احذر أن تكون منهم
خالد رمضان | كاتب تربوي مصري
صفتان جُبِلَ الإنسان على حبهما، الإطراءُ، وحب الشهرة، فإذا أنت مدحت أي شخص فسيتصل بينكما حبل الوتين، وستجده مقبلا عليك بكل جوارحه، وستجده يسعى لملاقاتك دائما كي يستمع إلى هذا الكلام المعسول، ولو كذابا.
وتأتي الصفة الثانية تلك المساوية للأولى في المنزلة، ألا وهي حب الشهرة، هب أنك وقفت في طابور الصباح، وأمسكت بالمذياع وذكرت اسما لصديقك، أو طالبا من طلابك فستجد السعادة تغمره، والابتسامة تعلو وجهه، فما بالك إذا ظهرت على شاشة التلفاز، أو كنت شاعرا مرموقا، أو كاتبا مشهورا، أو ، أو ، أو .
إن منا من يدفع الثمن باهظا لينال شهرة زائفة، أو رفعة خاوية، ثم تتمخض هذه الشهرة، أو تلك الرفعة عن داء خطير، ألا وهو داء الكِبر .
فاحذر أن تكون من المتكبرين.
إنه داء خطير قد يصل بصاحبه إلى ما لا يُحمد عقباه في الدنيا والآخرة، وذلك بنص الحديث القدسي، حيث يقول المولى:”قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار)، وروي بألفاظ مختلفة منها (عذبته) و(قصمته)، و(ألقيته في جهنم)، و(أدخلته جهنم)، و(ألقيته في النار) الحديث أصله في صحيح مسلم وأخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وغيرهم وصححه الألباني.”، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر“، فعقب أحد الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، يا رسول الله، إن الرجل فينا يحب أن يكون ثوبه نظيفا، ونعله نظيفا، فهل هذا من الكِبر؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الكبر بطر الحق، وغمط الناس)، أي احتقارهم.
ولكم هلك الهالكون، وخسر العديدون بسبب ذلك الداء العضال، فما تمرد إبليس إلا بسبب كبره، وما هلك فرعون إلا بسبب كبره، حيث قال عند غرقه : ” ٱمنت أنه لا إله إلا الذي ٱمنت به بنو إسرائيل” فما كان جزاؤه إلا الهلاك في الدنيا، وله في الٱخرة عذاب شديد.
وما كفار مكة عنا ببعيد، فلقد كانوا يعلمون بنبوٌة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – تمام العلم، حيث يقول أحدهم: إني أعرف محمدا كمعرفتي لولدي، ومعرفتي بمحمد أشد.
ولك أن تتخيل كيف يشكك في انتساب ابنه إليه، وفيه اتهام لزوجته بالخيانة، ولا يجرؤ على التشكيك فى نبوته صلى الله عليه وسلم.
إذن، فما الذي منعهم من الإيمان؟
إنه الكبر، والعياذ بالله
يقول تعالى “قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ٱباءنا“، وفي ٱية أخرى “قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ٱباءنا“، ومعنى ألفينا أي ألفنا، فوجدنا ٱباءنا، وأجدادنا
وذلك هو الكبر بعينه .
وعلى هذا المنوال، فكل مجادل يسعى لإثبات حجته بالقوة متكبر، وكل مخطئ في حق غيره، ولا يرضى بالاعتذار متكبر، وكل فخور بنسبه، وحسبه محتقرا لمن دونه متكبر.
فلتعلم يا أخي أن المتكبر مبغوض مرفوض فمثله كمثل الواقف على قمة الجبل، يرى الناس صغيرة، ويرونه صغيرا .
يروى عن الشيخ الشعراوي رحمه الله حينما كان في بعثته للجزائر، فأعطى محاضرة حتى أن الناس من شدة إعجابهم حملوه على أعناقهم، فبعد مسيره بالسيارة أمر السائق أن يقف، ودخل المسجد، فحينما تأخر عن المعتاد دخل السائق في أثره، فوجده جاثيا على ركبتيه يمسح المراحيض بيديه، فقال له: ما حملك على هذا يا مولانا؟
فقال الشيخ: حينما حملني الناس على أعناقهم أخذني العُجب، فخشيت على نفسي من الكِبر فأردت إذلال نفسي وقاية لها من ذلك.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فقد كان يجلس على التراب، وينام على الحصير، ويأكل خبز الشعير، ويخيط الثوب، ويصلح النعل، بل وكان في خدمة أهله وهو رسول الله، أعظم من خلق رب العالمين.