تهويمات في الساعة الهامدة من الليل.. الحرية هي الاسم الأخر للحياة

فايز حميدي | شاعر وكاتب فلسطيني مغترب

 

كما باريس رمزها برج إيفل ، ولندن رمزها ساعة البينغ بن ، وجنيف مدينة النافورة الطالعة من البحيرة ، أما العرب فرمزهم شعرهم ، وأصدقه مراثيهم …
-سُئل اعرابي : ما بال المراثي أجود أشعاركم ؟
-أجاب : لأننا نقولها وأكبادنا تحترق …..
الحرية في بلاد العرب ، تستحق ان تكون المرثية الأولى….
إنها الحرية التي تلغي نفسها بنفسها ، إنها حرية أن تموت كما تشاء ، لأنه لا وقت لدى أي انسان كي يمنعك ، إنها حرية لا مبالاة الجماعة بك ، وليست حرية تنبع من اعترافها بكيانك ، إنها تلك الحرية التي تمنح لأعمى ، حرية الأكل لمن استؤصلت معدته …
الحرية :
القيمة الأسمى في فلسفة التاريخ البشري ، تلك الكلمة التي لا شيء أثمن منها ، تلك القيمة الإنسانية التي تبدد عتمة الليل بشمس النهار .
الإنسان يرتقي أو ينحط بما يؤمن ويعتقد ، لا بما يزرع ، ويصنع ويتاجر ….
الحرية ليست شعاراً أو اعتقاداً ، إنها حقيقة علمية ، غريزة مثل الزواج والبقاء ….
الكائن الحي ، حي لأنه يملك حرية حركته ، وأي قيد على حريته ، سوف يناضل ويكافح حتى يزول أو يهلك دونه …
العالم الروسي المشهور( بافلوف)، أجرى تجربة في غاية الأهمية على فيزيولوجية الجهاز الهضمي ومراقبة السلوك الحيواني ، واختار الكلب لهذه التجربة …
وضع الكلب في جهاز الإطعام ، وربطت أطرافه بطريقة تحد من حركته فقط ، لكنها لا تقيده ..
قدمت وجبات الطعام مرة كل بضعة دقائق ، كان هادئا ، يأكل برغبة ، افرازاته طبيعية …بمرور الوقت ، بدأت سلسلة غريبة من الأعراض تظهر عليه ..وبدأ :
ينبح ، ينفعل لأقل شيء ويثور ، يعض قوائمه ، وصحب هذا المجهود العضلي ، ضيق في التنفس ، خفقان في القلب ، افراز غزير من الغدد اللعابية …..استمر هذا عدة أسابيع ، حتى أصيب الكلب بالسقم وأصبح غير صالح للتجربة عليه ….
يقول العالم بافلوف :
(حيرني سلوك الكلب …ووجدت أخيرا الإجابة :
إن سبب سلوكه الأربطة التي تحد من حركته ، وبالتالي من حريته ، واسميت هذه الظاهرة (انعكاس الحرية ) التي تدل على وجود غريزة الحرية لدى الكلب ، وان تلك الغريزة تبلغ عند بعض الحيوانات حدا ، لو قيدت حرية الحيوان فإنه يمتنع فورا عن الطعام ، ولا يلبث أن يذوي ويموت …).
أذهلتني نتيجة التجربة ……
في الغابة تكون الحيوانات حرة طليقة …
في زيارة الى الاتحاد السوفيتي سابقا(روسيا ) ، في حديقة الحيوان في إحدى ضواحي موسكو ، رأيت للمرة الأولى ، الأسد ، والنمر ، والضبع ، والذئب …وبعض كائنات الطبيعة ، شاهدتها في أقفاص حديدية محكمة الإغلاق ، لكنها واسعة نسبيا ….
أدهشني منظر الأسد ، فقد كان يبدو لي ، كسولا ، كئيبا ، بليدا ، مطفأ العينين ، والنمر كان يتحرك في قفصه مثل عجوز مصاب بالشلل منذ عهد بعيد ..
لم يخطر ببالي ، ان الأسد داخل القفص ليس أسدا ، وإنما جسد محشو بالقهر والذل ، وإن النمر بلا حرية يصير مجرد قط كبير ، ويفقد كل خصائصه وصفاته وحواسه ..
..وإنه كلما ازدادت حريتها ، برزت مزاياها الحقيقية ، وتفجرت طاقاتها ..
تذكرت شمس العرب المائلة ، وابناء فلسطين المحاصرين في الوطن المحتل .
تذكرت الحرية في الدساتير العربية الواضحة للعيان ، وفي الواقع تزول علنا ، مع ايقاف التنفيذ .
تذكرت أبناء الامة العربية الذين أكلهم الزمن ، وسحلهم في دروبه …
منذ تفسخ الدولة العباسية وانقسامها ، الى الاحتلال العثماني ، والاستعمار الفرنسي ، وفترة ما سمي ظلما بمرحلة الاستقلال الوطني …فيما قيم المحبة والأخوة تختنق في سباق المصلحة القطرية ، والاحتراب الداخلي ، وتكالب رأس المال الذي يطحن في طريقه كل شيء …
تذكرت ما يقال عن صفقة القرن ، وامريكا (واسرائيل ) واعوانهما تعملان على تدمير طاقات المجتمعات العربية ، لا يمكن لدولة ان تؤمن حقا بالحرية ، حرية الفرد وحرية المجتمع وتفعل ما تفعله بالشعوب المقهورة ..
لا يمكن لدولة أن تكون بوجهين ، وجه حر في بلادها ، ووجه قاتل للحرية وخانقها في بلاد غيرها ….إنها الحرية المزيفة داخل أمريكا ، تسفر عن وجهها الحقيقي خارجها….
تذكرت عصور كبت الحرية التي توالت على الشعوب العربية ، والتي لم تقتل أصالته ، لكنها شوهته ، وأصابته بعاهة الصمت على انتهاك إنسانيته ، وحريته ، وحقوقه ….
قيثارة جيلنا مجروحة
متى نفتح ثغرة في ليلنا الطويل …متى ؟
محبتي
(القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى