قراءة في نص: الساعة الآن جمر وتسع وعشرون غدرة للشاعر ناظم حمد السويداوي

مرشدة جاويش | سوريا – تركيا

الإحتمالات وفلسفةالجمال مع مديات الأوراق الذابلة في الذرائعية النصيّة عن (الساعة الآن جمرٌ وتسعٌ وعشرون غدرةً ) للدكتور الناقد العراقي ناظم حمد السويداوي
أولا النص:
الساعةُ الآن جمرٌ وتسعٌ وعشرون غدرةً قبل منتصف الوجع ..
أكتبُ اليكَ
لجرحك
لملح حرفك المتناثر في وجهي
لناطحات السّحابِ حيث أنت
نعم ( أنت )
ماعدتُ قادراً على إبقائكَ أكثر في ( …. ) .
أصابعكْ ..
لم تعد ترسمُ كلماتي كما كانت
كلماتك ..
أسألك عنها !!
كم مرةٍ سقَطَتْ فالتقطتها
وسقَطْتُ قربكَ فتركتَني
صوتك ..
الذي يذهبُ منتصفَ الروح
تهاوى في غيمةٍ تمطرُ اللاءات
ظلّك ..
الذي كان يرافقني ساعةَ قصيدة
اختفى فجأة
كلُّ هذي القصائد
كلُّ هذا الشوق
كلُّ هذه الحرقة
كلُّ هذا الليل
لم يعدْ مسكوناً بك
بل حتى صورتكَ النائمة في قلبي
حملْتها بدلوٍ
وألقيتها في بئرٍ هناك
لتُذَكّرني
أنّكَ انتهيت .. !!

ثانيا القراءة:
بدواً نقول هناك تشاركية بالأداء الجمالي بمعطيات معنية فنية تأخذ أبعادها من فنيتها لا من أدلجتها فالمعنى الفني لأي عمل لايفسر وإنما يتم تحليله تأملياً بعيداً عن مكنونه ومحتواه الإخباري ونظرية البنائية (صلاح فضل) أنتجت وعياً إتجاه المعنى الفني وتمظهراته والوعي والإستشراق منه، فالقراءة هي حس وتذوق للنص قبل أن تكون حرفاً إسقاطياً نبحث عن معناه الزئبقي .. والشعر نسيج خامته الوعي وهو الذي يولد الحالة واللاوعي أيضاً ومردّه ثقافة الأديب ذاته؛ فنص الدكتور حمد فيه انعكاسات الذات الإنسانية من خلال الحسية التي إستوحت المعنى بوعي وظيفي ووعي فني ذرائعي

العتبة:
العتبة تشي بلحظتين لحظة التدوين ولحظة الفكرة المعنونة التي حبكها الناص بدراية والتي نقف فيها أمام حائط سؤال وعتب ومحاولته إبراز هوية النص كلياً من خلالها وذلك يتوضح ضمن المشهدية العامة للنص لاحقاً ف ((الساعةُ الآن جمرٌ وتسعٌ وعشرون غدرةً قبل منتصف الوجع )) هذه هي عتبة النص القاصفة التي رُسمت بتلاعب فني يتماهى من خلالها صدى الإحتراق بل بركان خلع عن حمالته كل الصبر لغاية توقيته ((الساعة الآن)) ومازال الإشتعال مفترش الروح (جمرٌ)
واضح أن المعنى هو تحوير لتوقيت المعاناة التي يحس بها جراء الغدر من الآخر الذي لانستطع تحديد هويته على الأرجح إنما نعي زاويته فلقد حلت مفردة منتصف الوجع محل منتصف الليل ومفردة الدقيقة محل الغدرة وكأنه يحيل على استمرار الألم وعدم بلوغه منتهاه أبداً فهو متجدد بتجدد الوقت ومتناسل بتناسل الزمن وموائم لعددية معينة وإحتمالية تحديد (تسع وعشرين) للتأكيد على تلازمية الزمن مع الوجع وإستمرارية الغدر.

الإضاءة العامة :
النص يعمل منتجه على الاقتصاد اللغوي بتكثيف تصويري هو (فلاش باك) في تصوير ازدواجي بدائرية لاتتوارى تشي بالذاكرة وتلك الدوامة التي تحيط بالذات وكيفية تكلّس مشاعرها القلقة بتركيب تصويري وبظل تلك البرودة التي تحمل شجنها وتحمل ذبذبة غير متصلة لكنها محسوسة وهو التبركن الروحي الأنوي ينهمر من ذاتية ضمن (غروبين بل أدنى) من الوجع كما تبين من بداية المتن :
((أكتبُ اليكَ
لجرحك
لملح حرفك المتناثر في وجهي
لناطحات السّحابِ حيث أنت))
هو يشير بالكتابة لأحد ما (أكتب إليكَ)
(لجرحك ) من جرح أصابه من الآخر وهو الشيء المؤلم الجواني والذي ترك كل الأثر و(لملح حرفك) فلقد تبدى ألمه أكثر حين يعرج الناص إلى الإتكاء ليلقي ببعض أوراقه على استعارة الملح ليعطي معنى أبعد لقهره فالكتابة باتت مصدرطمس للحس بينهما بهذا التصوير المجسد جمادياً أي (الملح) إلى الوجه المجسد بشرياً هنا ترميز عالي المعنى عن (الملح) فنثره مؤلم هنا كناية عن تلك الحروف المذرية بوجهه كالملح بدلالة (حرفك) هنا الكاف تعود للاخر الذي نثر ….
وبخط بياني متعدد اللهجات وبمسحات دلالية تتمدد بالتصوير وهو المقتدر على امتلاك الجمالية الرؤيوية بحسية تثير الشعور بنسقيتها العالية وهذه مهمة الشاعر الحقيقي: ((لناطحات السحاب حيث أنت )) تجسيد واقعي للصورة وتمثيلها على مرأى المكانية المتعارف عليه الناطحات هي أعلى بنائية لحلولية مكانية فالإشارة هنا أنه أي الآخر في ذاك المكان الآمن يضخ مايضخه ذاك المناط له بالكتابة مجازية مسقطة على الكيان الآخر بتوافق مخدّم على الصورة التي حورّت ماهية النفس البشرية فمجمل الحدثية الشعرية مزمنة من ألم أنوي وتبدلات ذاتية بين الأفعال الماضوية والمضارعية لتحتضن المعنى العام بين القائم الآن وبين مانسيته الذات بتكاملية فكرية وشعورية وبفنية تبررالمعاناة وفقد كلي لأي عناوين مؤملة للمسامحة
نص له من تداعيات الروح وذرائعية الألم الكثير
(ماعدتُ قادراً على إبقائكَ أكثر في ( …. )
هنا لاشكلانية للتنقيط فربما حمّل الناص المعنى لكلمة تُولد ديالكتيكية الصورة مثلاً (….= للقلب) وربما إحالة تخارجية للإشتغال عالنقاط في مواربة المعنى بإنتقاء معجمي حاذق مع ابتلاءات لها تشاكبات مؤلمة وهذه التبادلية التي ماعادت بين الذات والأخرى صورة جمالية عالية تجسدالإقصاء من حجرة الحرف والنبض فلقد باتت هناك غربة روحية قابعة بلورتها مفاهيم الجَوى بينهما (ماعدت قادراً)
بتقابلات رؤيوية عالية فلا فكاك من إصبع المدلول وتحويل الروح لكيان مجسد وخروجها من ماهية المعنوي (نعم أنتَ) (لم تعد ترسمُ كلماتي كما كانت) (كلماتك)
