الإرادة السياسية قاطرة التنمية المستدامة
محمد زهدي شاهين | فلسطين
تعطينا التجارب العالمية في مجال التنمية المستدامة الكثير من الدروس والعبر التي يمكننا استخلاصها من اجل الانطلاق والابحار في محيط التنمية الواسع أو في فضائها الرحب والمتسع. فالتجربة الماليزية على سبيل المثال جمعت بين الحداثة والإسلام، ودمجت بين الأداء الاقتصادي والقيم المجتمعية حد التلاحم، حتى غدت كافة القطاعات التنموية مشحونة بالقيم والفضائل.
أما التجربة التنموية الإيرانية اكدت واثبتت للجميع بأن سياسة الاعتماد على الذات هي النقطة الاساسية التي تنطلق منها العملية التنموية.
ومن الدروس والعبر التي يمكننا استخلاصها ايضاً من التجارب العالمية في مجال التنمية المستدامة، بأن لكل حالة ودولة خطت على هذا الدرب التنموي خصوصية معينة، حيث أن نجاح عملية التنمية المستدامة تختلف من بلد إلى أخر، وعلى الرغم من ذلك نجد بأن هنالك عاملان اساسيان في نجاح عملية التنمية المستدامة، يساعد احداهما الأخر الدولة في شق طريقها نحو التنمية المستدامة، والعاملان الاساسيان هما ثقافة المجتمع والإرادة السياسية. فعندما يكون المجتمع مثقفاً ومشحوناً بالقيم؛ فذلك يكون عاملاً مساعداً في انتاج قيادة سياسية، وإدارية تكون على قدر عالي من المسؤولية.
وكذلك الأمر فعندما تتحقق الإرادة السياسية في دولة ما، سيكون ذلك عاملاً مساعداً ايضاً في التقدم نحو التنمية المستدامة من خلال امتلاك القوة والسلطة لاتخاذ القرار نحو التنمية المستدامة. كما أن الإرادة السياسية تلعب دوراً مهماً ومحورياً في تعزيز القيم والمبادئ والمفاهيم من خلال الإعلام مثلاً في اوساط مجتمعها حتى تغدو ثقافة يتسم بها ذلك المجتمع، وهذا الأمر يعتبر احدى الركائز الأساسية في انجاح عملية التنمية، كونها عملية تكاملية بين كافة القطاعات المختلفة التي تتشابك فيها العلاقات ايضاً.
عندما يتم الحديث عن الحالة الفلسطينية نجد بأن الاحتلال الاسرائيلي يمثل اكبر عائق أمام التنمية المستدامة في فلسطين.
فلو افترضنا على سبيل المثال بأننا نمتلك شقة في عمارة، وهذه العمارة تخضع للسيطرة من قبل جهة ما. ففي هذه الحالة ستنقسم الآراء بين رأيين اثنين.
الرأي الأول يقول بأنه يمكننا البدء بعملية التنمية المستدامة وفقاً لقدراتنا الذاتية وامكانيتنا المتاحة، وهذا الرأي صحيح الى حد ما بسبب وجود سقف لا يمكن تجاوزه بفعل سيطرة الجهة أنفة الذكر على هذه العمارة، فلو اردنا ترميم هذه الشقة على سبيل المثال، وقامت الجهة المسيطرة على تلك العمارة بمنع المواد ومتطلبات عملية الترميم من الوصول لهذه الشقة، فما النتيجة المتوقعة يا ترى!.
ونورد هنا مثالاً أخر فلو امتلك فلاح أو مزارع فلسطيني قطعة أرض داخل مستوطنة إسرائيلية، وتم منع هذا المزارع من فلاحتها والاهتمام بها بالشكل المطلوب، وفي الوقت المناسب، أو من خلال منع ادخال المواد والاسمدة والآليات المخصصة للعناية بتلك الأرض، فلا ريب ستكون نتيجة ذلك فشل الموسم الزراعي.
إذن فالاحتلال الاسرائيلي يقوض بشكل مستمر مساعي السلطة الوطنية الفلسطينية نحو تحقيق اهداف التنمية.
إن توفر الإرادة السياسية هي أهم اسباب نجاح عملية التنمية، كون نجاح عملية التنمية لا تتوقف على الموارد والثروات فقط، بل على حسن إدارتها ايضاً من خلال وضع رؤى تنموية سليمة من الجهة الحاكمة، التي لا بد بأن تتمتع بالصلاح والنزاهة.