احتقار العرب والشعوبية الحديثة
رضا راشد | الأزهر الشريف
أرى نغمة سائدة بين الناس اليوم تحتقر العرب وتبغض هذا الجنس الشريف إلى أبنائه، حتى بلغ الأمر بالأبناء أن يخجلوا من نسبتهم إلى العرب، وإلى أن يتمنوا أن لو كانوا من جنس آخر غير العرب، وتلك – لعمر الله – قاصمة الظهر.
لذلك كانت هذه الكلمات عن العرب وما فيهم من الفضائل، لا نحكم عليهم من واقعهم الحالى؛ فإنما هو حلقة في سلسلة طويلة من التاريخ، فمن أراد أن يعرف فضل العرب فليقرأ قول الله تعالى: (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فهذه الآية تلخص وتجمل حكمة الله العالية في تكريم العرب، بجعل الرسالة الخاتمة فيهم، وأن الله ما اصطفى خاتم الأنبياء والمرسلين من العرب إلا لما حملوه من الفضائل التي أودعها فيهم ربنا والتي يستدعيها القيام بأعباء الدعوة، فقد هيأ الله العرب لمجيء الرسالة بتحبيبهم في الشعر وفي البيان، فلما نزل القرآن كانوا خير من أدركوا إعجازه، بل قال فيه كفارهم كلمات ربما نعجز(نحن البلاغيين) عن تبين مظاهرها في الكتاب العزيز إلى الآن. وحسبكم ما قاله الوليد بن المغيرة في القران.
وكانوا أمناء على الكلمة والبيان، حتى إن القران الكريم عندما تحداهم أن يأتوا بمثل القران أو بعشر سور أو بسورة لم ينصب لهم حكما من سواهم، بل جعلهم هم المحكمين؛ دلالة على أنهم لن يخونوا أمانة البيان لخصومة أو غيرها، ولذلك لم يؤثر عن أحد منهم أنه حكم مفضلا ما يقولونه على القرآن كذبا وزورا. أليس هذا من فضائل العرب كجنس؟
لقد كان لدى العرب من النخوة والغيرة على العرض ما يجعل حياة الواحد فيهم أرخص من التراب إن مس عرضه؛ ولهذا كانوا يأتون بالنساء خلفهم في الحروب ليمنعنهم من الهرب، وكن يقلن: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق.. إلخ وحسبك أن تعرف أن الزنا لم يكن معروفا عندهم في الحرائر، ولذلك قالت هند بنت عتبة لما أخذ عليهن البيعة:أوتزني الحرة يا رسول الله؟! متعجبة. ولم يكن احترام العرض مقصورا عليهم وحدهم، بل كان عاما حتى لدى خصومهم وهذا ما منعهم من أن يقتحموا على النبي صلى اله عليه وسلم بابه ليلة الهجرة، وكان في ذلك تحقيق لآمالهم ونهاية لمتاعبهم التي دامت ثلاث عشرة سنة؛ لنعلم الفرق بين كفار الأمس ومسلمى اليوم (وأنت أدرى من أقصد؟) وأبو جهل هذا استحيا من فعلة فعلها يعتبرها القوم منا اليوم شيئا عاديا، لما جن جنونهم بإفلات الرسول من بينهم، فذهبوا إلى دار أبي بكر يسألون عن محمد وصحبه، فلما أخبرتهم أسماء رضي الله عنها بالأمر لم يشعر أبو جهل بنفسه إلا وهو يلطمها، ثم كأنه خجل من نفسه فطلب من أبي سفيان أن يستر عليه حتى لا تعيره العرب .
وهل كان ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه أسرتيهما للحاق بهما بعد الهجرة إلا ثقة منهما بأخلاق العرب وأنهم لن تدفعهم الخصومة إلى إيذاء أحد من الأسرتين الكريمتين؟
ترى: لو كان ذلك حدث الآن: ألم يكن سيتتخذ الأسرتان رهينة للي ذراع النبي وأبي بكر؟لكن أخلاق العرب أبت عليهم ذلك
ثم كان تحبيب العرب في القتال وبراعتهم تربية من الله لهم وتهيئة لتحمل أعباء الجهاد في سبيل الله وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم (تجِدونَ النَّاسَ معادنَ فخيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقُهوا وتجِدونَ خيرَ النَّاسِ في هذا الأمرِ أكرَهَهم له قبْلَ أنْ يقَعَ فيه وتجِدونَ مِن شرِّ النَّاسِ ذا الوجهَيْنِ الَّذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجهٍ) فقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم للعرب بأن فيهم خيارا وأما الحديث النبوي (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) فهو في مجال المفاضلة بين الأفراد لا بين الأجناس
إن خالد بن الوليد وعمر بن الخطاب والمقداد وغيرهم إنما هم أناس ربتهم الجاهلية وصقلهم الإسلام
ترى: لو كان العرب بهذا السوء الذي يصدر لنا عن عمد: أكانوا يستحقون أن يحملوا شرف عبء تبليغ الرسالة الخاتمة إلى العالم، ولو كان غيرهم من الأجناس أفضل منهم ثم نزلت الرسالة فيهم، أليس يعد ذلك سفها وهو مستحيل على الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا
وأما ما في العرب الآن من الخنوع والخضوع فيخيل إليَّ أنه إنما تسلل إليهم من النطف غير العربية التي اختلطت بالأرحام العربية بسبب الاختلاط بين العرب والأعاجم الناتج عن الفتوحات الإسلامية وهجرة العرب والصحابة والتابعين إلى البلاد المفتوحة،وإلا: فلو كان فينا أمثال: عمرو بن كلثوم وعنترة في شجاعتهما، والسموءل في وفائه، وحاتم في كرمه ، وغيرهم في النجدة والإغائة =لما كان حالنا الآن على ما نرى، وإلى الله المشتكى