تأملات قرآنية.. ماذا أرادت زليخا؟
عبد العزيز آل زايد
لا شك أن الكلمة تغير معنى العبارات، وتبدل المقاصد، فهل نفهم مفردات القرآن، وكبار أهل اللغة يختلفون في الكلمة الواحدة؟، فمثلًا: ما معنى: (هيت لك)، الكلمة الواردة في سورة يوسف؟، هل طلبت زليخا من يوسف الزنا؟، الآيات لا تصرح، فإذا كانت طلبت كيف يقبل الزواج منها لاحقًا؟
هناك من يقول أن زليخا رأت في يوسف كمال الشخصية ونور النبوة، والحكمة والمواقف النبيلة فأحبته ووقعت في عشقه من غير إرادة، كما وقع قبلها أبوه يعقوب في حبه، لا لكونه ابن الزوجة الجديدة وفلذة الحليلة الأثيرة والأجمل، بل لكونه الابن المحبوب لما يمتلك من صفات وكمالات وبركة على كل من كان بقربه.
نعود لمعنى الكلمة (هيت لك) التي قالتها امرأة العزيز، البعض قال تعني: تعال واقترب، والبعض قال: إنها تعني أحبّ إليّ، والبعض قال: هي بالحورانية أو القبطية وتعني هلمّ إليّ، والبعض قال إنها بالعربية وتدعوه بها لنفسها، والبعض قال: تعني هيأتُ لك أو تهيأتُ لك، فهل كانت تدعوه للفاحشة؟
هناك من يستنكر هذا الطلب من زليخا، ويرى في كلمة (همّ)، إرادة الضرب بين الطرفين لا إرادة الفواحش، قال بعضهم: (الهمّ لا يكون إلا بالضرب أو البطش، هذا هو الهمّ، لا بالسقوط والسفالة)، فالنبي معصوم، وزليخا لم تطلب ما فهمه النّاس، وكل ما فهم تجني على زليخا، ويجيب من دافع عن زايخا عن اشكالية أخرى أن يوسف رد عليها: (مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، كان نكرانه أنه يرفض الخلوة بها، وأن هذا لا يليق، لهذا استبقا الباب.
هناك تساؤلات عديدة: إذا كان استباق يوسف للباب هربًا من الخلوة معها، فلماذا سابقته زليخا حتى مزقت قميصه؟!، (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُر)، السؤال: ماذا تعني كلمة المراودة في الآية؟، (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي)، (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ ۖ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا)، وردّ زليخًا: (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ ۖ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ)،واقرارها بعد أمد: (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ)، هناك من يرى أن المراودة هنا تعني طلب الفواحش، ومع ذلك هناك من يصر على تبرأتها من ذلك، فنقول: لعل لزليخا مخرج وتبرأة، إلا أن الحديث يحتاج لمزيد تأمل واشباع.