لأجيال يسحقها الهوس.. تلك من أنباء بيوت القرى

عبد الوهاب شعبان | كاتب صحفي مصري

 د. محمد عبد العظيم البوشي

 وأنت تتابع هوس المتنطعات، والمتنطعين، ويسحبك اللاوعي المفروض بفعل عقل جمعي أخرق، وبعد أن تقتبس، تنسخ، وتلصق تدوينات اعتداءزوجات على أزواج، وتضحك حد البلاهة على اللامعقول، واللامقبول بإمكانك أن تتوقف بضع ثوان.

– في أحد بيوت الريف(قبل أن يصحبه سعار المقاهي، ويغير على هوائه دخان التكاتك، ويزحف أسمنت التبطين إلى ضفاف ترعه)، وحين بلغ الإبن الثالث “محمد”عامه السادس، وارتدى زيًا مدرسيًا، نبت حلم، وتبلور، وتنامى في ذهن الأب، في غدو الطفل، ورواحه يناديه(يا دكتور محمد)، لا هو يعلم الغيب، ولا الإبن يدرك عمق النداء.

– في الصباح، وقبل أن ينطلق الولد إلى مدرسته، يحزم الوالد أجولة البقوليات، يروض الأمنيات، ويمشي في مناكبها باحثًا عن رزقه، ومع الظهيرة تتحلق الأسرة على مائدة غداء لا تنقصها البساطة، ولا تخلو من الرضا.

-ولأن الفطرة السليمة كانت سمة الأمهات-وقتذاك-،احتفت الأم بأمنية زوجها، سقت غراسها باحتضان الأبناء، خفضت جناح أمومتها، وأتبعت الوالد، وما ولد دعاءً، ووفاءً، دارت في فلك الأسرة المكافحة حيث يدور، تهذب المحنة، وتذيب أثرها،لا تسبق خطوتها، ولا تتأخر إلا بما يراد به صلاح ذريتها.

-لم يحمل الأبوان شهادات جامعية – منزوعة الأثر-، ولم يحصلا على دورات تدريبية في تربية الأبناء حين قررا معًا عدم ترك الأبناء للصدفة، وانحازا بما لديهما من تعلق بالسماء إلى تعليم الأبناء بالقدوةفي المثابرة، والصبر، وتتبع مسارهما في التحصيل الدراسي عن قرب، دون أثر لضغوط نفسية.

مع آذان العصر، وبعد آداء الصلاة، يتعقب الرجل سير ابنيه لمركز الشباب، يجلس في صفوف المشجعين،ويتهادى منتشيًا كلما سدد الإبن محمد تسديدة موفقة، وفي مشية الأصدقاء يعودان، غير مكترثين بحكايات الثراء، ومسارح الغناء السائدة-وقتئذٍ-.

وانقضت مراحل، وسنوات، يتنامى الإبن، والحلم أمام عين الرجل، وعند لحظة الحصاد تفوق محمد بما لم يتوقع الوالد، والتحق بكلية الطب “واقعًا” لم يغب عن عين أبيه، وفؤاد أمه، ولما لم تكن الأيام منصفة في بلوغ الأمنيات توفي الوالد حين كان محمد عبدالعظيم البوشي في السنة الخامسة، واهتز الكيان!.

الأم التي أنضجتها التجارب مبكرًا لم تهتز، فهي التي لازمت زوجها جنبًا إلى جنب، تحفظ أسرار تجارته، وأحلامه الكبيرة، وذات فقد، انتصبت قامتها في مواجهة الأعباء، وحينذاك، ولما كانت الحكاية ذات شجن، نزل الطبيب الأسواق حاملًا صبر أمه، ودفاتر الحسابات، يفكر، ويدبر، ويمسح عنها عرق الكفاح الشريف.

– وإلى حين تخرجه، وبعد سنوات الانتظار، حملت اللافتة في مدخل المدينة اسم الولد، وحلم الوالد “د. محمد عبدالعظيم البوشي-أخصائي الأنف، والأذن، والحنجرة”، كوثيقة تحفظ للكفاح ذاكرته، وتعلم الأجيال أن النجاحات البراقة مردها إلى “أب حالم”، وأم صابرة، وحلال لم تكتنفه شبهة، ولم تخضبه شهوة الوجاهة.

الآن، وعلى وقع شواهد مجتمع مهترئ، يمكن للعابرين المرور خلف سيرة طيبة، وأثر ممتد، وطبيب فتح الله في قلوب الناس، بما أضمر أبويه من سكينة، وبما يبديه من بر، وطمأنينة.

حفظ الله الصديق محمد البوشي، ورحم والده، وأجزل عطاء غير مجذوذ لوالدته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى