زحف الرموز الوامضة!

عليّ جبّار عطيّة | كاتب عراقي
أخرجني خبر قصف مسرح الدراما في مدينة ماريوبول بأوكرانيا في السادس عشر من شهر آذار الجاري من منطقتي الخضراء إلى متابعة ما يجري في ذلك البلد الذي تصدرت معاناته نشرات الأخبار.
أنكرت وزارة الدفاع الروسية مسؤوليتها عن القصف، وقالت في بيانٍ لها :(في السادس عشر من آذار ، لم تقم القوات الجوية بتنفيذ أي مهام متعلقة بقصف أهداف أرضية في ماريوبول) واتهمت (مسلحي كتيبة آزوف) بارتكاب استفزاز دموي جديد بتفجير مبنى مسرح كانوا قد قاموا بتلغيمه.
وتابعت : (كان معروفاً سابقاً من اللاجئين الذين فروا من ماريوبول، أنَّ النازيين من كتيبة آزوف استطاعو احتجاز المدنيين كرهائن في مبنى المسرح، باستخدام الطوابق العليا كنقاط إطلاق نار) .
وبينت أنَّ (المسرح لا يعد هدفاً للقصف نظراً لما يحمله ذلك من مخاطر على حياة السكان المدنيين)


  لم تتضح دوافع القصف على المسرح المكون من ثلاث طبقات، ويحتمي في ملجأه نحو ألف شخص مدني، ولم تُعرف الجهة المرتكبة له، وهل هي نيران صديقة أو عدوة، أو هو حسب تعبير وزارة الدفاع الروسية (استفزازٌ مدبَّرٌ بالكامل من جانب نظام كييف، هدفه المحافظة على الضجيج المعادي لروسيا لدى الرأي العام الغربي)؟
لكنَّ المهم أنَّ أغلب المحتمين فيه خرجوا سالمين بانتظار الفرج عن أكثر من ٤٤ مليون شخص هم عدد سكان أوكرانيا يعيشون في ٢٤ ولاية .
سحبني الخبر إلى متابعة تداعيات هذه الضربة مع أنَّ وزير الثقافة الإيطالي داريو فرانتشيسكيني تعهد بإعادة بناء المسرح، وكتب في تغريدةٍ له على تويتر: (وافقت الحكومة على اقتراحي بتقديم الموارد والوسائل لأوكرانيا لإعادة بنائه في أسرع وقت ممكن)، مضيفاً : (مسارح جميع البلدان ملك للبشرية جمعاء).
كنتُ قبل هذا أبدو ككائن قادم من كوكب آخر حين أُسأل عن الأخبار المتعلقة بحرب أوكرانيا فألتزم الصمت،  وهي وسيلة دفاعية اتخذتها للتقليل من الخسائر النفسية الكبيرة جراء متابعة الكوارث !
رغبتي بالسلام تغلبت على فضولي بمعرفة الأخبار.
في كتابه (إدارة المنظمات) الصادر عام ١٩٦٤م استخدم أستاذ العلوم السياسية وعالم الاجتماع الأمريكي برترام مايرون غروس (١٩١٢م ـ ١٩٩٧م) مصطلح (المعلومات الزائدة) للتعبير عن تلك المعلومات الكثيرة المشوشة للفكر التي نتلقاها يومياً بدافع الفضول، وتكون عبئاً علينا وتسبب لنا أضراراً نفسية هائلة.
في دراسة أجراها  الدكتور لاري روزين الخبير في مجال التواصل الاجتماعي من جامعة كاليفورنيا استطلع فيها آراء ألف من مديري الأعمال في جميع أنحاء العالم بشأن تصوراتهم عن المعلومات الناتجة عن التكنولوجيا رأى أكثر من ٦٠٪ منهم أنَّ فائض المعلومات جعلهم يشعرون بالتوتر.
ترى  الأستاذة المساعدة في جامعة كاليفورنيا،  دانا روز غارفين أنَّ (الإفراط في متابعة وسائل الإعلام، يرتبط بالضيق النفسي).
ما الحل لاستفحال ظاهرة ما تسمى بـ( الرموز الوامضة ) التي أحالت حياتنا إلى سلسلة من الإشعارات المتواصلة تأتينا على مدار الليل والنهار بأجهزة حديثة مغرية تجعل كل شيء يبدو مهماً للغاية في حين هناك الكثير من التفاهات؟
هل الحل في العودة إلى الريف والارتماء في أحضان الطبيعة ؟
هل الحل في التجاهل الواعي لهذا السيل الهائل من المعلومات والتفاصيل ومقاطع الفيديو في مواقع التواصل الاجتماعي؟
أتساءل : هل يمكن إيقاف الشبكة العنكبوتية ولو لساعة  كل يوم للوصول إلى التوازن النفسي والعودة إلى السلام الداخلي الذي افتقدناه بعد أن أصبح التصفح بدل القراءة سمة العصر، وحولتنا الأنظمة الذكية للأجهزة إلى آلات تفكر هي بدلاً عنا !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى