قراة في قصيدة: بعيدا جدا عن الحب للأديبة هدى حجاجي

د. حمزه علاوي مسربت | العراق 

أولا – النص للشاعرة هدى حجاجي

بعيداً جداً عن الحب
غادرْ فما عادَتْ عيونُكَ جنّتي
وما عُدْتُ المُحِبّ المدنَفا
يا من أذقْتُكَ كَأْس وصْلي عذبةً
خنْتَ العهودَ، فَذُقْ إذنْ كأس الجفا
يبدو بأنّكَ كنتَ تجهلُ قيمتي
فالآنَ قد آنَ الأوانُ لتعْرِفا
ثمة سطر أرغب بكتابته ولكنني أفشل,
يبدو جميلًا كلما رددته في رأسي

ويبدو سيء كلما كتبته,
ربما سِحره يقع في عدم وجوده

ربما الوجود يشوّه الأشياء

مزجت نضارة الألوان الحالمة في محاولة للاصلاح

فكانت النتيجة حلكة سوداء.

ثانيا – القراءة

أضحى النص في استهلاله مابين البعد والقرب؛ بين الأمر والماضي، بين المتكلم والغائب، هذا الأسلوب الالتفاتي شحنت منه الشاعرة هدى حجاجي نصها من أجل شد انتباه المتلقي.

توثق البداية وجود حالة انفعالية مصحوبة بنوع من التمرد الذاتي للكاتبة على واقع عاطفي اعتصر خلجات أنفاسها لتبوح بقرارها الخطابي. تمت إزاحة الرؤية البصرية للماضي وما عادت النقاط تحط على حروفها؛ إنه القلق ونفاذ الصبر وطول الانتظار، فما فعله الآخر من فعل الهجر، جاء رد الفعل بتحول جنتها من مدهشة إلى مبهته، لم يعد عودها منتصبا، فقد التهمته حرارة الشوق والبعد، نتيجة التحولات الشعورية بوجود الآخر. لم تعد الكاتبة مستهامة في هواه؛ وهذا ما يوطن الانزياح العاطفي والذهني، ولم يعد للآخر وجود في عالم الشعور.

تعمل الانزياحات الزمنية والنفسية على خلق إيقاع لفظي ومعنوي يقيم علاقة وثيقة مع عناصر القصيدة البنيوية، وتوظف الشاعرة اللفظتين المتناظرتين – عادت وعدت – لتوليد دلالة جديدة لرفض الآخر، وكذلك لخلق نوع من الجذب الموسيقي للقارىء. استخدمت النفي لمقايضة عالمها الحاضر بعالم آخر لعله يطفىء فورة غضبها ومأتمها في الحب. تستخدم الكاتبة النداء لمخاطبة الآخر وعتابه، سقته بكأس من ماء الوصال العذب، لكنه خان العهد، وخاطبته بكأس الجفاء؛ أي أن هناك ثنائية الوصل والجفاء: الصدق والخيانة، ولهذا جاء تكرار الاسم – الكأس – والفعل – دق – لخلق معادلة موضوعية للحدث الشعري، فضلا عن امداد القصيدة بالحركة اللفظية والايقاعية ، والاعلان عن صياغة صورة جديدة -الافتراق – وترسيخ فكرة النص.

استوطن الإدراك الذهني ما بين الجهل والمعرفة؛ ما بين كنت والآن، ماض وحاضر، كل هذه الثنائيات تفتح بابا للخيال، وميلاد توقعات جديدة، وكشف الحقيقة السابتة بين طيات قلبة، والتمكن من قراءة المسافات البعيدة. تستخدم الشاعرة اللفظتين – الآن و الأوان – كلاهما يحملان دلالة الوقت، مابين اللحظة الآنية، والزمن بشكل عام، وهاتان اللفظتان تمنح النص الانعاش الصوتي والإيقاع اللفظي للنسق الشعري. تبين البعد الانفعالي والنفسي في ميدان كتاباتها؛ لم تعد تكتب له ولو سطرا، لتجاهله لأحرفها وعدم قراءته العقلية بتحويل انطباعاته الحسية والوجدانية لرؤية ما تحيط به من اهتمام ودراية. تغيب اللغة اللفظية والحسية بعد عنائها لما يضيق في صدرها من حسرات وتأفف، فقد أخطأ الآخر في إدراك بنائها عاطفيا وفكريا.

يوجد دافع داخلي يستوطن بين رغبتها في الكتابة إليه، ربما ينهي ما بينهما، لكنها غير قادرة؛ أي وجود صراع بين الدافع الداخلي والشعور، وهذا ما يقودها إلى التأزم النفسي، وتعثر الكلمات بين شفتاها.

تستخدم الشاعرة المقابلة اللفظية مابين الجميل والسيء: الصوت والكتابة، من أجل شحذ همم القارىء في تفاعله مع القراءة والتعاطف مع الكاتبة، وتوظف الأداة -كلما – في نصها الشعري، إشارة إلى التكرار الذي يزين النص بإيقاعات زمنية تزيد من جمالية القصيدة، وتسليط الضوء على الفكرة الرئيسية للنص. تعبر هذه الثنائيات عن حالة القلق والتردد في اتخاذ القرار، فهي تعيش في عالم مرتبك ومحير. يساورها الشك بين الوجود واللاوجود، ولهذا أخذت تتصور بأن سحره كان خلف عدم وجوده، أو أن هناك الكثير من الأشياء تغيرت بفعل القوة السحرية الخارقة للوجود، كل ذلك يدفعها إلى التشتت الفكري: تارة مع فكرها، وتارة مع صوره التي تتراءى أمامها. حاولت أن تعيد نضارة الماضي، فمزجت كل ألوان الصلح، ولم تجنِ سوى حلكة الأسود؛ الخيبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى