الشيخ الشعراوي
ناصر رمضان عبد الحميد
عضو اتحاد كتاب مصر
الحملة الّتي تُدار وتُثار من حين لآخر حول الشّيخ محمد متولي الشّعراوي، حملة لا فائدة منها، لأنها ببساطة، تفتقد أبسط الأسس العلميّة والمنهجيّة، فالشّيخ ملأ الدنيا وشغل الناس.
الشّعراوي الفقيه، الأديب اللّغوي، الشاعر، المفسّر، الوزير، البلاغي، إمام الدعاة وسيد العارفين، الزاهد الورع، الكريم.
عرفتُ أسرته عن قرب، دخلت منزله بعد وفاته، وخلوته بعد موته بالسيدة نفيسة ورأيت بأم عيني كيف كان يعطي ويوقف أموالًا لا تحصى للإنفاق على الفقراء والمساكين، الشّيخ هو أول من فسر القرآن بصوته عبر شاشة التلفاز، فأبدع ونوّع، ويسّر وأوضح، واستخدم اللّغة العربيّة المطعمة باللّهجة المصريّة في أداء تمثيليٍّ مسرحيٍّ يُحسب له، حتى أشاد به الفنّان عمر الشريف واعتبره ممثلًا من طراز فريد.
وهو أمر يظهر مدى الذكاء والفطنة، وكيف يصل بأسلوبه السهل إلى من ليس له الحظ في التعليم.
الشّيخ الأزهري المتفتح العارف لحقوق المواطنة مطبقًا لها حق التّطبيق، أما علاقته بالبابا شنودة كانت واضحة للجميع، الشّيخ المصري ابن النكتة، الضاحك، البشوش، الفصيح،
يحتاج الشيخ إلى مجلدات لنوفيه حقه. قد يكون هناك بعض الهنّات في تفسيره َوهي قليلة جدًا، ببساطة لأنه غير متخصّص في التّفسير وحسبه أنه اجتهد ومارس التّفسير شرحًا وتيسيرًا وتوضيحًا لمعاني الكتاب الكريم.
الشّيخ حديقة غنّاء كل ما فيها مثمر، واحة خضراء يفيء مسافر الدنيا إليها ويستشفي بها المضنيّ العليل،موسوعة وكشكول، طوّع العلوم الحديثة لفهم معاني النّص القرآني، وشرح مفرادت الألفاظ لتوضيح المعنى الصريح، قرأ الحواشي وأخرج ما فيها من كنوز وخبايا بلغة سهلة ماتعة مطعّمة بالشّعر والحكاية.
لست من دروايشه ولكنّني أعرف له قدره وأجلّه وأحترمه، سألت ذات يوم أستاذي، الدكتور محيّ الدين الصافي عنه، كان وقتها الشّيخ حديث الناس، فقال لي :”الشّعراوي اجتهد وطوّع اللّغة لفهم النّص فهمًا جمع في تفسيره كل شي، وأنه زاره في منزله فوجد بيده حاشية الشهاب (علي البيضاوي). والسؤال الّذي يطرح نفسه: هل استدعاء الشّيخ الشّعراوي والحديث عنه بهذا الشكل يخدم التنوير؟
الإجابة ببساطة، لا،
لماذا؟
لأن الشّيخ الشّعرواي يُؤخذ في سياق عصره السياسيّ الاجتماعيّ، لم يدّعِ الشّيخ يومًا أنه تنويريًا أو فيلسوفًا، راح يهدي النّاس من أمر خطير، ولا مشَ في النّاس واعظًا “يقول يا قوم أدعو الله في اللّيل المطير”
كل ما فعله الشّيخ أنه مارس حقه في علم عرفه وله الحرية في ذلك، يخطأ ويصيب كبشر ويؤخذ منه ويرد.
له منهجه في التّفسير الّذي حاول من خلاله تيسير المعاني عن طريق تفتيت المباني (اللّغة)، هو متخصص في ذلك هاضمًا للنحو والصرف والبلاغة (المعاني _البيان _البديع) وكلها أدوات ساعدته ومكّنته من الشرح.
يبقى تفسيره شاهدًا على حَقبة زمنية، وفهمه هو حسب علمه وقدراته، لم يتعبدنا بما قال، ولا طلب منّا التسليم بما يقول بل حسبه أنه اجتهد، وللمجتهد حق الاحترام.
قد يكون الشّيخ أخطأ في بعض الفتاوى لأنه غير متخصّص بالفقه، ورفض أشياء كثيرة، كنقل الأعضاء والتبرع بها، كرة القدم الخ…. لكنّها أمور تُرد عليه ولا تنتقص من قدره كعالم وداعية من طراز فريد.
حارب الفكر المتطرف وترك منذ شبابه جماعة الأخوان، كان ابن الدولة، وأحد أعمدتها، لم يأخذ ما يعيبه أو يقلّل من شأنه، ترك الوزارة حين اصطدم بعويضة، المسؤول عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ولم يستغل علاقتة الطيبة بالرئيس السادات لإبقائه في منصبه، بل آثار السلامة، وحين أُتهم أنه يسعى لمشيخة الأزهر، خلع العمامة كنوع من الرّد غير المباشر على عدم سعيه لشيء.
الشّيخ أعطى الكثير لوطنه ولم يقصّر فيما أُوكل إليه، بل أتقن وأبدع، وصال وجال وطاف ذكره بالآفاق ورحل وترك الناس بين محب وكاره، دون أن يجبر احدًا على ما ترك.
في النّهاية دُعيت من قبل الدكتور عصام القطاط زوج ابنته (الحاجة صالحة)، لحضور ذكرى وفاته في خلوته بالسيدة نفيسة عام ٢٠٠٩ و٢٠١٠ فوجدت في الخلوة العالم برمته، دعاته، إعلاميه، وعلى سبيل المثال لا الحصر: د. أحمد عمر هاشم، د. على جمعة، حسن راتب صاحب قناة المحور، وزراء، سفراء، مندوبي السفارات بالدول العربية والأجنبية احتفالًا أسطوريًّا ينتهي بعشاء من (أبو شقرة) على نفقة صاحب المطعم الذي كانت تربطه علاقة بالشّيخ وأحد مريده، مع هدايا لا تعد من الحاج حسن راتب ورجال أعمال بلا حصر.
رحم الله الشّيخ وأسكنه فسيح جناته.