خاطف البهجة.. موسيقات ضرورِية لاتمام النشيد.. قراءات في شعر السمّاح عبد الله (7)

فتحي محفوظ | ناقد مصري


القصيدة الخامسة
مُوسِيقَاتٌ ضَرُورِيَّةٌ لِإِتْمَامِ النَّشِيد

رجلٌ وبحرٌ وامرأةْ
نامت على عُرْيِ حشيشِ البحرِ في حال الصبابةِ
واتّكا بجوارها يمسح ملح البحرعن سلسلة الظهرِ
ويبتاع المواويلَ التي عبرتْ على سِكَّتِه ذات نهارٍ
ويهشّ الذكرياتِ الخاطئة
والبحرُ من تحتهما يصعد
حتى يلمسَ الأقدامَ
يصعد
حافيا
حرًّا
خفيفًا
ويغطي جسد المرأةِ في حال الصبابةِ
ويغطي رجلا يبحث في الذاكرة النسَّاية
عن شجرٍ
يصطفّ كي يحرس دارا
واطئة.
///
إن كنتَ فوق الجسرِ سائرا
وأومأتَ إلى البحرِ
فلن تلقاهما
سيكون جرَّهما إلى خلل الخرافةِ
في تدفقه
وها هو صاعدٌ
حرا
خفيفًا
باحثا عن رجلٍ وامرأةٍ
غيرهما
وكأنه
يبغي يُكَمِّلُ في تموُّجه
نشيدا بدأهْ.

البحر يكمل لوحة الأسى

تكوين ثلاثي بدأه شاعرنا الكبير السماح عبد الله في قصيدته البسيطة الرائعة موسيقات ضرورية لإتمام النشيد، والقصيدة مقتطفة من ديوان ثلاثاءات عابر سبيل 2006.
التكوين يأخذ بسلاسة تجمعا بسيطا يجمع بين رجل وامرأة وبحر:
رجل وبحر وامرأة
نامت علي عري حشيش البحرفي حالة الصبابة
واتكأ بجوارهايمسح ملح البحر عن سلسلة الظهر
ويهش الذكريات الخاطئة “
وأعشاب البحر في صورتها العارية هي الحالة المناظرة لعري المرأة، وهي الملجأ والملاذ لعش يحتوي علي جسدها في لباس البحر عاري الظهر، وانصهارها في أتون الصبابة، هو الترجمة العاطفية لحالات الشوق المبرح، والرجل إذ يجاورها في العري والنوم الأملس، متكئا فوق الفراش من عشب البحر، فهو ذلك الرجل المكمل لجزء أصيل من المشهد العاطفي، والحميمية المفرطة ترسخ علاماتها من الحنو البالغ والشفيف، عندما تظهر تلك العلامات صورة الرجل وهو يلمس ظهر المرأة العاري، ليمسح عنه ويذب ما ترسب فوقه من ملح البحر:
” والبحر من تحتهما يصعد
حتي يلمس الاقدام ”
والمكون الثالث للصورة النقية البسيطة هو البحر، والبحر في تلك المنظومة الثلاثية هو كائن متحرك يجاورهما في فعل الغرام، ويتوق شوقا إلي الملامسة الحرة، وفي النمط الحركي لتواجده كعازل فاصل بين حالات الملامسة، كعجوز تتملكه مشاعر الغيرة، ممثلا لكيان متطفل:
” يصعدحافياحراخفيفا
ويغطي جسد المرأةفي حال الصبابة “
والمبادلة الحركية تأخذ موقعها البديل لحالات الشبق بين الرجل والمرأة، لتحل كبديل لعلاقة تتماثل مع حركة مبتذلة لأمواج البحر في صعودها وهبوطها:
” ويغطي رجلا يبحث في الذاكرة النساية
عن شجريصطف كي يحرس دارا واطئة ”
يتقاطع مع علامات الشبق الموجي المستعر للطبيعة الفاجرة, سلوك مناوئ، والفعل المصاحب للفعل الارتدادي ينضم إلي أفعال الغريزة، عندما كان المشهد في بدء الخلق قد استعار ورقة التوت لتغطي به حواء جزءا عاريا في جسدها، بعيدا عن تطلعات آدم, بعد أن قاما بأكل ما حرمه الله عليهما، ها هو آدم الذي افترش أعشاب البحر يبحث عن ساتر يعيق تمدد وانكماش الأمواج الداعرة. صفا ساترا من النباتات، تقوم بعمل الساتر الشجري، وهو الساتر المناظر لورقة التوت
” إن كنت فوق الجسر سائرا
وأومأت الي البحر
فلن تلقاهما”
إنه الفعل المناوئ الذي يظلل المشهد بالسواد، فيحجب عن الرؤية خصوصية المشهد، ومن هذا المنطلق يدب اليأس في قلب البحر، فينصرف يائسا في طريقه للبحث عن بدائل أخري لا تعوق تحركه:
” وها هو صاعد
حرا
خفيفا
باحثا عن رجل وامرأة
غيرهما
وكأنه
يبغي يكمل في تموجه
نشيدا بدأه “
الصورة في مجملها تنهي النشيد العاطفي داخل دوائر متقاطعة: السمة البارزة في النص هي العزف المتكرر علي تيمة واحده. تكرار الحركة الموجية لمد البحر وجذره تشير الي حركة الإيقاع النغمي بتواترها المتكرر في تماثل خلاق. الرباط العشقي هو الرباط المنتمي لتلك الحركة الايقاعية. هو الرباط الجامع لسلوكيات الحياء المتحصن خلف ورقة التوت المقدسة، وهوي الورقة المناظرة لمشهد الجدار الشجري المانع من هتك خصوصية المشهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى