من مِشْكاةِ النبوّة.. حديث الوحي (1)

د. خضر محجز | فلسطين

قال الإمام محمد بن إسماعيل البخاري أمير المؤمنين في الحديث: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّهَا قَالَتْ:
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ الْوَحْيِ، الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ: فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. [قالت أُمُّنا عائشة عليها السلام]:
فَكَانَ يَأْتِي حِرَاء، فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ ـ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ـ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ، فَتُزَوِّدُهُ لِمِثْلِهَا. حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ﴾.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. [قال النبي لخديجة ما تنقله عائشة عليهما سلام الله]: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ﴾. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ﴾. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [قالت أُمُّنا عائشة]: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقَالَ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي. فَزَمَّلُوهُ، حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ،
فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ، مَا لِي؟

[قالت أُمُّنا عائشة]: وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي. فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً: إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
[قالت أُمُّنا عائشة]: ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ، حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ـ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخُو أَبِيهَا ـ وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ الْإِنْجِيلِ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ. وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ.
فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: أَيْ ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ.
فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟
[قالت أُمُّنا عائشة]: فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَا رَأَى.
فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى. يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعاً، أَكُونُ حَيّاً، حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟
فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّراً.

[قالت أُمُّنا عائشة]: ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ.
(متفق عليه. واللفظ للبخاري).

الشرح:
سنتكلم اليوم في الإسناد ونتكلم غداً ـ إن شاء الله ـ في شرح الحديث.
أولاً في الإسناد:
هذا الحديث سمعه البخاري من طريقين، كل منهما يوصل إلى الإمام الفقيه الثقة الحافظ الثبت محمد بن شهاب الزهري:

1: الطريق الأولى: حدث بها البخاري سماعاً من يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، وهو من كبار حفاظ المصريين، وأثبتُ الناس فيما يحفظ وينقل عن اللَّيْث بن سعد الإمام المعروف، الذي قال فيه الشافعي رضي الله عنه: الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه ضيعوه.
فيحيى ينقل عن الليث، ما نقله عن عُقَيْلٍ، الذي هو الثقة الثبت عقيل بن خالد بن عقيل الأيلي مولى عثمان بن عفان. وهذه الصيغة إن نقلها إمام غير مدلس أفادت السماع.
وقد نقله عقيل عن محمد بْنِ شِهَابٍ الزهري، بنفس طريقة العنعنة التي أفادت السماع.

2: الطريق الثانية: وُجدت في الإسناد هنا بعد أن تمت الطريق الأولى، فانتقل البخاري إلى الثانية بالرمز (ح) أي: أتحول فأقول من جديد: بعد أن سرد مولانا البخاري ـ رضي الله عنه ـ هذا الطريق الجبل الذي يقوم وحده، أحب أن ينقل لنا نفس الحديث من طريق فقال: وحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أي: أنه سمع ذلك منه، وعبد الله بن محمد هذا هو ابن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي البخاري الثقة الحافظ.
فنقل عبد عن عبد الرزاق: الذي هو عبد الرزاق بن نافع بن همام الحميري الثقة الحافظ. الذي سمع الحديث من مَعْمَر. ومعمر هذا هو ابن راشد بن أبي عمرو الأزدي، البصري مولى المهلب بن أبي صفرة، وهو ثقة ثبت فاضل.
فمعمر نقل هذا الحديث بصيغة الجزم (قال) عن ابن شهاب فقال: قال ابن شهاب. ولا يقول هذا حافظ غير مدلس إلا كان سمعه منه.
فالآن يتحد الطريقان عند ابن شهاب الزهري الذي يقول: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قلت: وعروة هو ابن الزبير، التابعي الطاهر أخو عبد الله ابن الزبير الصحابي الكريم ـ رضي الله عنه ـ وأمهما أسماء بنت أبي بكر، فعائشة الصديقة بنت الصديق أُمي وأُمُّكم وأمُّ كل من آمن بالله ورسوله، هي خالتهما.
فكان عروة وعبد الله يدخلان عليها ويسمعان منها.
وقد كان عبد الله يُدلّ على خالته أم المؤمنين بما تراه ولدها، فربما غضب من كثرة إنفاقها على الفقراء ـ أيام كان أمير المؤمنين ـ فخرجت منه كلمة أغضبتها، فحلفت ألا يدخل عليها، فكان يجلس ببابها يبكي ويستعطف أياماً، حتى أذنت له فعاد. وكفَّرْت عن يمينها مراراً كثيرة وكانت تبكي لذلك. رضي الله عنها وعنه وسلام على الأحبة.
وللتنويه أقول أن ليس هذا الحديث من حديث هشام بن عروة عن أبيه، بل هو من حديث الزهري عن عروة. وكنا قد تكلمنا في حديث سابق عن طريق هشام بن عروة عن أبيه، بما لا يحتاج إلى مزيد بيان.
اللهم توفني خادما لكتابك وسنة نبيك واجمعني مع الأحبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى