رشيد بن مصطفى: المسرح فن لا يتسلم قيادته إلا فنان مؤثر في الجماعة الإنسانية
محمد المحسن | كاتب صحفي تونسي
“ما الدنيا إلا مسرح كبير”، تلك عبارة شهيرة ذكرها الكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير (1564م-1616م) في إحدى مسرحياته، لتمثل منذ ذلك الحين فلسفة مختصرة للحياة، وكانت لاحقاً من أبرز العبارات التي نطق بها عميد المسرح العربي، الراحل يوسف وهبي، في أحد أفلامه. والمسرح، الذي يعتبره كثيرون لا أهمية له، تنتشر أعداد لا حصر لها من المؤلفات بجميع لغات العالم، تتحدث عنه وعن أهميته وتأثيره على الناس. الممثلون أنفسهم يقدسون العمل المسرحي، ويفضلونه على أقسام الفنون التمثيلية الأخرى في السينما والتلفزيون والإذاعة. واعترافاً بأهميته،أُطلق على المسرح لقب “أبو الفنون”
والسؤال هنا: ما تلك الأهمية التي تُميز هذا الفن عن غيره ليُطلق عليه هذا اللقب؟
ردا عن- هذا السؤال – يقول الأستاذ والمخرج المسرحي رشيد بن مصطفى (أصيل جهة تطاوين):
“يعتبر المسرح أول الفنون التي عرفتها البشرية، إذ تشير البحوث التاريخية إلى أن الحضارات القديمة في العالم، كالفرعونية واليابانية واليونانية، اهتمت بالمسرح، وهو ما تؤكده مواقع للمسرح مكتشفة بالمعابد، فضلاً عن المسارح العظيمة التي ما زالت آثارها شاخصة حتى يومنا هذا.”
ثم يضيف محدثي (الأستاذ رشيد بن مصطفى) :” “أبو الفنون أيضاً، لأن المسرح يجمع الفنون جميعها؛ فالمسرحية مبنيّة على الرواية،هذا الفن القصصي الجميل، وتدخل فيها الموسيقى، وأحياناً الغناء والرقص.
وفي المسرحية لا بد من وجود التصوير وهو فن قائم بذاته، أيضاً لا بد من دخول فنون التصميم والديكور والزخرفة والإضاءة. بالإضافة إلى هذا، تستعين بعض المسرحيات بالنحت والرسم وغيرهما من الفنون.
وينقسم المسرح إلى قسمين: التراجيدي والكوميدي،لكن نوعية المسرحيات تبقى الفاعل الأكبر في التأثير على المجتمع بالاعتماد على تكامل عناصر نجاح المسرحية، وعدم الإخلال بأي من هذه العناصر، التي من أهمها النص والحبكة والشخصيات واللغة والأسلوب والزمان والمكان.”
أما عن فوائد المسرح في حياتنا يقول محدثي:
“أعطني مسرحاً، أُعطك شعباً مثقفاً”، هذه تعتبر العبارة الأشهر التي قيلت بحق المسرح. وعلى الرغم من أن الباحثين اختلفوا على شخصية قائلها، فإن أكثر الترجيحات تميل إلى أرسطو أو إفلاطون، وهي عبارة أثبتت صحتها بمرور الزمن. فالمسرح أثبت أن له فوائد كبيرة ومهمة للفرد والجماعة،وقد لخَّصها مختصون في علم الاجتماع،بأن المسرح يجسد الواقع بصوره المتعددة،ويتوصل إلى حلول لمشاكل المجتمع. وذكروا أيضاً أن المسرح يزيد نسبة الوعي بين الناس، ولكونه يتطرق إلى قضايا آنية، فهو يعالج المشاكل الاقتصادية التي قد تواجه البلاد أو مجموعة أو أفراداً. ويعتبر المسرح أيضاً، بحسب رأيهم، علاجاً شافياً؛ حيث يعدّ نوعاً من التسلية التي تريح النفس، وتدخل إليها البهجة والسرور؛وهو ما يساعد على الاسترخاء ونسيان المشاكل وتعقيدات الحياة؛ فيسهم في علاج الأمراض النفسية والعصبية التي بدورها قد تؤدي إلى مشاكل صحية عضوية.
وفضلاً عن ذلك، يرى المختصون أن المسرح يساعد المفكرين والجهات الحكومية والمجتمعية في نشر المفاهيم والقيم والتوعية والتوجيه والإرشاد، وهو ما يلاحَظ في المسرحيات الوطنية، التي تحث على حب الوطن والدفاع عنه والحرص على حماية خيراته، وصيانة موارده ومكتسباته والحفاظ عليها. بالإضافة إلى هذا كله، وجَّه العديد من الفنانين، من خلال المسرح،رسائلهم المعارِضة لأنظمة الحكم الديكتاتورية التي حكمت بلدانهم، وهو ما يتضح في العديد من المسرحيات، ومنها مسرحيات عربية.”
ختاما يقول محدثي الأستاذ رشيد بن مصطفى: “إذا كان من المسلَّم به أن في قدرة المسرح أن يلقن الشعب وطلاب العلم ما تلقنه المعاهد والجامعات،وإذا كان من المقطوع به أن أثر المسرح في تنمية الوعي وتطوير الملكات لا يقل بأي حال عن أثر المدرسة والجامعة فهل يجوز لنا أن نقتصد في بناء المسارح وإعداد العدة لتكوينها مع علمنا بأنها إحدى الدعامات الأساسية في بناء نهضتنا؟ فمن التراث الإنساني ما هو صالح لنهضتنا الحديثة وتكويننا الجديد ومنه ما هو غير صالح،من أجل ذلك كان علينا عند نشر الوعي والثقافة أن نكون على بصيرة بما نقوم به، لأنه (المسرح) الفن الذي لا يمكن أن يسلم قيادته إلا فنان قادر على التأثر بالجماعة الإنسانية التي يعيش معها والتأثير فيها… فالمسرحية تتجاوز تجربة الفرد في القصيدة والشعر إلى تجربة الجماعة كذوات متواصلة متأثرة ببعضها، وتتعدى القصة من نثر خيالي للقراءة إلى حياة تدب على الخشبة لكافة الشخوص والأحداث فضلا عن اشتماله للأزياء والإكسسوارات والمؤثرات الضوئية والصوتية”.
وأنا أختم بالقول: للمسرح دور كبير في تحفيز التغيير الاجتماعي والتذوق الجمالي للكيان الإنساني، كما هو أداة فعالة للتعبير عن الرفض والاحتجاج بطرق سلمية تهدف إلى تغيير اجتماعي ما. وما يعزز هذا الدور هو أن الممارسة الفنية مزيج من الاتصال والمحاكاة والتشكيل والمعرفة. هذا الدور يبدأ في سن مبكرة بتغذيه الفكر والتفكير الصحيحين في كيان البراعم حتى تبلغ أشدها.
فالعمل على انشاء مسارح تربوية هادفة تبلور شخصية الطفل نفسياً واجتماعياً وتوجه الأفكار الشابة التي تشارك في التأليف والتمثيل اشباعاً لرغباتها وطاقاتها، تلك التي تتشكل في عمر خطير تنعكس نتائجه على مستقبل الأمة. ولا يقتصر النشاط المسرحي على المدرسة أو الجامعة فحسب فهناك المسرح الجوال ومسرح المقهى ومسرح الشارع وأنماط أخرى كثيرة. لكل منها جمهوره بمشاكله وآلامه وطريقة تعبير تتناسب مع بيئته الحاضنة. وهذا ما يحفزنا على تحميل الشاب رسالة اجتماعية هادفة تجعله قدوة جذابة يحتذي بها أبناء جيله والأجيال الصاعدة التي تبني عليها الأمة آمالها وتطلعاتها لمستقبل واعد. رسالة تحمل المناقب والأخلاق والدفع للمشاركة في الصراع الحضاري كحجر أساس لبناء وطن متماسك يكون صداً منيعاً في وجه الهجمات الغير حضارية التي نواجهها الآن على شكل صور وأنماط مختلفة.
أخيراً آمل أن يزداد الاهتمام بالمسرح عامة والمسرح الجامعي بصورة خاصة، ألم يقل “.وليم شكسبير: “اعطني خبزاً ومسرحاً أعطيك شعباً مثقفاً”
على سبيل الخاتمة :
سألت المخرج المسرحي التونسي القدير رشيد بن مصطفى قائلا : هل المسرح فضاء حقيقي؛و كيفَ نُحلِّقْ من خلاله ؟
فأجابني بهدوئه المعتاد: “نعم فضاء حقيقي لذا اخترته بعد تجاربي مع الشعر والرسم وكتابة القصة، كان ضالتي التي وجدتها، فالمسرح-افتراضاً- هو صورة عن الواقع، صورة تختلف أو تتشابه تماماً معه، أفهم أن المسرح هو الإنسان، والإنسان يتمسرح في كل لحظاته، يمثل عفوياً أو عن قصد. وبما أن المسرح مساوٍ للإنسان فإنه الفضاء الذي يحلق فيه، فيه يمارس لعبته أو يمارس إنسانيته، فيه يرى نفسه أو يرى الآخرين. والحكاية، هو الرقص والموسيقى،فيه يبدع الإنسان،يكون في أجمل صوره، أو أقبحها..المسرح مجموعة من خبرات بشر، ليس عملاً فردياً،يولد فردياً ويتلقى فردياً، المسرح يجر الجمهور حتى ليكونوا جزءً منه.هو تركيبة من فنون،هو الشعر والرسم..”