فالبعد الدلالي كان معنّى باعتبار دلالة القلق تجلت بانفراج الروح بالخلاص فلم يخلق المعادل التعويضي المقابل للذات وذلك لتعب الأنا تأسيساً على فكرة الحزن ولكنه ألحّ (…..) بالتنقيط ((على إبقائكَ أكثرفي ( …. ) ))
وينثال الوخز أكثر بتصاعدية درامية ويتنامى بمعمارية فنية مبهرة مع غضب المشاعر وعتبها بسؤال موجه يبعث حيرته ليقف على ربوة الألم ويوعز للذات الأخرى بالتقصير ومهماز الإثم بمشهدية كانت أكثرإحتوائية فلقد أضافت الحدثية الشعرية (طرف ثالث ) لتكوثر الصفعة التي صعقتها المنافسة التي أحبطت على يديها هناك ارهاصات توالدت عبر العتب لتنزف المشاعرباكتناز الدلالة في لفظات (سقطتْ و\سقطتُ) فالسقوط هو حالة إرباكية تتسع لمعاني عدة إنما هنا أرادها الشاعر لقد أرسلت للتنويه عن الديالوج النفسي بين المعنيين للسقوط بين سقوطه وسقوطها هي (المحرك الثالث في النص ) والتي كانت محض مسار دفقي تصويري لتغيير الحالة الشاعرة من معائن حراء تحمل الحزن المسهد وعباب الصراع في قطفة وصفية واحدة في زمكانية مشهدية تعطي أبعاد ظاهرة الفلاش باك بين ((الأنا الشاعرة \الأنا الأخرى\ والطرف الثالث بالمعادلة تلك التي سقطت )) بذلك التمفصل الشعري كما نراه هنا
((أسألك عنها !!
كم مرةٍ سقَطَتْ فالتقطتها
وسقَطْتُ قربكَ فتركتَني))
بين تشكيلية الأسلوبية وبين الضمائرية المتصلة التي توزعت بالنص كثيراً (سقطت) مع الضمائرية المستترة التي تسعى لوصف الحالة السببية (لتذكرني)
((أسألك عنها !!
كم مرةٍ سقَطَتْ فالتقطتها
وسقَطْتُ قربكَ فتركتَني))
هنا تفاعلية حدثية تشاركية غير متكافئة (\سقطتْ\وسقطتُ\)
فالأساليب الخبرية المعتمدة بالنص تمهد بحراكية لوصول الفكرة ولرسم أبعاد السببية وإبراز اللحظات العسيرة داخل الذات في تكوينها ونجد الشاعر تخلق من عنف الإسناد وألمه حداثية رومانسية يسوقها تنسيقه للنص لتظهر لحظة الوجع بتسع وعشرين غدرة!!! كما جسده في الروح التي تتلوى بالإستعار وعلى مسامات العتب تتواثب الآه فذاك الصوت اختفى تكبّل نبضه بمعصم أبكم بعدما كان نميراً عارماً فما عاد يتقن إلا فن اللاء.
بات العناد وبات الرفض كالغيم يتقاطر ذاك الصوت كان هبة كماء السحاب معين للكتابة أما الآن أطلّ الغياب لترتشف الذات الأسى بدراماتيكية قوية يلوي الناص صداه بجدلية إقصائية وبأنّات تندد بمفردات القهرلتؤكد الإمتداد أي إعتماد على الحراكية الفعلية لترسيخ بنائية الجملة من خلال تدعيم الخطابية النصية والجمل الخبرية والتمسك بالمخاطبة
صوتك ..
الذي يذهبُ منتصفَ الروح
تهاوى في غيمةٍ تمطرُ اللاءات
ظلّك ..
الذي كان يرافقني ساعةَ قصيدة
اختفى فجأة
كلُّ هذي القصائد
كلُّ هذا الشوق
كلُّ هذه الحرقة
كلُّ هذا الليل
لم يعدْ مسكوناً بك
بل حتى صورتكَ النائمة في قلبي
حملْتها بدلوٍ
بات حلم الغفران محمولاً بالأمل المرقع والمستحيل وذلك يتوضح ضمن المشهدية العامة للنص
(( كلُّ هذي القصائد
كلُّ هذا الشوق
كلُّ هذه الحرقة
كلُّ هذا الليل))
إن مقاربة المعنى النهائي بتطابقية مع السرد العام وبطقس ظاهري مرئي من خلال الأنا الشعرية وطقس باطني محسوس
وأسلوب النفي ((لم يعدْ مسكوناً بك ))
هذا التناقض الشعوري بين الرفض والتذكير وبين النفي للتأكيد على النسيان تبدى بجمالية اللقطات بالمصرح به لتصبح هلوسات الحالة نطق بالحقيقة بأسلوبية راقية من الإنزياحات المسلطة الضوء على شدة سوء الحالة الأنوية

((كلُّ هذه الحرقة كلُّ هذا الليل
لم يعدْ مسكوناً بك))
ليستأنف :
بل حتى صورتكَ النائمة في قلبي
حملْتها بدلوٍ
وألقيتها في بئرٍ هناك
لتُذَكّرني
أنّكَ انتهيت .. !! .
بثيمة رائعة برغم جدلية التناقض بالمعنى بين التذمر وبين سرد الحال كيف كانت فمن العتب إلى الترف الذي كان إلى الزهد وترك الأحوال والنفي لها ليصبح المحرض الجمالي يعتمد على إنطلاق النص من صفة العتب إلى صفة متلقي العتب
ونجد البيانية لغائية الإنتقالية المكانية للفاعلية الشاعرة لها تحكمها التأويلي الإشاراتي هنا:
((بل حتى صورتكَ النائمة في قلبي
حملْتها بدلوٍ))
فجمل النص تمفصلية لما قبل التشكل الحدثي وما بعد الصيرورة الآنية تمثل مرسلة الخطابية الشعرية فاللغة ترتبط بالفعل الفيزيائي ولكن تتجاوزه وماكانت بتلك الصورة إلا لوجود سبب رئيسي وراء حصولها ولها ظواهرها السلوكية اللغوية في الحقل اللساني من حيث التركيب والصوتية والدلالات كما اعتمدها مبدعنا :
اختفى فجأة
كلُّ هذي القصائد
كلُّ هذا الشوق
كلُّ هذه الحرقة
كلُّ هذا الليل
لم يعدْ مسكوناً بك
وصدقية الصيرورة المابعدية\ لتوريث المؤكد للحالة بالنسيان والإنسحاب للذات الحضورية السالفة وظاهرية الغياب الآني بتأكيد تلازمي بفعل ماضوي للدلالة على قصدية البعاد:
((وألقيتها في بئرٍ هناك
لتُذَكّرني
أنّكَ انتهيت .. !! .))
لغة تهدي الأدب ميراث الجمال أي عتب رتيب ترتديه لغته المعتقة أي الناص حتى ثملت القصيدة وآثرت التحليق فالأنا اللائبة تتوه ضوعاً بليل كظيم له جمرة وتسع وعشرين غدرة لتقرع أجراس الوجع بالتياع ووصفية تنوح بنرجسية الحزن المتشظية بجوهر القصيدة البكروالرؤيا لوجدانيات الذات بحالة من الكشف وإلتقاء بتوحد الصورة والمعنى العام فالصورة هي الحامل والدال والمدلول في آن واحد كالعشق الصوفي بترقيم مزمكن في وضعية يقينية التي لاتشوبها مباعدة عن واقعية الحدثية الشعرية عن معنى شعوري حياتي
دكتور ناظم دمت عراب اللغة وأنت تحفر رخام الأدب إلتقاطات شعرية ونفسية بين تمادي الوعي المتطلع لكسر حواجز اللاوعي بلغة ناطقة ومصورة دمت تاج الإبداع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى