وجلستُ على الكرسي الذي كان يجلس عليه نجيب محفوظ !

رحلة قامت بها: رجاء حميد رشيد


منذ الصغر وأنا أحلم بزيارة بلد حضارة وادي النيل (مصر المحروسة)؛ كما يسميها أخوتنا المصريين الطيبيون, وأعتقد مَنْ منا لم يراوده هذا الحلم، ومصر دخلت في كل بيت من خلال الأعمال السينمائية والتلفزيونية، كبرت وكبر حلمي معي وحالفني الحظ بزيارة أم الدنيا ولمدة 15 يوما سفرة سياحية إلى بلد الفراعنة والأهرامات.
وبالرغم من قلة عدد أيام السفر التي لا تكفي لرؤية معالم وحضارة دولة عريقة وحسب نظام شركات السياحة والسفر، وبالتعاون مع الجهات الرسمية السياحية في كلا الدولتين العراق ومصر لكنني صممت أن ازور ـ قدر الإمكان ـ الأماكن التي قرأت عنها في قصص الأدباء والروائيين  وشاهدتها في الأفلام الوثائقية والسينمائية والتقارير الإخبارية ، وأولها مقهى الأديب العالمي نجيب محفوظ أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب.


أحسست بفرح وسعادة وانا أتمشى في أزقة ودرابين الحارة  والتي لم تكن غريبة عني فأنا رأيتها في قصص وروايات محفوظ  التي حولت إلى فيلم سينمائي جسد بطولته نجم الشاشة الأول عماد حمدي، والفنانة سميرة أحمد كغيرها من روائع الروايات والقصص التي حولت إلى أفلام .
انعطفت يميناً مبهورةً بالفلكلور المصري من فوانيس وتحف مختلفة الأحجام تجسّد حضارتهم العريقة، واللوحات الفرعونية المرسومة على ورق البردي إضافة للإكسسوارات والحلي المقلدة بما كانت ترتديه ملكات التاريخ وقتذاك.
ووقعت عيني على باب خشبي متوسط الحجم مصنوع من مادة خشبية ذي لون بني تتوسطها زخرفة ذهبية نحاسية ومقبض نحاسي جمعت  بين التراث والحداثة، وعلى الجانب الأيسر منها  سارية علم  جمهورية مصر وفانوس نحاسي ذهبي كبير والذي يمثل إحدى بصمات التراث المصري، وخصوصاً خان الخليلي وعلى يسارها نُصبت لوحة  ذهبية متوسطة الأبعاد دوّن عليها  (خان الخليلي، مقهى نجيب محفوظ) بالخط العريض، وتحته كتب أوقات فتح وغلق المقهى باللغتين العربية والانكليزية، تعلوها لوحه تراثية قديمة للخان.


دخلت المقهى  المكون من قسمين: الأول مخصص لتناول المشروبات الساخنة والباردة  والأركيلة، وأحلى ما فيه هو المكان و الكرسي الخاص بالأديب محفوظ، فاستأذنت صاحب المقهى بالجلوس على كرسيه الذي يتوسط المقهى وتعلوه صور محفوظ  التي رسم بعضها بزيت وأخرى صور فوتوغرافية، وعلى جانبيها صور العاملين معه تزين جدرانه. لا أستطيع وصف شعوري وأنا اجلس على مقعده يجول في خاطري كتاباته،  وتتراءى أمام عيني شخصيات رواياته فهنا كتب عن ميرامار، وعن بائعة الخبر، كتب ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين – السكرية – قصر الشوق)، واللص والكلاب، والقاهرة 30 , وثرثرة فوق النيل، ورواية “أولاد حارتنا” التي تعد واحدة من أبرز الروايات التي ألفها نجيب محفوظ  وأثارت ردود أفعال واسعة في مصر وخارجها، وانتهت إلى قرار حجبها عن النشر في مصر لمدة طويلة بسبب التفسيرات الدينية التي التصقت ببعض الشخصيات الواردة في هذه الرواية مثل شخصيات الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل، رفاعة، قاسم، وعرفة.


وعندما بدأ نجيب محفوظ في نشر هذه الروايات في جريدة الأهرام عام 1959 قبل أن يصدر قرار لاحقاً بوقف نشرها في الأهرام وفي عموم مصر، وصل الأمر إلى محاولة اغتياله من قبل أحد الشباب المتطرف فكريا والمنتمي إلى إحدى الجماعات المتطرفة وأقدم على هذا الفعل على الرغم من أنه لم يقرأ حرفاً من أعمال نجيب محفوظ. وعلى الرغم من أن هذا الشاب لم ينجح في مسعاه باغتيال نجيب محفوظ إلا أنه رغم ذلك تسبب في إصابة يده مما أعاقه عن الكتابة فيما بعد بيديه واضطر إلى أن يملي ما يود كتابته على الآخرين كي يكتبوه نيابة عنه.
أما القسم الثاني من المقهى فخصص  لتناول وجبات الطعام المختلفة وخاصة الأكلات الشعبية المشهورة في مصر منها الكشري الذي يقدم بطريقة جذابة جداً والكوارع والحمام المحشي الذي تذوقته لكي أعيش الأجواء بكل تفاصيلها وعلى أنغام كوكب الشرق أم كلثوم .
الأديب العالمي نجيب محفوظ هو ابن حي الجمالية حيث ولد في 11 ديسمبر 1911 لأب يعمل موظفاً وحصل على ليسانس في الفلسفة عام 1930 ثمَّ عمل في الوظائف الحكومية مثل الأوقاف والثقافة والإذاعة والتليفزيون وغيرها ولظروفه الصحية لم يتمكن من تسلم جائزة نوبل بنفسه فتسلمتها نيابة عنه كريمته قبل أن توافيه المنية في نفس الشهر الذي ولد فيه ولكن في الثلاثين من آب/أغسطس عام 2006 جراء مشاكل في الرئة والكليتين.
وأخيرا  شربت كثيراً من مياه نيلها طبقا للقول المصري المأثور لكل من يزور مصر المحروسة (اليشرب من نيلك لازم يجيلك )  لروعه البلد وجماله والسائح حتما سيزورها مرة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى