دستور القراصنة وأحلام الخانعين

عدنان الصباح | فلسطين

حتى القراصنة لهم دستور وقانون يحترمونه ويخافون عليه ويحمونه بكل الوسائل والطرق ولا يسمحون لأحد باستباحته أيا كان هذا الذي يسعى لفعل ذلك وقد قدمت دولتا القراصنة في أمريكا المحتلة وفلسطين المحتلة الإثبات على ذلك دون أن نستطيع نحن دعاة التاريخ والجذور والعراقة أن نحمي شيئا محترما يوما وهو ما يجعل المواطن العربي كثير الالتصاق بما قاله مظفر النواب “ما أوسخنا … ما أوسخنا … ما أوسخنا ونكابر ما أوسخنا”.

العنصريون اللقطاء أحفاد المجرمين والهاربين وسادة الاستغوال الامبريالي تمكنوا من الانتصار على الجميع أمام الجميع وعلى مرأى من كل العالم صوت مجلس النواب الأمريكي موافقا على محاكمة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته أمام الكونغرس لعزله بتهمة التحريض على العنف وقد شارك بالتصويت مؤيدا للاتهام بالعلن أعضاء من حزب ترامب نفسه دون أن يتهمهم حزبهم بالخيانة وأثناء النقاش التزم الجميع بدقيقة أو اثنتين كحق للحديث ولم يتجاوز أحد ولم يتطاول أحد وبروح عالية من المسئولية واحترام الذات أقروا بالأغلبية التهمة وقد كان بإمكان من صوتوا من الجمهوريين أن لا يفعلوا لأن الغلبة للديمقراطيين وبالتالي فهم سيحصلون على ما يريدون دون أن يعارضوا حزبهم ولكنهم فعلوا دون خوف على امتياز أو منصب.

البرلمانات العربية ليست أكثر من مصفق أخرق للرئيس وندرة بين المشرعين العرب من يدرك دوره كعضو برلمان إنه مشرع وحامٍ للدستور بقدر ما هو مصفق للرئيس ومنفذ لأوامر المخابرات في بلده وقد تعرضت البرلمانات العربية ولا زالت لكل أشكال التنكيل من قبل السلطة التنفيذية وأجنحتها تنفيذا لأوامر الحاكم المطلق وحتى البرلمانات التي لا تبدو كذلك كما هو الحال في لبنان فإن البرلمان هناك ليس أكثر من مزرعة مشتركة للإقطاعيات السياسية.

جريمة ترامب لم تكن التحريض على العنف في سبيل السلطة بل كانت بإيقاظه البشع لغول العنصرية البيضاء والتي على ما يبدو لم تكن قد اندثرت بل ذهبت في سبات القومية البيضاء أو الوطنية البيضاء التي أيقظها جنون شخص من أمثال ترامب ومع ذلك فإن أحفاد القراصنة الأوائل وتوليفة الهاربين من وطنيتهم وقومياتهم استطاعت أن تحمي بكل اللياقة والتماسك دستورها الذي صاغته لحماية وجودها على أنقاض أمة بأسرها وهي الأمة التي نسيها العالم الأعور والجبان وصار يطلق على بقاياها اليوم سكان البلاد الأصليين “الهنود الحمر ” رضوخا وخوفا من بطش القراصنة الأوائل وأحفادهم اليوم والذين أصبحوا سادة لعالم جبان يتقن الانحناء بدل المقاومة.

أن يجتمع برلمان ويقرر أعضاؤه التصويت على محاكمة رئيس البلاد ويلقى ذلك قبولا في الأغلبية هو ناقوس خطر يجب أن يدق في عواصم العرب قبل غيرهم من الشعوب فلا يعني ذلك أبدا بداية النهاية للإمبريالية الامريكية المستغولة بل على العكس من ذلك قدمت أحداث الكونغرس وما تلاها من تداعيات اثبات خطير على تماسك ووحدة هذه البلد وحتى لو لم يتمكنوا زمنيا من محاكمة رئيسهم اثناء تواجده في السلطة فان العبرة وحدها تكفي وقد اجبر تصويت النواب ترامب على ان يخرج علنا ليدعو الى جلب ومحاكمة كل من شارك في الاعتداء على الكونغرس وان ينشر علنا اجراءات حزم امتعته اعلانا عن قبوله بالأمر الواقع واستعداده لمغادرة البيت الابيض طواعية.

على العرب أن يتعلموا من أعدائهم معنى واليات الرضوخ للدستور وحمايته لا معنى حماية الزعيم والرضوخ لإرادته أيا كانت بما في ذلك الYدراك المعلن لتعارض رغبات الحاكم مع مصالح الشعب وفساده شبه المعلن ودون أن نصل تلك المرحلة فإن الأمل بخروجنا من كهوف التخلف يظل معدوما وبالتأكيد فغن أوهام انتصار المتخلف على من يتقدمه بسنوات ضوئية هو أضغاث أحلام وخيال لا احتمال لحدوثه على ارض الواقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى