الشهيد

مصطفى العارف | العراق

اللوحة للفنان الدنماركي: أغسطس شيت

شاهدت على مواقع التواصل الاجتماعي أعلانا من كلية الفنون الجميلة تدعو الفنانين العراقيين للمشاركة في المسابقة المقامة في أروقة الكلية لمدة أسبوعين, وموضوع  اللوحات المطلوبة (الظلم والاضطهاد), والجائزة الأولى سفرة إلى المعارض الفنية في استراليا على حساب الدولة, شجعتني زوجتي على رسم لوحة فنية, تركت الرسم سنوات بعد تعرضها إلى حادث سير مرعب فقدت بصرها بسببي, كلما رايتها تألمت وحزنت كثيرا, إذ كنت أقود سيارتي بسرعة فائقة ,وانفجر الإطار الأمامي, انقلبت السيارة فقدت ولدي, وابنتي, وفقدت الوعي أشهر عدة.

قرأت الإعلان مرة أخرى أخر موعد لتسليم اللوحة يوم الأحد 3/6/2014م.

-: قالت نسرين زوجتي  باقي على المدة يومين فقط, أرجوك من أجلي شارك في المسابقة, خرجت في نزهة عائلية إلى منطقة نائية بعيدة عن صخب وضوضاء المدينة, وسط بستان كبير, شاهدت امرأة جنوبية يسير خلفها كلبها, وهي تقود القطيع إلى البستان, وهناك أطفال صغار يلعبون ويمرحون يلبسون ملابسا قديمة لا تسترهم, ولمحت امرأة كبيرة تحصد الزرع  بجد ونشاط, ومعها فتيات, وفتيان المنطقة  تحصد الزرع والكل يشعر بسعادة, وبساطة, ومتعة .

– : قالت نسرين. – عادل صف لي المكان, وصفت لها كل المشاهد وأنا أتحدث معها  بدت لي صورة بعيدة غير مرئية عن امرأة جنوبية في أخر البستان التي تجسدت معاناتها ظاهرة عليها كلما اقتربت منا وصفتها لنسرين امرأة جنوبية كانت

جميلة فارعة الطول ترتدي ثوبا طويلا ممزقا من الجنبين, تحمل طفلها الصغير على صدرها, وجرة ماء كبيرة على رأسها تملأها من النهر البعيد, تتساقط قطرات الماء على وجهها الشاحب,وتنزل على ثوبها حتى تسقط على الأرض, مخلفة آثارا عميقة على تراب البستان, عليها غبار السنين, وتجاعيد الحياة ظهرت على وجهها الطفولي المفعم بالحزن للحياة التعيسة التي تعيشها. وصفت المرأة بكل تفاصليها التي طبعت في عقلي, وأضفت لها شروق الشمس, والمناظر الطبيعية الخلابة.

أعجبت نسرين بوصفي الدقيق, وطلبت مني رسم هذه اللوحة لأنها تجسد المعاناة، ثم انقطع نفسي, وبدأت ضربات قلبي بالتسارع, وأنا أشاهد دخول سيارة مسرعة إلى البستان تحمل أشخاصا ملثمين يرتدون السواد, وتبدو هيئتهم غريبة وغير مألوفة, ومعهم شخص يرتدي الزي العسكري مكتف اليدين, معصوب العينين, وقد تم الاعتداء عليه من الجميع بالضرب المبرح, نزل المسؤول وهو يحمل سيفا كبيرا, قام بضرب العسكري بقوة بتر يديه ,وقطع رأسه, وهو يتكلم بلهجة غير عربية, ويهدد, ويتوعد البقية, كانت معي في السيارة بندقية حملتها, وتوجهت نحوهم ونسرين تصرخ, وتصيح, أطلقت عليهم النار لاذوا بالفرار, وصلت إلى العسكري, سال دمه الطاهر على ارض البستان, كانت قطعة تعريفية على صدره مكتوب عليها العميد الركن عباس علي أمر لواء الفرقة الأولى.

سالت دموعي ,ودموع نسرين ,وامتزجت مع دمه الطاهر, وصدمت صدمة كبيرة بهذا المنظر الرهيب ,والمهيب, وأنا أتلعثم بوصفه لنسرين, وخيم الليل علينا, عدنا للبيت, دخلت مرسمي لأرسم هذه المأساة العظيمة التي حصلت هذا اليوم, وأنا في غاية التعب الإرهاق, مزجت الألوان الطبيعية كان الأحمر الأبرز في اللوحة, وهو يصور لون السماء الحمراء وقت الغروب, ولون دمه الطاهر مقطوع اليدين والرأس, ونزيف الدم, واللون الأصفر الذي بين القطعة على صدره وهي تشع نورا لأنها تحمل هويته وعنوانه العراقي الشهيد المخلص الذي ضحى بنفسه من اجل الكرامة والقيم والمبادئ وحفظ البلد ,والنساء, والأطفال كل هذه الموضوعات تجسدت في اللوحة الحزينة المعبرة التي رسمتها ودموعي امتزجت مع ألوان اللوحة.

سلمت لوحتي في اللحظات الأخيرة من انتهاء الموعد أعجب بها عميد كلية الفنون الجميلة ,وبعض أساتذة الرسم , ولاقت استحسانا كبيرا  من الجميع , وتم عرضها.

وفي اليوم التالي أعلنت النتيجة بفوز لوحتي بالجائزة الأولى, وسافرت أنا, ونسرين إلى استراليا ,وعند لقاؤنا بالفنانين الغربيين-:  قلت لهم في لقاء صفحي حصلت على الجائزة الأولى , لان الشهيد العراقي هو المضطهد الأول في العالم.

 16/8/ 2021  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى