في بلاغة التلاسن.. بايدن: سنحرر إيران / رئيسي: إيران تحررت منذ ١٩٧٩
د. محمد الواضح | باحث وأكاديمي من العراق
الملفوظ الأقلّ في المقول الأدلّ
التلاسن ضرب من الحوار الجدلي يحضر في الخطابات المناكفة، لاسيما الخطاب السياسي الذي يحظى بالصدارة بين مختلف أنواع الخطابات؛ بوصفه الأكثر باعثية وتجديدا لاستراتيجيات تحليل الخطاب وتنوعها؛ بفعل حضوره وتسيده المشهد عالميا؛ إذ لامفر لأحد اليوم من عالم السياسة، فهي كالوباء الذي يلاحق الإنسان في كل مكان، في المنزل او الشارع اوالمقاهي أو في الأسواق أو أي مكان آخر لاهروب من السياسة، فلاتنفك أن تكون مناسبة للحديث يدور على ألسنة العامة بلْه الخاصة.
عرّف الخطاب
ولَك أن تسمي خطاب السياسة خطابا إغرائيا تكاد تتوافر فيه عناصر الجذب والانشداد ذاتيا. فضلا عما توفره لغة الخطاب السياسي من حمولات دلالية تتسع باتساع القراءات وزوايا النظر وتنوع آليات القراءة.
ففي واحدة من بلاغات التلاسن التي يسجل فيها المشهد السياسي (مانشيت) صحفيا بارزا، بين أبرز قطبين سياسيين:هما الرئيس الأميركي (جوبايدن)والرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) وفق استراتيجية المناورة في الفعل ورد الفعل، وضمن مايمكن تصنيفه بالحروب الناعمة والباردة التي تغذي ثنائية القطيعة، بين طهران وواشنطن.
بايدن وإعلامه الذي استغل حادثة الشابة الإيرانية (مهسا أميني) لتكون وسيلة ضاغطة لأميركا باسم الحقوق والحريات ورفض سياسة العنف، يتخذ هذا الأمر بمناسبة وأخرى ورقةً للتنديد، وإثارة الرأي العام ضد إيران.
يقول بايدن: سنحرر إيران/خطاب يقول أكثر مما يخبر؛ فهو يندرج ضمن المقولة اللسانية التداولية
- الملفوظ الأقل في المقول الأدل- هو ضرب آخر من ضروب فهم الخطاب باختصار.
- تنطوي تحت هذه الألفاظ القليلة ظلال واسعة من المعاني تستجلي مضمرات هذا الخطاب، غمز سياسي
- يضمر في بنيته قضايا كبرى، ومتعددة ورئيسة:فماذا يستهدف بايدن في خطابه؟
- عودة إيران إلى الحضن الأميركي كما كان الحال في عهد الشاه بهلوي
- إسقاط الرمزية الدينية (وتصوير الإسلام على أنه دين الفوبيا والإرهاب)
- تثوير الداخل الإيراني المعارض
- كسر التابوهات المجتمعية
- التشدق ضد خنق الحريات
- رفض تعنيف المرأة
هذه الثيمات وغيرها منطلقات دفعت بايدن للظهور بشخصية الرجل المصلح عالميا لممارسة نوع من الوصايا تحت يافطة حقوق الإنسان وإشاعة الحريات
في المقابل: يختصر رئيسي هذا الخطاب بخطاب أقل وأدل أيضا: (إيران تحررت منذ ١٩٧٩)، في إشارة واضحة وبليغة للتأكيد على أن زمن التحرير لدى إيران يبدأ من انتهاء مدة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، متخذا من ضميمة الزمن (١٩٧٩)، عهدا يؤرخ لانعطافة تاريخية كبرى، تحررت معه ايران من كل مظاهر التبعية والتخلف والانحلال والتمزق المجتمعي التي اكدتها شعارات الثورة آنذاك.
فالتحرير في خطاب رئيسي أشبه باستدعاء الحالة الماضوية التي تمثل المنظومة القيمة الحاملة لمضامين الثورة الإيرانية الإسلامية، وأبرزها: - التحرر من التبعية الأميركية المسيطرة على حكم الشاة (ثيمة كبرى)
- العمل وفق مفهوم الحاكمية الإسلامية أو مايسمى الإسلام السياسي
- اعادة الاعتبار الأخلاقي للمجتم
- القضاء على الفجوة الطبقية
- الوقوف ضد سياسة البطش وتكميم الأفواه
- زرع القيم الإسلامية
- وغير ذلك.
وعلى الرغم من أن هذين الخطابين دالان ومكثفان، بيد أنهما يستدعيان من المتلقي مرتكزات فهم أساسية، تتمثل بحضور المرجعية الثقافية التاريخية ووعي التجربة السياسية لدى المستهدف من الخطاب لكي يحقق الخطاب أبعاده المقصدية في التواصل، فرب خطابين وجيزين يختصران تاريخا بأكمله من الأحداث. وذلك من فنون الكلام وأسرار الخطاب. فتأمله!