الفنانة التونسية لطيفة الصمعي توؤل اللون والقصيدة
محسن الذهبي – لندن
رتق محاولة أبداعية لترميم الجمال الروحي
على جدران فضاء (ايكار) في باب العسل بالعاصمة التونسية وبعد العديد من المشاركات في معارض جماعية، أفتتح مؤخرا المعرض التشكيلي الأول للفنانة والباحثة الفنية (لطيفة الصمعي) تحت عنوان أستدلالي (رتق) .
والرتق في قواميس اللغة العربية هو أصلاح ما يمكن أصلاحه من شيء تعرض للتلف، وهذا يعطي دلالة أيحائية على محاولة الفنانة للسعي بجد ودأب كي تضفي شروقا متميزا على سطوح لوحاتها التي تتصارع فيها الكثير من الثيم والايقاعات اللونية المتناقضة أحيانا والمتألفة احيانا أخرى، من خلال التعامل العفوي التجريدي أذ تعتمد التجريب للتكوين اللوني البعيد عن تشخيص الواقع . وتلك هي مغامرة البحث عن تعبيرية قيمة التجريد عبر تأثير صدى اللون في عين المتلقي .
ولتقريب فكرة العمل الفني قامت (الفنانة \ الشاعرة) بالمزاوجة بين اللوحة والقصيدة الشعرية فتحت كل لوحة أرفقت قصيدة شعرية تعالج ذات الموضوع كي تطوع العلاقة الجمالية القائمة بين الخطاب التشكيلي والخطاب الشعري لتعطي للمتلقي أكثر من مفتاح دلالي، فاللون هو نقطة الارتكاز الأساسية في التعبير عن المكنون الذاتي لبوحها الفني والكلمات سبيل مساعد في ايصال تجليات الفكرة .
ان غاية الفن عند (لطيفة الصمعي) تأتي من ادلة روحية ، وما هي الا وسيط يحمل رسالة جمالية مهتدية برسالة تأملية تقترب من مذاق صوفي ، في التأمل بما تحويه الروح من عوالم جمالية لاتعثر عليها الا عين المتأمل، فتعيد صياغتها وفق ذائقتها ولحظة الابداع الفني، لتبني حلمها الاسطوري في محاولة الامساك بما لا يمسك – قدر الامكان – وقد كان لها ذلك.
وهكذا نجد تحولاً من طريقة التركيز لإظهار البريق اللوني، إلى تقنية استخدام الأجواء التي توحي بالعطاء اللوني، الذي يتحول أحياناً إلى صيغة تشكيلية لها علاقة بالفن التجريدي غيرالمتطرف في عفويته وحداثته، ليصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر ومتنفس لروح القصيدة، بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون التلقائي بعفوية اللحظة الإبداعية فكل لمسة لونية في اللوحة هي كشف وايحاء.
ان الفنانة في جهدها الابداعي تحاول عبرايقاع اللون المتضاد تشكيل سمفونية تجمع أزمنه متفاوته في لحظة واحدة من خلال هارمونية بصرية تعيد رسم معالم معاناة الفنانة وفق رؤية تحمل الجوهرالروحي لتحيله الى ما ورائية قصدية. تتناغم بين الصفاء الروحي والتأمل العقلي، انها تحاول أن تلملم اللحظات الهاربة الاكثر اشراقا لتخلق المتعة للمتلقي، حيث تتداخل الذاكرة على شكل استرجاعات حلمية مشحونه بطاقات لونية متفجرة تختصر المسافة بين الحلم والواقع ، في عوالم مستعارة تعيد للمشاهد نوعا من البهجة المدهشة في محاولة لاصلاح روحي تسعى له.
فهي تقترح مفاهيم وتصورات و رؤية معاصرة ومغايرة لدورالفن في خلق سعادة لروح المتلقي، بما يعني العودة الى الذات التي قادتها الى البحث في وجعها الروحي القلق فلم تجد غير تلك الصوفية اللونية والكلمات الشعرية لاصلاح شعور الاحباط والانتكاسة واعادتها الى بهرجة لونيه فرحه لكنها موجعة في ذات الوقت، مسكونه بعوالمها الداخلية اولا ، وبالعالم الطبيعي الذي يواجهها في دوامة البحث للامساك بالحقيقة الوجودية المعمقة فان لم تستطع فلا بأس من التعلق في اطرافها فهي لا تتحدث عن النهائية او التمامية في العمل الفني بل انها تجاهد للوصول الى مفاتيح تفكك أو تقرب من الوصول بخلق منهج كياني متفرد يتوسل بنهج اهل المعرفة الروحية والاقتراحات الصوفية للتأويل . من هنا يظهر لنا هذا البعد في عدم تجاوز الافق غير المنظور في اللوحة وأتساع في معاني الشعرية للقصائد المصاحبة .
انها تحاول ان تبدع قراءة معمقة للوصول الى اشارات سردية لا متناهية من فيض ياتي من سرمدية الوجود ، انه صوت باطني يتجلى في عيون الرائي مثل ظلال تتمخض بالتفجر الروحي لاثمار الخصب اللوني في جسد اللوحة، ليفصح شاء ام ابى عن مكنون الذات ويحفز طاقة التفكير لدى المتلقي ، اذ لا تقتصر المعرفة على ما هو مألوف من المثيرات الشكلية المباشرة بل يتطلب الامر استثارة افق التفكير والانتباه الى ما قد يغفل من معطيات الواقع في تنمية قدرات التخيل لتجاوز محدودية هذه المعطيات .
ان اعمال الفنانة (لطيفة الصمعي) ستبقى دائما تثير الجدل بقدرتها اللونية على ايقاظ المشاعر ومنح المشاهد فرحا تأمليا ومتعة الغوص في تأويل اللون ، ليتكلم الصامت في روحها . ويبقى التميز في الابداع هو جوهر الخلود الدائم في تاريخ الفن .