فكر

أصدقاء عشت معهم، وما زلت

بقلم: عماد خالد رحمة ـ برلين

من خلال دراستي الجامعية، وما بعدها، وفي بلاد المنافي، أقمت علاقات صداقة متينة مع عدد كبير من الكتّاب والمفكرين والفلاسفة والمبدعين، وامتدت صداقاتي إلى رجال الفكر والعلم والثقافة والمعرفة والفن من خلال كتبهم وأبحاثهم، وبخاصة أعلام تراثنا العربي، حتى خلتهم أمامي، أحاورهم، وأجادلهم، وأنهل منهم، وأتعلّم على أيديهم. حتى باتوا بالنسبة لي أحياء. تطوف أرواحهم حولي. وخلت أنني أحضر معهم مناظراتهم، والتي كانت إحداها بين أبي سعيد السيرفي (٢٨٨ هـ‍ – ٣٦٨ هـ) وبين متّى بن يونس سنة (٣٢٦ هـ) في مجلس الوزير ابن الفرات، حيث كان يجلس عن يميني قدامة بن جعفر، وأبا حيان التوحيدي، وعن يساري ثلّة من العلماء الأجلّاء، كانت المناظرة الساخنة عن الحديث، والفقه، والفرائض، واللغة، والصِرف، والنحو، والشعر، وعلم الكلام. تلك المناظرة دامت لأكثر من أسبوعين، كانت تُعقَدُ يوميّاً ولساعاتٍ طويلة .
قرأت مطولاً في مجال الاختلاف المحمود، وهو اختلاف تنوع وتعدّد، وهو عبارة عن الآراء المتعدِّدة التي تصبُّ روافده في مشربٍ واحد، ومن ذلك ما يُعرَفُ بالخلاف الصوري، والخلاف الاعتباري، والخلاف اللفظي.

    كنت أشارك في مخيالي طلاب العلم والمعرفة، وأدوّن مثلهم المعلومات الهامّة على كثرتها. كان من الطلاب علي بن المستنير، ومحمد بن محمد بن عيّاد النحوي المقرئ، وابن خالويه، وأبو محمد الزبيدي، وعلي بن حمزة البصري صاحب كتاب (التنبيهات)، وأبو الحسن الورّاق صاحب كتاب (علل النحو)، ويوسف بن الحسين بن عبد الله الرازي، ومعه الإمام العارف ذي النون المصري، وقاسم الجوعي، وأحمد بن أبي الحواري، وأبي تراب عسكر النخشبي، ودحيم، وأبو محمد السيرفي، وإسماعيل بن حماد الجوهري صاحب (الصحاح) وغيرهم . هم جميعاً أصبحوا أصدقاء لي. وكان لي صديق اعتز به هو هلال بن محسن الصابئي الذي كان واسع الاطلاع، ومؤرِّخاً وكاتب (الدواوين)، المتشعِّب المعرفة، الشديد الاستقصاء والتمحيص والتدقيق، فقد كان ساعٍ دائم إلى التثبيت من دون الاقتصار على مجرد النقل وتسويد الصفحات بلا دليل عاضد.
أما الصديق الصدوق فقد كان أبي سعيد السيرفي، الذي أمضيت معه رَدحاً من الزمن، تجولت بين حروفِهِ وكلماتهِ وكتبهِ التي زادت على خمسة عشر كتاباً منها : ١- أخبار النحويين البصريين . ٢- الاقناع في النحو، في ثلاثمئة ورقة، وأتمه ابنه ابو محمد يوسف .٣- ألفات القطع والوصل في ثلاثمئة ورقة .٤- تعاليق فيها اختيارات شعرية ونثرية. ٥- تعليقات على الجمهرة، وهي مثبتة على حواشي الجمهرة المطبوعة. ٦- جزيرة العرب .٧- جواب مسائل وردت إليه. ٨- رسالة في قولهم: شلّت يده .٩- شرح كتاب الإيمان لمحمد بن الحسن الشيباني .١٠- شرح كتاب سيبويه، وهو أهم آثاره على الإطلاق، ويقع في ست مجلدات كبار. ١١- شرح مقصورة ابن دريد. ١٢- شواهد كتاب سيبويه. ١٣- صنعة الشعر والبلاغة .١٤- المدخل إلى كتاب سيبويه. ١٥- الموقف والابتداء.
ها هم بعض أصدقائي، لقد عشت معهم عمراً مديداً وما زلت أعيش مع بعضهم الآخر بشكلٍ يومي أمثال: المعتزلي أبو عبد الله محمد بن عمر الصيمري، مؤلف كتاب :(المسائل والجوابات). وكتاب (نقض كتاب ابن الروندي في الطبائع). وكتاب (نقض كتاب البلخي المعروف بكتاب النهاية في الأصلح). والقاسم بن محمد بن بشار الأنباري مؤلف كتاب الأضداد، وكتاب شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات، وكتاب شرح الألفات المبتدئيات في الأسماء والأفعال. وأبو الحسن الأخفش الصغير النحوي البغدادي، وأبو اسحق الزجاج النحوي البغدادي من العصر العباسي، وأبو بكر السرّاج من مشاهير النحاة وأئمة الأدب في بغداد، وابن دريد الأزدي من مشاهير النحاة وأئمة الأدب في بغداد مؤلف كتاب (الأصول في النحو) و(شرح كتاب سيبويه)، وكتاب (الشعر والشعراء)، و(الموصلات والمذكرات)، وكتاب (الخط والهجاء). وابن عرفة المعروف بـ (نفطويه) إمام حافظ، إمام من أئمة النحو، فقيه ظاهري، وأبو محمد السكري، وابن مجاهد، ومحمد بن القاسم الأنباري مؤلف كتاب الأضداد، وأدب الكاتب، والأمالي، والألفات، الكافي في النحو، اللامات، الهاءات، الواضح في النحو، المذكر والمؤنث. وأبو عمر المطرز غلام ثعلب، ومحمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن، بن مقسم العطار، أبو بكر: عالم بالقرآات والعربية، من أهل بغداد.. وغيرهم وغيرهم .
هؤلاء كلهم اصدقائي. وأنتم يا أصدقائي في مخيالي الواقعي على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، أشكركم جميعاً لأنكم منحتموني الحب والتقدير والسعادة. أنا مدين لكم بعمري. آمل دوام التواصل على قاعدة القبول بالآخر وحرية التعبير والتقدير والاحترام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى