الروائي التونسي القدير محسن بن هنية يتحدّث عن تجليات الإبداع الأدبي في الرواية

تحدث معه | محمد المحسن – تونس

(“لا سبيل -للروائي-إلا بتفجير الطاقة الإبداعية للنص الأدبي التي تمنحه سموا جماليا لا تخطئه ذائقة القارئ الفطن..”)

أبرز الروائي التونسي القدير – محسن بن هنيةو- في حديث مقتَضَب معي (نهنئه بصدور مولوده الإبداعي المتميز: إشراقات الإبداع.. وتجليات السرد القصصي والروائي لدى المحسن بن هنية – تأليف الناقد التونسي محمد المحسن) أن ذات الروائي واعية ومدركة تتأثر وتؤثر في محيطها الاجتماعي، وهو بالتالي حامل ومعبر عن مشاعره أو مشاعر المجتمع الذي يعيش داخله،سواء أكانت مشاعر الحب أو الألم أم اللذة أو الوجع أو غيرها من المشاعر الحاملة لهموم الفضاء المعبر عنه.
ويضيف في سياق حديثه معي أنّ “الرواية لا يمكن أن تقدم موضوعها إلا بواسطة الإمتاع، لكن مع القدرة على توظيف كل مكونات الخطاب السردي لتجعل القارئ تحت وطأة المتابعة إلى نهاية عملية الحكي..”
ومن هنا-والحديث للروائي الألمعي بن هنية-فإن الروائي”يهدف من خلال إبداعاته إلى إمتاع المتلقي في المقام الأول،لكنه يفعل ذلك عبر توظيف أساليب التراجيديا أحيانا أو السرد السلس لأحداث الرواية أحيانا أخرى، لينسجم القارئ مع أحداثها وأحاسيس شخصياتها ويتفاعل معها. وللقدرة على شد القارئ إلى نهاية الرواية واستمتاعه بها دور بارز في إبداعية أي رواية.”،لذا يبرز – الروائي محسن بن هنية- أن” تسويغ الموضوعات للقارئ لأن تكون في صوغ سردي ملائم ومثير لجمالية التلقي، يسمى التشويق،وهو الوجه الضروري للإمتاع في الكتابة الروائية وإن كانت الرواية تحمل أحداثا مؤلمة.”
ويضيف أن “مع هذا التشويق الذي يعتبر حيلة من الحيل السردية للإمساك بالقارئ، يتم تمرير كل الموضوعات الأخرى التي لا تكون في الغالب إلا موضوعات حزينة،بما أن الرواية منخرطة في الالتزام بقضايا المجتمع وهموم الإنسان..”
ثم يخلص إلى أن “خيال الكاتب هو مصدر ملكته وقدرته على الإبداع، ولا يمكن لكاتب لا خيال له أن يخلق الدهشة والإمتاع لدى القارئ،إذ لا سبيل له إلى ذلك إلا بتفجير الطاقة الإبداعية للنص الأدبي التي تمنحه سموا جماليا لا تخطئه ذائقة القارئ الفطن.”
كما يرى -محدثي الروائي والقاص محسن بن هنية-أنه “بالإمكان إمتاع القارئ بالحديث-أحيانا-عن الألم نفسه، فالإبداع فضاء رحب يحتمل كل ما فيه من انزياح أو عدول، حتى لو تعلق الأمر بالألم ذاته، فروايات فيكتور هوغو – وخاصة “البؤساء” – ما تزال تمتع القارئ رغم سوداويتها ومأساويتها.
ويضيف – بن هنية – أن “الروائي الأميركي المشهور ستيفن كينغ-1- ألف أروع روايات الرعب وأوقعت المتعة لدى القارئ بالرغم من أنها مؤلمة ومخيفة، وكل من قرأ رواياته لن ينساها أبدا، بل إنها تغري بإعادة قراءتها مرات ومرات، ذلك أن روايته “صمت الحملان” خير دليل على إمتاع ملايين القراء، وبعدهم ملايين المشاهدين عقب تحويلها إلى فيلم رعب.
والشيء نفسه ينطبق على روايات دان براون-2- مثل “شفرة دافنشي”، و”الحصان الرقمي”، و”ملائكة وشياطين”، و”الرمز المفقود”، و”الجحيم” وغيرها، لذا فالكاتب الحذق هو الذي يحول الواقع المؤلم إلى أعمال روائية تخيلية تجعل فعل القراءة مدخلا ممتعا لخلق الدهشة والغرابة لدى المتلقي.”
أما بخصوص التجريب بمنظور-بن هنية-“هو ممارسة لصيقة بالإبداع، والرواية مجال رحب للتجريب، وفي تقاطعهما معا أخذت تتجلى مظاهر نهضة ثقافية واعدة، تتبدى في هذا الكم الوافر من النتاج الروائي، الذي استحوذ أو كاد-على الساحة المحلية، ولفت انتباه العالم إلى هذه البقعة المنسية..”
والتجريب على مستوى الشكل الروائي-يقول محدثي بن هنية-: “هو مجال رحب لا يمكن حصره، فهو قائم على التمرد على الحصر،وقد تأملت (و- هنا – الحديث لي) عددا من أشكال التجريب في الرواية المحلية فوجدت أوسعها انتشارا ما ينتمي إلى ممارسة أسلوب ما وراء السرد، وهو أسلوب يتقاطع من جهة ما مع مظاهر سلطة القاريء وحضوره في النص، فهو يعتمد بشكل أساس على إشراك القاريء في لعبة الكتابة، سواءً من خلال الخطاب المباشر (القاريء الممسرح كمخاطب) أو الضمني (القاريء الضمني)، وسواء من خلال مساءلة قضايا الكتابة أو من خلال مضاعفة وسائل التأويل.”
وفي هذه الرؤية للمحسن بن هنية لم يكن التركيز على تحليل الروايات النماذج وفق هذا الأسلوب، بل إن المراد هو توضيح النقاط التي تدعم بها هذه التقنية تيار التجريب في الرواية، كما تَمثَّل ذلك في الرواية المحلية..
ختاما أشير (أزعم أني من النقاد الذين عكفوا على دراسة -بن هنية-، إلى بعض خواص الكتابة الأدبية لدى هذا الروائي التونسي القدير: “لا يسترعي اهتمامه موضوع بعينه يلح عليه بصفة غالبة، وإنما هو يتخير قطاعا إنسانيا يتجاذب ما فيه من خيوط معقدة متشابكة، يحاول أن يستشرف لكيانها المعقد معنى ودلالة. يضطره ذلك لأن يعبأ بكثير من التفاصيل الدقيقة وأن يطرق من الموضوعات المتشبعة ما يصل به إلى مفهوم عام للمجتمع أو الإنسان..
والمحسن بن هنية يتوافق كثيرا في تقديري-مع الكالتب المصري العملاق الراحل نجيب محفوظ-الذي قال ردا على سؤال طرحه عليه الناقد ألفريد فرج-3-:“ لا يوجد في التاريخ تفكير مجرد.
إن التشابه بين نظرية علمية ونظرية فلسفية وتيار أدبي أو فني برزت كلها في عصر واحد وبيئة واحدة.
هذا التشابه هو أكبر دليل على وحدة الأصل. على أن التفكير ينبثق من الأرض،جذوره ضاربة في التربة والبيئة الاجتماعية ولا يحلق بجناحيه في السماء”

^^^^^^^

هوامش :
1-ستيفن كينج (بالإنجليزية: Stephen King)‏ ولد 21 سبتمبر 1947 كاتب ومؤلف أمريكي ومعيار من معايير أدب الرعب عرف برواياته التي تندرج ضمن آداب الرعب.وهو حائز على ميدالية مؤسسة الكتاب القومية لإسهاماته البارزة في الأدب الأمريكي،تم بيع أكثر من 350 مليون نسخه من كتبه حول العالم.
2-دان براون (Dan Brown) (مواليد 22 يونيو 1964 في ايكسيتير، نيوهامشير، الولايات المتحدة الأمريكية). مؤلف أمريكي لقصص الخيال والإثارة الممزوجة بطابع علمي وفلسفي حديث بأسلوب مشوق مكّنه من تحقيق أفضل المبيعات.حققت رواياته رواجاً كبيراً بين الأجيال الشابة في أمريكا وأوروبا،أشهر رواياته رواية شيفرة دا فينشي The Da Vinci Code التي نشرت عام 2003،وتم تصويرها كفيلم سينمائي من بطولة توم هانكس.-
3-ألفريد مرقس فرج- كاتب مصري،ومن رواد كتاب المسرحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى