الجامعة العربية بين خيارين: الإصلاح أو الإلغاء
ناصر أبو عون| رئيس تحرير عالم الثقافة
مع تجدد الأزمات ونشوء الصراعات العالمية، دونما مشاركة جامعة الدول العربية في صناعة القرار العالمي، وخاصة فيما يتعلّق بمستقبل منطقة الشرق الأوسط، ومما يشي بانتهاء صلاحيتها في ظل مناخ جديدي تبعثرت فيه الفكرة القومية وصعود القطرية، وظهور تحالفات ثنائية قفزت على ثوابت الأمة العربية.. ينفتح (الجرح العربي) ويتساءل رجل الشارع العربي قبل الباحثين والمتخصصين عن الأسباب التي تقف وراء ضعف أداء الجامعة خاصةً على صعيد (فض النزاعات العربية العربية). فضلا عن القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء والتي يتمّ التغاضي عن مناقشتها أو اتخاذ قرارات إيجابية بشأنها وهي (تداول السلطة، وتشكيل مجلس أمني وبرلمان عربي موحد ومحكمة عدل عربية ومنتدى للأمن القومي).
وبعد مضي ربع قرن ونيّف على توقيع ميثاق تأسيس الجامعة في القاهرة عام 1945، وبتحليل مسيرتها التاريخية ومنجزاتها السياسية والاقتصادية نخرج بكثير من الإخفاقات وقليل من الإنجازات مما يستدعي التفكير جديًا في أحد خيارين:
الأول: إمَّا إجراء إصلاحات جذرية (لاترقيعية) ومداوة جسدها المثخن بالجراح فالكيانات والمؤسسات مثل البشر تشيخ ويضرب في أركانها المرض وتعجز عن مواصلة دورها مما يستدعي التفكير جديًا في إصلاح هيكلها وبعث الحياة في منهاج عملها وتحديث وتطوير منظومة إدارتها.
والثاني: وإمَّا اتخاذ قرار جريء بإنهاء وجودها والتفكير في إنشاء كيان موازٍ أو استحداث منظمة جديدة على أسس أكثر ديناميكية.
وقبل التفكير في هكذا خطوة يتوجب طرح مجموعة من التساؤلات البحثية حول مستقبل جامعة الدول العربية ومن أهمها: هل الخلل في الجامعة وميثاقها ومؤسساتها أم في السياسات الإدارية والأهداف التي أنشئت الجامعة على أساسها؟ وإلى أي مدى يمكن أن تذهب عملية إصلاح الجامعة؟ وما تأثير السياسات الإصلاحية المرجوة على مسيرة العمل العربي المشترك وفاعليته؟
لقد أكدت العديد من الدراسات التي أجريت عن تطوير الجامعة ومستقبلها بأنّ الخلل في أداء الجامعة المترهل كثيرًا والمخجل أحيانًا يتمحور حول (ميثاق الجامعة)، و(سياسات البلدان الأعضاء)؟ وهي الإشكالية ذاتها التي دعت الباحث الأميركي مايكل برونينغ، في مجلة “سياسات دولية”، يتساءل: ”هل حانت ساعة جامعة الدول العربية؟” وانتهى إلى القول بأن الجامعة العربية لم ترتق أبدا بحق إلى طموحات شعوبها”. ومرارة السؤال نفسه نجده عند الزعيم الفلسطيني أحمد الشقيري في كتابه: “كيف تكون جامعة، وكيف تصبح عربية؟” وانتهى في خاتمة كتابه إلى القول: “إن الجامعة العربية سارت خطوات على طريق التجزئة والانفصال وألقت بالوحدة العربية في سلة المهملات”. وتوصيف العطب في (ميثاق الجامعة) لا يحتاج إلى حاذق أو فقيه في (القانون الدستور والدولي) وكل الدول الأعضاء تعرف موضع الداء والنقاط السلبية في الميثاق التي جعلت من هذا الكيان الدولي الكبير “بطة عرجاء” أهمها:
أولا – الخلل بنظام التصويت في أجهزة الجامعة. والذي يقوم على “قاعدة الإجماع” حيث ينص الميثاق على أن ما يقرره مجلس الجامعة بالإجماع لا يعتبر نافذا إلا بعد أن يُصادق عليه من الدولة القطرية وفق أنظمتها الأساسية.
ثانيًا – عدم إلزام الأعضاء بتطبيق قرارات الجامعة فقد نصّ ميثاق الجامعة على أنّ ما يقرره المجلس بالأكثرية يكون ملزماً لمن يقبله وغير ملزم لمن لم يوافق عليه (المادة 7).
ثالثًا – احتكار مصر لمنصب الأمين العام وعدم تداوله منذ نشأة الجامعة وحتى اليوم باستثناء الفترة من 1979 – إلى 1990 وكانت اعتراضًا على اتخاذ الرئيس السادات قرار السلام مع إسرائيل دون مشاورة القادة العرب.
رابعًا – عدم وجود فروع للجامعة في البلدان العربية وعدم وجود آلية واضحة وديمقراطية ومباشرة في ترشيح الأمين العام من قِبَل الدول الأعضاء.
خامسًا – إنّ خطوة إصلاح الجامعة تتطلب جهدًا كبيرًا لإقناع الدول الأعضاء بضرورة الإقدام “إعادة كتابة ومراجعة ميثاق الجامعة”، واتخاذ خطوات إصلاحية جذريّة.
سادسًا – تكمن نقطة ضعف (ميثاق جامعة الدول العربية) في محاولته التوفيق بين (القطرية والقومية)، وقد شرح د. مجدي حماد هذه النقطة باستفاضة في كتابه “جامعة الدول العربية مدخل الى المستقبل” حيث أوضح كيف اعتبرت الجامعة منظمة اقليمية اختيارية تقوم على أساس السيادة والمساواة بين دولها، كما إن العلاقة بين القومية والقطرية هي تعبير عن جدلية بين تيارين يتفاعلان فالتيار القومي يجد مصدر قوته في وجود الأمة بمقوماتها المختلفة وفي تحديات التنمية الشاملة والتحدي الصهيوني وكذلك في حقيقة ان الكيانات الصغيرة لا أمن لها ولا استقلال في حين ان التيار القطري يستمد قوته من مواريث المرحلة السابقة للاستقلال والرغبة في الاستمتاع بالاستقلال والاستئثار بسلطة الدولة وما فرضته الحقبة النفطية من تنافس بين الحكام على النفوذ والسيطرة، لذلك تبادل التياران المذكوران الصراع عبر تذبذبات عديدة.
سابعًا – جاءت مادة (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء) مطاطة وحمّالة أوجه وخاضعة للتأويلات والتفسيرات وقد تأرجح تطبيق مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بين الضيق والاتساع، فتارة نجد أن الدول الأعضاء في الجامعة قد تناولوا أمورا تدخل في إطار الشؤون الداخلية بحجة الدفاع عن الفكرة القومية وتارة أخرى نجد أن تعاون الدول الأعضاء يتم في إطار هذا المبدأ. وقد استبعد واضعوا الميثاق كل ما من شأنه أن يمس هذا المبدأ كاستبعادهم مثلا مبدأ عدم جواز أن تنتهج دولة عربية سياسة تخالف سياسة الجامعة العربية “انظر، مفيد شهاب، المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، القاهرة 1974 طبعة (2) ص425).
ثامنًا – أسقط ميثاق الجامعة من نصوصه ما تمَّ الاتفاق عليه من مبادئ وأهداف وردت في بروتوكول الإسكندرية عام 1944 خاصة فيما يتعلق بتقييد حرية أية دولة عربية في القيام بانتهاج سياسة خارجية تخالف سياسة الجامعة أو تصطدم معها صراحة، باعتبار أن التنسيق في نطاق السياسات الوطنية هو الممر الآمن والمدخل الحقيقي نحو الوحدة العربية.
تاسعًا – فضلا عن القضايا الخلافية بين الدول الأعضاء والتي يتمّ التغاضي عن مناقشتها أو اتخاذ قرارات إيجابية بشأنها وهي (تداول السلطة، وتشكيل مجلس أمني وبرلمان عربي موحد ومحكمة عدل عربية ومنتدى للأمن القومي).
عاشرًا – ارتفاع ميزانية الجامعة ورواتب موظفيها حتى أضحت (واجهة دبلوماسية) لأبناء الطبقة السياسية الحاكمة والمولاة والذين تتكدس بهم مؤسسات الجامعة ومكاتبها الخارجية والتي اقتربت “ميزانيتها من 20 مليون دولار سنويا، منها 19 مليون دولار تقريبا نظير مرتبات الموظفين وإيجار مقرّات، في حين يبلغ الإنفاق على الأنشطة مليون دولار”. وفق تصريح سفير المملكة العربية السعودية أحمد القطان.
هذا فضلا عن العديد من التحديات التي تفرض ضرورة التوجه إلى إصلاح جامعة الدول العربية وفي وقت قياسي منها ما هو سياسي بحت وما هو أمني فعلى صعيد التحديات الأمنية تواجه الأمة العربية إشكاليات عديدة يأتي في مقدمتها (الإرهاب الدولي وتنامي الجماعات المسلحة والمتطرفة في مصر واليمن وليبيا وسوريا والعراق نموذجا) مدعومة بتوترات وتهديدات إقليمية وصراعات بين بعض البلدان وصلت إلى حد الصدام المسلح، والاحتلال الأجنبي لبعض الأراضي العربية)، أما على الصعيد السياسي فهي عديدة وإشكالاتها متمددة يتقدمها اتساع فجوة التقارب بين بعض الأنظمة العربية وانعكاسها على المجالات السياسية وأفق التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني بالإضافة إلى التهميش المستمر للأمة العربية على أجندة المجتمع الدولي، وتراجع منظومة الحكم الرشيد في العديد من البلدان.
وفي الختام نحن نؤيد (الاتجاه الإصلاحي والتدريجي) للجامعة والذي ينبني في الأساس على موضوع إصلاح العلاقات العربية/ العربية، والاشتغال على بعث الإرادة السياسية العربية وتفعيل النظام العربي والسعي الحثيث نحو تنقية الأجواء العربية والعمل على تسوية الخلافات. انطلاقا من آمال الشعوب العربية والتي تشكل أساساً متيناً يجتمع عليه الشمل العربي واقتراح الآليات التي تساعد على تحقيق ذلك.