياضاً ذو مرتبةٍ أعلى وأسمى, أتساءل فقط ما الذي سيفعله البيهس بكِ؟
التيماء: قد خُلقنا من فوق سبع سماواتٍ عُلا أحرار, فاستعبدتمونا, فخطأ من هو هذا أيتها المتعالية؟!
الجُلَّسَان: هو خطأ بشري, أعترف بذلك, ولكن من هو هذا الأحمق الذي سيقبل بالسواد في حياته؟!
تمشي الجُلَّسَان تريد المُغادرة ثم تتوقف لتقول وهي تلتفت للتيماء: حتى وإن وُلد ذاك السواد حُر
تجلس التيماء وكلها حزن على المقعد وتطأطئ الرأس ثم يُظلم المسرح ليدخل الرَّاوِي يقول:
الرَّاوِي: وتنصب الأمير البيهس ملكاً على المملكة, وأول قرار خطته يداه هو حبس الملكة السوداء وتقييدها بالسلاسل الحديدية طوال حياتها, كل هذا عانته هذه الفتاة المسكينة فقط .. بسبب السَّوَاد.
المشهد السادس:
خشبة المسرح معدة وكأنها مجلس للملك, يكون عرش الملك موجود, شمعدانات في كل زوايا المسرح, ستائر حمراء اللون ثقيلة على الجدران, الملك البيهس جالسا على عرشه وكله عنفوان وغرور, تقف لجواره زوجته الجلسان, تدخل التيماء مكبلة بالسلاسل الحديدية لتقف أمامه
البيهس: وأخيراً عُدْتِ كسابقِ عهدك, كعبده
التيماء: يالَ غرور الملوك!
البيهس: كنتُ أميراً يهابني الجميع, والآن أنا ملك يهابني كل من بالمملكة
التيماء: أنت ملك يهابك الفقراء فقط, ولكن أصحاب السلطةِ, والنبلِ, والجاه في هذه المملكة لا يفعلون, بِئْسَ الملك أنت!
البيهس بغضب: ويحكِ أيتها السوداء!
التيماء: أجل, أنا سوداء اللون, وأحمد الخالق وحده لأنه خلقني سوداء لا بيضاء, حتى لا أبغي على من هم عبيد مثلي
ينهض البيهس من جلسته على العرش ويقترب منها بغضبه ليصفعها على خدها الأيمن
تلتفت له بهدوء لتقول : أهذه هي رجولتك, تصفع امرأةً مُكبلةً بالسلاسل!
البيهس: بل أصفع عبده, وسأعيدكِ فيما بعد لسوق النخاسة كما كنتِ سابقاً
يُظلم المسرح ليدخل الراوي ويقول:
الرَّاوِي: وزجُّوا بها بالحبس, عاملوها بقسوةٍ شديدة, حتى الحيوانات لا تُعامل بتلك الطريقة البشعة!
المشهد السابع والأخير:
المسرح مُظلم ينم عن ظُلمة السجن الذي زُجَّت فيه الملكة السوداء, هي جالسة على خشبة المسرح وشعرها يُغطي وجهها ومطأطئة الرأس, ترتدي ملابس بالية مُمزقه, ترفع رأسها شيئاً فشيئاً ثم تنظر الجمهور, بعدها تمسك بيديها القضبان وتقف رويداً ثم تقول بحزن شديد
الملكة السوداء: وُلِدتُ حُرَّة, وعشتُ حُرَّة, حتى بلغتُ العشرون عاماً, ثم أتوا وأسروني, قالوا بأني عبده, لماذا؟
سألتهم أجابوني ..
وهل علينا من أن نجيب اللون الأسود, ليس ذنبي, هو من فوق سماواتٍ عُلاَ قد خلقني بلونٍ أسود, أسروني وقيدوني وعذبوني فقط .. لبشرتي السوداء, ولكن القدر عاد وأنصفني وزوجني من ملك, فأصبحت ملكة, ولكنهم ظلُّوا يقولون لي الملكة السوداء, لازال اللون مُلتصقاً بي برغم مُلُوكِيّتِي, والآن بتُ أسيرةً مرةً أُخرى بسبب هذا السَّوَاد, فإلى متى؟ إلى متى؟ إلى متى؟!
تسقط على خشبة المسرح مطأطئة الرأس وشعرها يُغطي وجهها.
النهاية