العبقرية.. فطرية أم مكتسبة؟ من خلال تجربة لازلو بولغار
أجدور عبد اللطيف | المغرب
ذاع صيت تجربة مثيرة قام بها البروفيسور في علم النفس ومدرس الشطرنج المجري لازلو بولغار استهلها سنة 1970م، فقد قام الرجل بإخضاع بناته الثلاث سوزان وجوديت وصوفيا لتمارين مكثفة في الشطرنج حتى أصبحن اليوم على رأس قائمة أبطال اللعبة، وفزن بجوائز أولمبية.
فما الذي دفع بهذا البروفيسور ليتجسم كل هذا العناء؟
يتبنى بولغار فكرة أصيلة في خلده فحواها أن العبقرية تُصنع ولا توهب، وأن كل طفل هو مشروع عبقري إذا وفرنا له شروط العبقرية وألزمناه طريقها.. فهل العبقرية فعلا مكتسبة أم أنها شيء خارج عن متناول يده؟
تترتب على إجابة هذا السؤال إعادة ترتيب المسؤوليات بين الآباء والمربين من جهة والأطفال من جهة أخرى، فالكثير منهم يعتذرون عن فشل عملهم – والأطفال أنفسهم يفعلون ذلك كثيرا – بالقول إن المهارة أو الكفاية المستهدفة تأبى الاستقرار في أذهانهم ببساطة.. وأذكر أحد التلامذة واجهته مرة بالكثير من اللوم لتقصيره المتكرر في مراجعة بعض القواعد والتمكن منها رغم بساطتها والتدرب عليها مرار داخل الفصل، وكان رده بما معناه : أتظنني أكره أن أجيد الإجابة وأنال الثناء، أتظنني لا أحاول ما استطعت في المنزل، القضية واضحة يا أستاذ، أنا غبي ولا يمكننا أن نكون جميعا كعائشة” (يقصد تلميذة متفوقة) لفظ العبارة الأخيرة بحسرة بادية.
اكتفيت بتذكيره أن الأمر لا يتعلق بالعبقرية وإنما باستفراغ الجهد والتمرن، لكنني فكرت في بالي أن الأمر قد يكون كما قال ويجب أن نقبله هكذا : الناس متفاوتون في ذكائهم كما في مقاس أحذيتهم ولا شيء لنفعله حيال الأمر.. وكذلك قبلت تلك الفكرة لحظتها على مضض.
ظل بولغار يفكر في تجربته حتى قبل الزواج وأقنع بها زوجته في فترة الخطوبة وكانت شريكته فيها، وقد استطاع إقناع سلطات الإتحاد السوفييتي آنذاك برغبته في عدم إرسال بناته للمدرسة وإخضاعهن لتعليم منزلي محكم يتناول الشطرنج بشكل أساسي إلى جانب الرياضيات على مستوى عال وبعض التعلمات الأساس الأخرى.
أثبت لازلو بما لا يدع للشك نظريته التي آمن بها، حيث إن اثنتين من بناته مصنفتان الأولى والثانية على العالم في لعبة الشطرنج والثالثة أستاذة دولية في تدريسها، والجميل أن البروفيسور المجري اعتبر أن كل طفل يولد بصحة جيدة قادر على النجاح في مسار العبقرية هذا وفي أي تخصص كان، شرط تكثيف تعاطيه لذلك التخصص بشكل علمي واعي، مستمر ومحفز.
يرزح المربون والآباء بل والحكومات بعد هذه التجربة المبدعة تحت مسؤولية كبرى باعتبار أن فشل الأشخاص على مستويات عدة والهبوط الحاد في القيم وفي المنسوب العلمي والفكري والثقافي هو نتاج لمسؤوليات تقصيرية مشتركة بين تلك الأطراف في صناعة الطفل وصياغته خلال طفولته، ويحمل على مزيد من الإستثمار الجاد والكافي في هذه التربة الخصبة المعطاء التي هي الأطفال.