مريم هرموش.. روائية كبيرة بحق

مصطفى عبدالله | القاهرة

في هذا المقام أود الاعتراف بأنني عندما يطرح عليّ عمل أدبي لكاتبة جديدة فإنني أتعامل معه بتوجس شديد، وأتساءل: أهي من هذا الصنف من النساء اللواتي يكتبن لمجرد الرغبة في الكتابة والانضمام إلى ما يمكن أن نطلق عليه نادي المبدعات، أم هي واهمة أنها مبدعة، أم أنها بالفعل كاتبة حقيقية؟

 ولعل هذا التوجس راجع إلى كثرة الأعمال التي طلب مني إبداء الرأي فيها، ولكنني ما أن طالعتها حتى ندمت على الوقت الذي أضعته معها.

وعندما توفرت لي نسخة رواية “ذلك الغريب” لمريم هرموش، قلت لنفسي: سنرى من أي صنف تكون؟

وما أن طالعتها حتى أدركت أنني أمام روائية كبيرة بحق، تظلم إذا تعامل النقاد معها على أنها مجرد امرأة تكتب، ووضعوها على رف النسوية.

 ففي تقديري أن صاحبة “ذلك الغريب” لم تقع في فخ الإقصاء بالتصنيف الذي خدعت ووقعت فيه كثير من مبدعاتنا العربيات، بل إنها طرحت نفسها كمبدعة تعلم جيدًا أنها تكتب أدبًا إنسانيًا يخاطب البشر في الكون كله.

ومن خلال أدواتي النقدية وتمرسي في قراءة مئات الأعمال للتأكد من نوعية نسيجها ومدى متانته، يمكنني القول إن هذه الكاتبة، التي لم أقرأ لها من قبل، تمتلك أدوات الروائي الواعي ومنها هذه اللغة العربية الصافية السليمة والعصرية أيضًا، التي لا تتحول إلى العامية إلا في عبارات حوارية فصيرة على ألسنة شخصيات يناسبها التعامل بهذه اللهجة، فضلًا عن أن مريم هرموش يمكن أن أطلق عليها مقولة الناقد الكبير الراحل جلال العشري “تكتب وعينها على السينما” من فرط براعتها في استخدام اللغة البصرية واللجوء إلى تكنيك يضفي على الرواية جاذبية ويجعلها تجتذب من يريد أن ينتج سينما أو دراما تليفزيونية غنية بالأحداث.

ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن هذه الرواية من أصدق ما عبر عن همّ البشر في هذه الألفية الثالثة ومواجهتهم لمصائرهم المأسوية التي لا ذنب لهم فيها بدءًا من النزوح بالقوة عن الوطن الأم، والتهجير الإجباري، إلى مصارعة الموت وجها لوجه بعد تفشي جائحة كوفيد19 وأخواته.

ولأنها تكتب وعينها على الشاشة، فهي تدرك أن متلقي العمل الدرامي يحتاج إلى قدر من الإثارة والتشويق ويتأتى هذا عبر تصوير نزق مدحت زوج البطلة أريج الذي أوقعها في شباكه، وهي بعد طالبة في الجامعة التي يعمل أستاذًا بها، وتزوجها طمعًا في ثروة والدها ومكانته.

إلا أنه سرعان ما يهملها ويستمر في ممارسة نزقه وانحرافه مع ضحاياه من النساء اللواتي يلتقيهن في مكتبه ليلًا بحجة اختبارهن للعمل في مكتبه، وغير ذلك من المشاهد التي ترجح كفة الرواية سينمائيًا.

نضيف إلى ذلك تمكن مريم هرموش من الكتابة عن الأماكن؛ فكندا وثقافة التعامل مع الجليد، تختلف عن جنوب إيطاليا بحيويته وأطعمته ولا سيما البيتزا المطهية على الحجر والأنبذة الشهيرة، قيل أن يتبدل الحال مع تفشي الجائحة التي حصدت ألوف الأنفس.

مريم هرموش ليست مجرد أديبة تكتب رواية وهي بمعزل عن الحياة، بل هي تعرف كيف تفيد من تجاربها في السفر والإقامة في مدن كثيرة، ومن عملها في مجال استشارات الهجرة.

هذا فضلًا عن أنها مهمومة في روايتها بطرح عديد من الأسئلة الوجودية الكبرى.              

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى