قراءة في كتاب الأسير المُحرّر أحمد الشويكي “على بوّابة مطحنة الأعمار”

بقلم: رفيقة عثمان أبو غوش  


صدر كتاب بعنوان: “على بوّابة مطحنة الأعمار” رواية أسير فلسطيني، للأسير المقدسي المُحرّر بعد عشرين عامًا من الأسر، أحمد صلاح الشّويكي، منذ عام 2002، قدّم المقدّمة المحامي حسن العبّادي من حيفا. تخلّلت النصوص أحداث ومواقف متعدّدة وأليمة واجهها الأسير خلال اعتقالهه، منذ 2002 عندما اعتُقل طفلًا في الرّابعة عشر من عمره؛ وإصابته برصاص قوّات الاحتلال في يده، واستشهاد صديقه سامر.
كُتب على غلاف الكتاب، كتصنيف للجّنس الأدبي رواية، وبرأيي من المُمكن تصنيف الكتاب سيرة ذاتيّة من أدب السّجون.
سجّل الأسير الكاتب الفلسطيني المقدسي، الصّور المختلفة لجميع أنواع المعاناة واستخدام كافّة أنواع التّعذيب في السّجون الإسرائيليّة المختلفة الّتي تنقّل بينها خلال فترة سجنه. تناول الكاتب سرد الأحداث بمصداقيّة وسلاسة، ونجح في وصف المعاناة القاسية، وتفاعلاته أثناء وجوده بين القضبان؛ على الرّغم من صغر سنّه، إلّا أنّ السّجن كان له مدرسة من الخبرات والتّجارب القاسية، والتي جعلت منه رجلا يافعًا، وجعلته يتعامل مع الأحداث بحنكة وقوّة صبر.
لغة الكاتب أدبيّة وانسيابيّة، لا تعقيد فيها، واشتملت على الوصف الدّقيق للأحداث المؤلمة. من الجدير بالذّكر أنّ الّصوص بحاجة غلى تنقيح لغوي.
استخدم الكاتب أسلوب الأدب السّاخر “الكوميديا السّاخرة” في سرد بعض الأحداث المؤلمة؛ بحيث كتب مواقف مؤثّرة بأسلوب ساخر، يُضحك القارئ ويُبكيه في آن واحد؛ كما يقول المثل العربي: “شر البليّة ما يُضحك” واستطاع بذلك فضح السّلوكيّات الناقصة داخل السّجن، ويتفاعل معها القارئ بكل حواسه، وهذا ما حصل معي فعلًا، ضحكت في سرّي ونزلت دموعي متأثّرة بهذا السّرد المؤلم.
أعرض بعض المواقف، كما ورد صفحة 52 عندما القتررح على صديقه المسيحي، بأن يصلي الجاعة معه يوم العيد، قال له الصديق: “لا اعرف كيفيّة أداء الصّلاة” اقترح عليه الأسير بأن يُقلّده بحركاته، وفعلًا هذا ماحصل، لدرجة بأنّه قلّده أثناء حكّه لجلده أثناء الصّلاة، كلّما حك أحمد جلده، كذلك قلّده.
موقف آخر كما ورد صفحة 30 عندما صنعت أم أحمد مقلوبة لثلاثين سجينًا، وقام الضّابط بإرجاعها وعدم قبولها؛ ونعت أم الأسير بالمجنونة. موقف ساخر آخر عندما حضرت جدّة الأسير للسّجن واستعطفته، بقولها بأنه ستموت قريبًا وترغب بمعانقة حفيدها، وسمح لها بذلك؛ وعادت الجدّة بعد فترة محاولتها، إلّا أنّ الضّابط قال لها: “ألم تموتي بعد؟” وبالطبع رفض طلبها وطردها.
حدث آخر أثّر بي جدّا، عندما أعلن عن اسم أحد الأسرى بالإفراج، بصفقة تبادل الأسرى، فقام الأسير بالصّلاة ركعتي شكر لله، وبعدها تبيّن بأنه غير المقصود، وهنالك تشابه بالأسماء؛ وكان الغضب كرد فعل للأسير الخائب قائلًا: “أنا لم أكن أصلّي، أنا لست مؤمنًا لتختبر صبري، كل ما كنت أفعله هو حركات رياضيّة وليس لها علاقة بالصّلاة”.
موقف إضافي عندما طبخ الأسير ( منسفًا)، وتبيّن بأن أحد الصّحون كان طعمه حلوًا، عندما تدارك الأمر، وضع الصّحن جانبًا؛ ليأكل هو وفريقه منه، وليتجنّب الانتقاد، وعندما جلس مسؤول القسم الجلوس علىى نفس الطّاولة، نصحه بالانتقال لغيرها أفضل، إلا أن المسؤول تذوّق من صحن الاسير، وقال له: “آه منكم تحتفظون بالأكل اشّهي لكم؟”.
ومن المواقف المُضحكة، عنندما تمّ نقل الأسير لسجنٍ آخر بعد سجنه اربعة عشر عامًا، شاهد حمارًا، وصرخ عاليًا بانفعال، هذا حمار! إلأّا أنّ صديقه قال له: ” ارحمنا.. أشعرتني بأنّك أجنبي جاء من مجتمع أوروبي”! كذلك ورد صفحة 111 موقف ساخر آخر “تهريب النّطف توضع في بسكوت اسمه (عرجليوت) حتّى بات اسم كل طفل يُنجب بهذه الطّريقة اسم (عرجليوت).
موقف أخير، عندما استاء رفيق له من طول حكمه، دون تهمة تستحق ثلاثة عشر عامًا، قرّر الطعن والاستئناف؛ ورأى منامًا بأنّه اشترى صت سيّارات من نوع فيات، فتفاءل؛ وفسّر حلمه بأنّ حكمه سيصبح ست سنوات؛ لكن بالمحكمة أضافواست سنوات لحكمه فوق أحكامهم. قال له صديقه:” احمد الله بأنّك رأيت سيّارة فيات ولم ترَ مرسيدس او بي إم”.
لفت انتباهي عنوان الكتاب “مطحنة عالى أبواب الأعمار” يبدو بأنّ اختيار العنوان مناسب جدّا لهذ السّيرة المفعمة والمؤلمة، وكان السّجن هو المطحنة الذتي أطاحت بالطفولة، وسرقت أعمار الأطفال الأسرى القابعين لفترات طويلة بين القضبان. كما ورد صفحة 159 سجّل الأسير قائلًا: ” طاحنة الزّمان، بوّابة سّجن المسكوبيّة في القدس حيث وُلدت”. فقد الأسير سيرورة التنشئة في طفولته بين أحضان والديه وأسرته، وفقد معها خبراته وألعاب الطّفولة، وبيئته القريبة والبعيدة، هذا الأسر سلب منه أحلامه وألعابه وأصدقاءه؛ حيث عارك الحياة منذ جيل صغير.
إنّ تحرير الأسير بعد عشرين عاًمًا من الأسر، خلقت فجوة اجتماعيّة وعاطفيّة، تستوجب الصّبر ومساعدة الأهل والأصدقاء؛ للتأقلم والتفاعل الاجتماعي من جديد. من الطّفولة إلى الرّجولة دون سيرورة تربويّة سليمة.
تجربة الأسر خلقت التّحدّي والصلابة والصّمود عند الأسير أحمد كما ذكر صفحة 115 ” غير أنّي بكثير من الطّاقة الإيجابيّة مشحون، فعلى مدار سنوات تعلّمت ألّا شئ مستحيل ، فبالعقل والتّفكير أصل ما أريد مهما كان الأمر صعبًا أو مستحيلًا”.
أنهى الكاتب سيرته الذّاتيّة، بمشاعر التفاؤل والأمل بمستقبل جميل قائلًا: ” سأترك رأيك يا أمي لشهور آمل خلالها أن أجد فتاة تشاركني تحقيق أحلام خلالها نملأ بها الصّندوق الأبيض الّذي وعدت أن يملأ بكل ما هو جميل، جما سأصنعه برفقة كل من شاركني هذا الدّرب القاسي الطّويل”.
هذه السّيرة الذذاتيّة للأسير المُحرّر الشويكي، توثيقها مهم جدّا؛ لتعريف وكشف المؤامرات، والمعاناة التي يلاقيها الأسرى بين القضبان.
كل الشّكر للّذين دعموا الكاتب على كتابة السّيرة الذاتيّة، ورافقوا مراحل الكتابة أثناء الأسر وبعده. والشكر موصول للمحامي والكاتب حسن العبّادي من حيفا، وأسرة الأسير.
امنياتي للأسير بالتوفيق، وحياة مفروشة بالأمل والفرح والحريّة؛ ليكون نموذجًا صالحًا للأجيال المستقبليّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى