أزمة الأنثى أزمة أمة في مجموعة ” مس كليوباترا ” لوداد معروف
أ. د. محمد عبد الرحمن عطا الله
تبدو لغة الكاتبة وداد معروف سهلة قريبة المأخذ، وعندما يلج القارئ عالم النص السردي لدى الأديبة؛ يراوغه المعنى، ولا يسهل له القياد؛ فلا بد أن يعاود النص أكثر من مرة حتى يسلسل وينقاد.
وتمثل الأنثى في مجموعة ” مس كليوباترا” القصصية لوداد معروف قضية النص الكبرى؛ فهي أنثى مأزومة تضاهي أزمة الوطن، أو أزمة الأمة العربية.
ومن هنا تتلبَّس الأنثى بالوطن، وتتماهى في الأمة العربية بكل أزماتها وعللها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والثقافية.
فإن غياب الأنثى بالموت على صفحة القرطاس؛ ما هو إلا غياب الأمة العربية عن دورها الريادي، ومكانها الحضاري، ومن ثم يعلن السارد في القصة الأولى “عود بخور” عن غياب الزوجة ” طالت غيبتك يا إيمان؛ لكن أنفاسك في كل ركن وزاوية من البيت”.
وتُعدُّ قصة ” مس كليوباترا” القصة المحورية في المجموعة القصصية، وترمز “كليوباترا” إلى مصر، وتستدعي إلى ذهن المتلقي ملكة مصر “كليوباترا”، وشيخوخة ” مس كليوباترا”، ومفارقة صباها؛ تلقي بظلالها على شيخوخة الأوطان ” زحفت التجاعيد بقسوة إلى العينين اللتين تميزتا بكحلهما الفرعوني”.
إن عجز الأم/ الوطن؛ يثير قضية صغرى؛ تتفرع من القضية الكبرى؛ هي هجرة العقول العربية إلى البلاد الغربية، وقسوة الأبناء على وطنهم/ الأم؛ فتعلن “مس كليوباترا” صرختها قائلة: ” هل تستطيعين أن تأتي لي بولديَّ من أمريكا وإنجلترا؟ أن ترققي قلب ابنتي عليَّ؟ فتجعل زيارتها شهرية بدلًا من ربع سنوية؟ هل تستطيعين أن تعديني لبيتي؟ لحريتي؟ لكن دون وحدة”.
إن الأنثى/ الوطن تعاني الغربة والاغتراب، وتثقل الديون كاهل كثير من الدول، ولذا جاء نص ” عطوة وجميلة” معبرًا عن تلك المشكلة الاقتصادية؛ فعندما حاولا أن يخرجا من ضيق الغرفة الواحدة إلى سعة المكان؛ فما ” نعما بهذا البراح شهورًا حتى تعثر عطوة عن سداد الديون؛ فتحولت الليالي لكوابيس أطبقت على صدريهما”.
وعندما يُصاب الوطن بالأزمات تظهر فئة من الدجالين، وفئة من الانتهازيين، وقد صورت الكاتبة نموذج الدجالين في قصتيْ ” الرازقي” ، و” ساكنة الخص”؛ فالرازقي والشيخ “يونس” دجلان يبتزان البسطاء من أبناء الشعب خاصة النساء.
“الرازقي” دجال يقوم بتطبيب المرضى، وقلمه الفرنساوي يُصلح ما يعجز عنه مشرط الطبيب، والشيخ “يونس” أكثر دجلًا، وأشد احتيالًا من الرازقي” من يوم أن لبسوا جسده، وأصبح لديه بدلًا من العمارة عمارتان”.
ويشير النسق السردي إلى المدير الممثل فئة الانتهازيين في نصيْ ” بائع الجرجير” و ” المقعد الدوار”… ” فلم يَرْعَوِ، ولم يَسْتحِ بهرولته خلف امرأة وإهانتها”.
المرأة/ الوطن واقعة بين شقيْ الرحى: فئة الدجالين الجهلاء، وفئة الانتهازيين مصاصي الدماء، وبالتالي تبقى الأنثى/ الوطن مأزومة في الملفوظ السردي؛ فنجد الموت يخطف الخالة ” إكرام” في نص ” محشي ورق عنب”، و في نص ” الصوت المقطوع ” تفتك كورونا بالطبيبة ” سلوى صادق” التي قضت جلَّ حياتها في الغربة، وعندما عادت لم تبخل على أهل بلدها؛ لكنهم منعوا جسدها أن يُوارَى في مسقط رأسها، وتُدفن في مقابر الصدقات ” أنا سلوى صادق الطبيبة التي انتقلت لها العدوى؛ نتيجة قيامها بواجبها في إسعاف مصابي كورونا؛ ألا تدرون أيها الغاصبون من توسيد جسماني في هذا القبر الذي انتهت إليه رحلتي؛ قدر التضحية التي قمت بها، وقام بها زملائي هؤلاء تمنعونهم حتى من الصلاة عليَّ؟!”.
والمرأة غائبة تمامًا في نص ” ليلة العيد”؛ فالسارد يود أن تكون له زوجة تصنع كما تصنع الجارات.
وإيناس في قصة ” الأسئلة المسنونة” قد ” حصلت على الطلاق بعد عامين من المحاكم”، والأم مأزومة هي وطفلتها في نص ” كوافير هيا”؛ تقول هيا: ” أمي كل عالمي؛ طلقها أبي، وأنا لم أغادر عامي الأول”.
ونرى المرأة في قصة ” وجه”؛ تعاني النقص المعادل لتخلف الأمة عن ركب الحضارة والتقدم ” في المجمل وجهها شائه غاية التشوه”.
وتلقى الأنثى الإهمال الذكوري في “غزل المكاتيب”؛ فقد ” آزرته كثيرًا؛ أهملها ببشاعة”، وتتجلَّى أزمة ” وسام” في التسلط الذكوري؛ فيطلق الزوج المصاب بكورونا صيحته من عربة الإسعاف ” فاغفري لي حماقاتي معك، وسخريتي من طيبتك”.
وهدير فسخت خطبتها في قصة ” لماذا”، و” أم رامي” مريضة في نص ” عندما عطست أم رامي”، والأنثى شردتها الحرب السورية في قصة “صفقة”، تقول الساردة: ” أخرجتنا الحرب من دارنا إلى مصر وهي معنا”.
وتعيش المرأة/ الوطن حالة من الضياع والتيه في نص ” شهادة ميلاد”؛ فالأم تبحث عن تاريخ ميلاد ابنتها في رحلة البحث عن الهوية؛ فتتوجه إلى المدرسة ” أنا فقط يا أبله عايزة الشهادة عشان أعرف تاريخ ميلاد ندى”.
وتهرب المرأة من عالم الواقع بكل أزماته إلى عالم الحلم؛ لعلها تحقق ما عجزت عن تحقيقه في عالم الواقع في قصتيْ ” زيارة” و” الساحرة”.
تعلن ” منار” في الزيارة ” تماهيت مع الحلم، ونسيت أن صندوق رسائلي إليك لم يُفتح بعد”، أما ساحرته ” فتحيي دفء قلبه في المنام”.
إن الأنثى بأزماتها في المجموعة؛ تمنحها التماسك، وتحولها إلى نص واحد مترابط الأجزاء محكم البناء على المستويين اللفظي والدلالي، والأنثى أيضًا بأزماتها الإنسانية؛ تجعل النص السردي أكثر تأثيرًا في المتلقي، وأجدر على نقل تجربة الكاتبة إلى أكبر عدد من القراء.