رواية.. حكايات ما بعد النوم

نزار الحصان – مخرج سينمائي| النمسا

الحكاية الأولى: “حليمة تحدد مستقبل الجميع “
“أبو حنا”… اختلفت القصص حول سبب إطلاق هذا الاسم عليه ولكن الأكيد أن خالد هو من أطلق عليه هذا الاسم ,وخالد هو صاحب الصوت الجميل الذي ورثه عن والده الذي رغم جمال صوته في الآذان وفي تلاوة القرآن لم يكن يسمح له بذلك,لأن اقامة الآذان كانت موزعة كمحاصصة بين مختار الحي وأصدقائه أو من ساهم بدفع مبلغ مالي كبير في بناء المسجد, بغض النظرعن قباحة أصوات معظمهم مما كان يثيرأبو رامز الجار الملاصق للمسجد.
الإحتمال الأول لتسميته “أبو حنا” أنه قد نحت خارطة فلسطين على صليب خشبي صنعة لتبدو كما لو أنها مصلوبة وعلق ذاك الصليب في رقبته, فأُطلق عليه اسم “أبو حنا” و كان هذا في مرحلة مبكرة.
الرواية الثانية انه كان يشرب الكحول منذ الصباح مع القهوة ويسرف فيه فتمت استعارة التسمية من أغنية لفيروز(حنا السكران).
أما الرواية الثالثة فتعود الى المراحل الأولى من عمره حيث أطلق خالد عليه “أبو حنا” على اسم مُشغل الفلم في سينما الأندلس حنا
وهنا تبدأ القصة ف”أبو حنا” -لم يكن في تلك الفترة هذا اسمه- كان مولعاً بالسينما, وعمل كل ما بوسعه ليصنع لأترابه في المخيم ما يشبه السينما, مستخدما الكرار الخشبي و الزجاج المكسر لقطرميز المكدوس وشرائط من النايلون الشفاف يرسم عليها بمهارة شخوص أفلامه.
كان يجمع مدخراته القليلة ,وما تيسر جمعه أو سرقته من اخوته الأكبر سنا ليشتري ما يلزم من العدسات وبعض المستلزمات ويقوم بجمعها و إعادة تصنيعها بما يحاكي جهاز العرض وبعد تجارب عديده نجح في ذلك.
خالد الذي يكبره بسنوات أعجبته الفكرة وقرر أن يتبناه فنيا ,فأسسا ما يشبه دارعرض كان يتولى خالد مسؤوليتها وتنظيم العروض وتجهيز بطاقات الدخول التي كانت عبارة عن قصاصات من أكياس الإسمنت ولكي لا يتم تزويرها كان يصبغها باليود الذي كان من الممكن الحصول عليه من مستوصف وكالة الغوث لعلاج الجروح.
ولكن دار العرض لم تعد تتسع للمتفرجين وهي بالأساس كانت الزقاق الضيق (الزاروبة) الذي يفصل بين منزل “أبو حنا” وخالد فانتقلت دار العرض الى الساحة حيث “الحاووز” أي خزان المياه العالي الذي يغذي المخيم بالماء ,ففي هذه الساحة انتصبت شاشة اسمنتية عالية كانت تستخدمها وكالة الغوث في عرض أفلام متنوعة كل خميس من نهاية الشهر حول أوضاع اللاجئين والخدمات والإنجازات التي تقدمها الوكالة وأخرى حول شعوب متطورة و كيف يقضون أوقات الفراغ وكانت هكذا أفلام تثير الحسرة لا المتعة,وهذا ما جعل ما نقدمه يلقى استحسانهم رغم بساطته ,وقصر وقته .
ولكن بعد أن تقلصت الخدمات التي يجب ان تقدمها الوكالة استبدلت تلك الأفلام الوثائقية بأفلام فريد شوقي وتوفيق الدقن وسعاد حسني و فاتن حمامة و رشدي اباظة .وبسب هذه الأفلام فقد “أبو حنا” وخالد جمهورهم لعدم القدرة على تقديم شيء منافس ,حتى بعد ازالة الحائط الاسمنتي بمؤامرة من المختار وبعض رجال الدين بسب ما تحتويه على ما أسماه الشيخ حسن مشاهد غير محتشمة -وكيف له أن يعرف اذا كان مصابا بعشى ليلي وضعف بالنظر_يمنعه حسب قوله من قراءة القرآن وبالإضافة لهذا فقد أقر إمام المسجد أن عدد المصلين في يوم الجمعة التي تلي العرض ينخفض الى النصف لأن العروض تستمر حتى وقت متأخر من الليل,وشغف المتزوجين في تطبيق ما شاهدوه.
رغم مرور السنين ما زال “أبو حنا” ينتابه الحنين الى تلك الشاشة الإسمنتية الضخمة ليس بسبب عشقه للسينما فقط ,انما وعلى الأغلب بسبب عضوي , فكما أسرت له الحجة حليمة والتي كانت الداية التي ولدته انها دفنت صرته تحت جدار شاشة السينما قريبا من بيت أم أحمد .
وكما تقول الأسطورة :أن طبيعة المكان الذي تدفن فيه الصرة هو ما يحدد مستقبل الشخص .
فحمد الله كثيرا كونه أصبح مولعا بالسينما, وشكرحليمة جزيلا لأنها لم تدفن صرته بجوار غرفة أم أحمد -العاهرة الأشهر في المخيم – التي لا تبعد عن جدار شاشة العرض الإسمنية سوى بضعة أمتار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى